خلافة عثمان كانت خدعة لعلي وترك للشورى

الشبهة:

ادَّعت الشيعة أن أمر الشورى في الستة، وملابسات اختيار عثمان بن عفان خليفة ما هو إلا حيلة لتنحية علي عن الخلافة، وكان تعليق جعفر مرتضى العاملي على رواية أوردها ما نصه: «هذه الرواية إن دلت على شيء فهي تدل على وجود تواطؤ على علي S لإبعاده عن الخلافة، بدليل أنها ذكرت أن ابن العاص كان على علم مسبق بنوايا ابن عوف، وبما سيطلبه من أهل الشورى»([1]).

ويقول أيضًا: «ونحن على يقين من أن عبد الرحمن لو سمع من علي S نفس الجواب الذي سمعه من عثمان، لكان قد طرح مطلبًا تعجيزيًّا آخر يرفضه علي S، ويؤدي إلى إبعاده عن الخلافة جزمًا، كأن يطلب منه أن يعترف بعدم وجود نص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله، ويعلن ذلك صراحة، أو ما إلى ذلك»([2]).

 

([1]) الصحيح من سيرة الإمام علي S، الحر العاملي (15/188).

([2]) الصحيح من سيرة الإمام علي S، الحر العاملي (15/190).

الرد علي الشبهة:

كانت بيعة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ا بالإجماع، قال الإمام أحمد: «مَا كَانَ فِي الْقَوْمِ أَوْكَدُ بَيْعَةً مِنْ عُثْمَانَ، كَانَتْ بِإِجْمَاعِهِمْ»([1]).

وقال أبو نعيم الأصبهاني: «فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى وَنَظَرُوا فيِمَا أَمَرهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ، وَأَبدُوا أحْسَنَ النَّظَرِ وَالْحِيطَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَاخْتَارُوا بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ وَالْحِيطَةِ لَهُمْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ا؛ لِمَا خَصَّهُ اللهُ بِهِ مِنْ كَمَالِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّوَابِقِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا عَرَفُوا مِنْ عِلْمِهِ الْغَزِيرِ وَحِلْمِهِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى مَا اخْتَارُوهُ وَتَشَاوَرُوا فِيهِ أَحَدٌ، وَلَا طَعَنَ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ طَاعِنٌ، فَأَسْرَعُوا إِلَى بَيْعَتِهِ»([2]).

فِعل عمر ا كان في غايةِ الحكمة، بل بأفضل ما يكون منها؛ إذ هو الحاكم الذي اختار بخبرته في أمور الحكم وسياسة الدولة أفضل الناس وأصلحهم في نظره للحكم، فكان واجبه نحو رعيته النصح لهم والدلالة على خير ما يعلمه لهم مع تركه الأمر شورى للمسلمين، وهذا عين ما فعله النبي ق مع أبي بكر الصديق.

قال أبو نعيم الأصبهاني: «الَّذِيَ فَعَلَه عُمَرُ ا مِنَ الْوَقْفِ مَحْمُولٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْتَهِدُوا وَيتحروا الْأَفْضَلَ؛ لِمَا كَانَ يُشَاهِدُ فِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخِلَافَةِ، وَأنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانَتِ الأْعَيْنُ مَمْدُودَةً إِلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْتَهِدُوا لِيَكُونَ الْمُبَايِعُ لَهُ مِنْهُمْ أَوْكَدَ أَثرًا وَأَوْثَقَ بَيْعَةً، واقْتَدَى فِيمَا فَعَلَ بِالنَّبِيِّ ق حِينَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِفَضْلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، بَلْ دَلَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَتَفْضِيلِهِ وَسَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَيْهِ، فإِنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ق سَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِجَهْلٍ كَانَ مِنْهُ بمكانِتهِ فَقَدْ قَالَ عَظِيمًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ S: «يَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ا»، وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ»، مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَيَانِ فِي أَمْرِهِ»([3]).

لم تكن الشورى لهؤلاء الستة الذين حددهم عمر بن الخطاب كما قد يتوهم البعض، بل كانت الشورى للمسلمين من المهاجرين والأنصار الذين هم أهل الحل والعقد، والأمراء وقادة الجند.

فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح([4]) عن الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «وإِنْ كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيءٍ فَاتَّقِ اللهَ، وَلَا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْط عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَاتَّقِ اللهَ، وَلَا تَحْمِلْ أَقَارِبَكَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَتَشَاوَرُوا ثُمَّ أَمِّرُوا أَحَدَكُمْ، قَالَ: فَقَامُوا لِيَتَشَاوَرُوا، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَدَعَانِي عُثْمَانُ فَتَشَاوَرَنِي وَلَمْ يُدْخِلْنِي عُمَرُ فِي الشُّورَى، فَلَمَّا أكثَرَ أَنْ يَدْعُوَنِي، قُلْتُ: أَلَا تَتَّقُونَ اللهَ؟ أَتُؤَمِّرُونَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَي بَعْدُ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: أَمْهِلُوا، لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، ثُمَّ تَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فِي الثَّلَاثِ وَاجْمَعُوا أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَمَنْ تَأَمَّرَكُمْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوه، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُمْ؛ لِأَنِّي قَلَّمَا رَأَيْتُ عُمَرَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِلَّا كَانَ بَعْضَ الَّذِي يَقُول، قَالَ الزهْرِيُّ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ اجْتَمَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لكُمْ مِنْكُمْ، فَوَلَّوْهُ ذَلِكَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ مَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَا ذَوِي غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ إِلَّا اسْتَشَارَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ»([5]).

وفي صحيح البخاري عن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: «أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ»، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ، فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: «أَرَاكَ نَائِمًا، فَوَاللهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا»، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: «ادْعُ لِي عَلِيًّا»، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ لِي عُثْمَانَ»، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا»، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ»([6]).

فهتان الروايتان تبينان بجلاء ما تم من الشورى، وأن بيعة عثمان لم تكن لمجرد استخلاف عمر له، ولا لاختيار عبد الرحمن بن عوف له، لكن طبيعة البيعة أن يبايع للخليفة الواحد ثم الثاني، وهكذا حتى يتتابع الناس عليه.

يقول أبو نعيم جوابًا على من يعترض على بيعة عمر للصديق: «وَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ احْتِجَاجَكَ بِتَخَلُّفِ عَلِيٍّ ا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ا لِمُبَايَعَةِ رَجُلَيْنِ لَهُ، وَهُمَا عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، رَاجِعٌ عَلَيْكَ فِيمَا تَحْتَجُّ بِهِ مِنْ عَقْدِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ ا حِينَ بُويِعَ؛ وذَلِكَ أَنَّ الَّذِي سَبَقَ إِلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ ا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَا فَاضِلَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَا يُوازَنَانِ بِعُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْفَضْلِ، فلَئِنْ جَازَ لَكَ أَنْ تَحْتَجَّ بِتَخَلُّفِ عَلِيٍّ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ ب وَتَمَنُّعِهِ لِانْعِقَادِ بَيْعَتِهِ بِرَجُلَيْنِ ثُمَّ تَابَعَهُمَا الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا عَلَيْهِ، لَجَازَ لِمَنْ يَطْعَنُ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ ا أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِهِ وَيَقُولَ: إِنَّمَا سَبَقَ إِلَى بَيْعَتِهِ رَجُلَانِ ثُمَّ لَمْ يُتَابَعَا عَلَيْهِ، بَلِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ سَبَقَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ إِلَى مُبَايَعَتِهِ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلُ: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ، مِثْلُ: أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ق، فَلَمْ يَرَوْا أَنَّ عَقْدَ عَمَّارٍ وَسَهْلٍ يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِ وَتَشَاوُرِ وَاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ إِذَا وَجَدُوا شَرَائِطَ الْخِلَافَةِ لِمُتَابَعَةِ غَيْرِهِمْ إِلَى الْبَيْعَةِ، وَإِنَّمَا بَايَعُوا عَنْ عِلْمٍ وَرَأْيٍ وَاخْتِيَارٍ وَمَشُورَةٍ وَاسْتِحْقَاقِ مَنْ بَايَعُوا لَهُمْ، وإِنْ سَوَّغْتَ لِعَلِيٍّ ا الْقُعُودَ عَنْ بَيْعَةِ مَنْ بَايَعَهُ بِأَنَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُسْلِمِينَ طُرًّا، فَسَوِّغْ لِمَنْ طَعَنَ مِنَ الْمَارِقَةِ الْخَوَارِجِ عَلَى خِلَافَتِهِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ إِذَا احْتَجَّ بِأَنَّ عَقْدَ بَيْعَتِهِ انْعَقَدَتْ بِرَجُلَيْنِ عَمَّارٍ وَسَهْلٍ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ وَدِينٍ»([7]).

وقد نص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على أن فعله شورى، ففي صحيح مسلم عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ ق، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنَّ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ، وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ ق، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ق وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ، الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ»([8]).

فهذا نص من عمر أن الخلافة ابتداءً كانت شورى في هؤلاء الستة، وهم الأكابِرُ المرضيون من الله ورسوله، وجميعهم يصلح للخلافة، وقد يحصل الخلاف بين الناس عليهم، فإذا اتفق هؤلاء الستة فيما بينهم على خليفة منهم فقد اتفق الناسُ تبعًا لاتفاقهم، وهذا هو الذي قصده عمر -والله أعلم- لَمَّا جعل الشورى فيهم.

قال أبو نعيم الأصبهاني: «لَوْلَا أَبَانَ اللهُ تَعَالَى لِلسِّتَّةِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَالْمَرْتَبَةِ الرَّفِيعَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْإِنْكَارَ، لَمَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلَأَسْرَعُوا إَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ إِلَى السِّتَّةِ، وَلَكَانَ عَلِيٌّ ا الَّذِي كَانَ أَحَدَ السِّتَّةِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَأَظْهَرَ النَّكِيرَ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَلَّمَ عَلِيٌّ ا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَبَايَعَ وَأَمْضَاهُ، فَتَبِعَتْهُمْ كَافَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِهِمْ»([9]).

    1. الحكمة من اختيار هؤلاء الستة:

وفي بيان حكمة اختيار هؤلاء الستة دون غيرهم تقول الدكتورة عليوش رقية: «كان هؤلاء الستة هم الممثِّلون للرأي العام يومذاك، وكانوا في نفس الوقت يشكِّلون فئة كبار الصحابة ذوي السابقة في الإسلام، لقد كانوا جميعًا من المبشَّرين بالجنة، وهذا أمر كان له اعتبار في ذلك اليوم؛ حيث كان عنوانًا على المصداقية الدينية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت هناك اعتبارات على مستوى الانتماء القبلي جعلت هؤلاء الستة الأوفر حظًّا من باقي كبار الصحابة كعمار بن ياسر، فقد كان هو الآخر من صحابة الفترة الأولى للإسلام، فكان مساويًا لهم في السابقة، ولكن انتخابه لم يكن ممكنًا؛ لأنه لم يكن قرشيًّا صحيحًا، ولأنه كان من أصل متواضع، على عكس علي بن أبي طالب، فهو من بني عبد المطلب، وابن عم النبي الشقيق، وأحد المؤمنين الأوائل بعد السيدة خديجة وأبي بكر، وختن النبي ووالد سبطيه عقِبي النبي الوحيدين، أما عثمان بن عفان فهو من بني أمية، لكنه سليل بني عبد المطلب من جهة أمه، وخَتَن النبي، له سابقة الإسلام، أنفق من ماله في سبيل نصرة الإسلام، وأما عبد الرحمن بن عوف فهو من بني زهرة عشيرة أم النبي، أسلَم مبكرًا، صهر عثمان، رجل غني ومسموع الكلمة، أما سعد بن أبي وقاص فهو من بني زهرة كذلك، وأما الزبير بن العوام فهو من بني عبد العزى بن قصي، الملقب بحواري رسول الله ق، أسلم في وقت مبكر، أمه عمة النبي، وبالتالي فهو ينتسب إلى عبد المطلب من جهة النساء، وأما طلحة بن عبيد الله له فهو من تميم عشيرة أبي بكر، وهو أيضًا من المسلمين الأوائل، ويوصف بأنه من حكماء قريش، وهو أيضًا من أغنياء التجار والملاك»([10]).

وردت بعض الروايات التي تنسب لعلي أنه ذكر أن بيعة عثمان كانت خدعة، وكلها ضعيفة لا تصح، يقول ابن كثير: «وَمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ -كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ- عَنْ رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: خَدَعْتَنِي، وَإِنَّكَ إِنَّمَا وَلَّيْتَهُ لِأَنَّهُ صِهْرُكَ، وَلِيُشَاوِرَكَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ، وأَنَّهُ تَلَكَّأَ حَتَّى قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: [ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ] {الفتح:10} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَائِلِيهَا وَنَاقِلِيهَا، واللهُ أَعْلَمُ، والْمَظْنُونُ بِالصَّحَابَةِ خِلَافُ مَا يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الرَّافِضَةِ وَأَغْبِيَاءِ الْقُصَّاصِ الَّذِينَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَضَعِيفِهَا، وَمُسْتَقِيمِهَا وَسَقِيمِهَا، وَشَاذِّهَا وَقَوِيمِهَا»([11]).

ونحن لا ندري كيف ينخدع المعصوم؟! إذ إن عصمته قاضية بمنع خديعته، فإن سلمت الرافضة بخداعِه فقد سقطت عصمته وسقط علمه بالغيب، وغير ذلك من تَبِعات التسليم بخديعته، وبالتالي فقد سقط دينهم، وإن نفوا ذلك سقطت شبهتهم.

 وهنا يتفطن جعفر مرتضى العاملي لنظير هذا المأزق، فيقول عن رواية فيها خديعة علي بن أبي طالب ما نصه: «إن هذه الرواية وإن كان لا يبعد حصولها؛ لأنهم أرادوا أن يطمئنوا إلى طبيعة جواب علي S، لكن الإيحاء بأن عليًّا S لم يصل إلى الخلافة بسبب أن خدعة عمرو بن العاص قد جازت عليه هو الذي نرفضه ولا نرضاه؛ لأن القرائن كلها على خلاف ذلك»([12]).

 

([1]) السنة، أبو بكر الخلال (2/320).

([2]) تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة، أبو نعيم الأصبهاني (ص299).

([3]) تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة، أبو نعيم الأصبهاني (ص305).

([4]) تاريخ الخلفاء الراشدين في مرويات الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني، بندر بن محمد بن سعد الحجي (ص ٣٩٤).

([5]) مصنف عبد الرزاق (6/117) ط التأصيل الثانية.

([6]) صحيح البخاري (9/٧٨).

([7]) تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة، أبو نعيم الأصبهاني (ص264).

([8]) صحيح مسلم (1/396).

([9]) تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة، أبو نعيم الأصبهاني (ص266).

([10]) دراسة في أسباب انتقال الحكم من الخلافة الراشدة إلى الخلافة الأموية الوراثية، عليوش رقية (ص67).

([11]) البداية والنهاية (10/213) ت التركي.

وسنتعرض للروايات التي تذكر أن عليًّا خُدع ولم يبايع في بحث بعنوان: «إنكار الشيعة مبايعة علي لعثمان، وزعم بعضهم أنه بايع مُكرها».

([12]) الصحيح من سيرة الإمام علي S، الحر العاملي (15/189).