شراء عثمان وقف رسول ق ومحاولته ضرب علي

الشبهة:

ادَّعت الرافضة أن عثمان بن عفان ا اشترى ضيعةً لأناس كان فيها حق ماء لوقف رسول الله ق، وقد رفع عثمان الدِّرَّة على عليٍّ محاولًا ضربَه، ورفع عليٌّ عليه العصا!

واستدلوا على ذلك بما أخرجه الطبراني بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ آذِنٌ، فَكَانَ يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «فَخَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى وَالْآذِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ الْآذِنُ نَاحِيَةً، وَلَفَّ رِدَاءَهُ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَاضْطَجَعَ، وَوَضَعَ الدِّرَّةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَبِيَدِهِ عَصًا، فَلَمَّا رَآهُ الآذِنُ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ: هَذَا عَلِيٌّ قَدْ أَقْبَلَ، فَجَلَسَ عُثْمَانُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ رِدَاءَهُ، فَجَاءَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: اشْتَرَيْتَ ضَيْعَةَ آلِ فُلَانٍ ولِوَقْفِ رَسُولِ اللهِ ق فِي مَائِهَا حَقٌّ، أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا غَيْرُكَ، فَقَامَ عُثْمَانُ، وَجَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ لَا أَرُدُّهُ حَتَّى أَلْقَى اللهَ، وَجَاءَ الْعَبَّاسُ فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا، وَرَفَعَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ الدِّرَّةَ، وَرَفَعَ عَلِيٌّ عَلَى عُثْمَانَ الْعَصَا، فَجَعَلَ الْعَبَّاسُ يُسَكِّنُهَمَا، وَيَقُولُ لِعَلِيٍّ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَقُولُ لِعُثْمَانَ: ابْنُ عَمِّكَ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَكَنَا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ بِالْعَشِيِّ مِنَ الْغَدِ، رَأَيْتُهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخُذٌ بَيْدِ صَاحِبِهِ، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ».

قال الطبراني: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ سَلْمٍ، وَلَا عَنْ سَعِيدٍ إِلَّا ابْنُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ»([1]).

وقال علي الكوراني: «أقول: اشترى عثمان حق السقي لأوقاف رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيه ظلم وجَوْرٌ على من يستفيد من الوقف، فلا يصح السكوت عليه، ولذلك لما رفع عثمان السوط ليضربه رفع علي S العصا وهدده بأن يضربه إذا ضربه، فتراجع عثمان([2]).

 

([1]) المعجم الأوسط، الطبراني (7/366 - 367).

([2]) سيرة أمير المؤمنين (ع)، علي الكوراني العاملي (٢/٤١٥).

الرد علي الشبهة:

هذه الرواية ساقطة، وقد أشار الطبراني نفسه إلى ذلك في المعجم بقوله: «تفرد به محمد بن عبد الرحمن السلمي»([1])، فمحمد بن عبد الرحمن السلمي «مجهول الحال» كما قال الذهبي([2]) وابن حجر([3])، وأشار إلى ضعفها أيضًا الهيثمي في المجمع بقوله: «وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ أَعْرِفْهُمْ»([4])، ولعل المقصود «مُوسَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ الْبَاهِلِيُّ» فلم أجد له ترجمة، وكذلك «سَعِيدُ بْنُ سَلْمٍ» لم يوثقه أحدٌ كما أشار إلى ذلك المعلمي فقال: «ولسعيدٍ ترجمة في «تاريخ بغداد» (9/74) وفيها: « قال العباس بن مصعب: قدم مرو زمان المأمون وكان عالمًا بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس، ولو قال الأستاذ: «لم يوثق» لكفاه»([5])، وبهذا يسقط الخبر من جهة الإسناد.

 وأما من جهة المتن ففساده بَيِّنٌ؛ إذ لو سلمنا أن عثمان قد فعل ذلك، فإنه من قلة العقل وسوء الأدب أن يفعل عليٌّ ذلك -وحاشاه- مع خليفة المسلمين!

معلوم أن الواقف إنما وقف أمواله أو جزءًا منها وحبسها في سبيل الله تعالى وفي مصالح المسلمين، فإذا كانت هناك مصلحة أو حاجة لتغيير ذلك الوقف في أمر أفضل منه جاز ذلك.

قال السيوطي: «كان شيخنا عماد الدين يقول: إذا اقتضت المصلحة تغييرَ بناء الوقف في صورته لزيادة رَيعِهِ جاز ذلك، وإن لم ينص عليه الواقف بلفظه؛ لأن دلالة الحال شاهدة بأن ذلك لو ذكره الواقف حالة الوقف لأثبته في كتاب وقفه»([6]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة V: «وَجَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَةِ الْوَقْفِ لِلْمَصْلَحَةِ، كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ، وَالْحُكُورَةِ مَشْهُورَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ أَوَّلًا، وَلَوْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا ضَرَرٌ يُعَوَّضُ عَنْهَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ، وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا وَالثَّانِي وَقْفًا، وَمَعَ الْحَاجَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الْوَقْفِ بِمِثْلِهِ وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ؛ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ»([7]).

فإذا كانت المسألة فقهيةً فيجوز للخليفة أن يجتهد فيها بما يراه الأصلح، وليس لأحد أن يعترض عليه أو يعارضه فيها إلا بالحسنى والاستيضاح؛ إذ هو الحاكم الذي يقدر المصلحة والمفسدة والأصلح والأفضل.

هذا الحديث يُبطل كل ما افترته الشيعة على الخلفاء في أموال رسول الله ق، فهذا موقف صارم لعليٍّ من الخليفة فقط؛ لأنه باع حقَّ مرْوى([8]) لوقف من أوقاف رسول الله ق، فمن بابٍ أولى أن يتعامل علي بأشد من ذلك في جميع أوقاف رسول الله ق التي استولى عليها الخلفاء كما يزعم الشيعة.

وقد كان لرسول الله ق أوقافٌ كثيرةٌ، منها أموال بني النضير السبعة، وحصنان من خيبر، وفَدَك، ففي سنن أبي داود عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ ا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ ق ثَلَاثُ صَفَايَا: بَنُو النَّضِيرِ، وَخَيْبَرُ، وَفَدَكُ، فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حُبُسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ حُبُسًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللهِ ق ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، جُزْأَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَجُزْءًا نَفَقَةً لِأَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَعَلَهُ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ»([9]).

كيف يأخذ عثمان شيئًا من أوقاف رسول الله ق وهو- عثمان- الذي أوقف على الإسلام والمسلمين الكثير من المال، ومن ذلك:

1. بئر رومة

قَالَ النَّبِيُّ ق: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ المُسْلِمِينَ» فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ ا([10]).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عُثْمَانَ ا حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ، وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ ق، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ق قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزْتُهُمْ؟ قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: «لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِيهِ الوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ»([11]).

وقد استدل الإمامُ البخاري بهذا الحديث على أن بئر رومة وقف شرعي لعثمان ا فقال: «بَابُ إِذَا وَقَفَ أَرْضًا أَوْ بِئْرًا، وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ»([12]).

2. توسعة المسجد النبوي:

عن ثمامة بن حزْن القشيري أن عثمان ا قال لمناوئيه: «أنشدكم بالله والإسلام: هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله ق: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة» فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم، نعم»([13]).

وقد كان عثمان ا أكثر الصحابة وقفًا، وعمَّ نفعُ وقفه جميع المسلمين في زمن النبي ق([14])، فهل من يوقف هذا الوقف ويعين المسلمين بماله يطمع في مروى بدريهمات معدودة؟!

 

([1]) المعجم الأوسط (7/767).

([2]) ميزان الاعتدال (4/475).

([3]) لسان الميزان (8/569) ت أبي غدة.

([4]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي (7/227).

([5]) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (10/430) ضمن «آثار المعلمي».

([6]) الحاوي للفتاوي (2/29).

([7]) الفتاوى الكبرى (5/433).

([8]) المرْوَى = المكان الذي يرتوي منه الناس.

([9]) سنن أبي داود (3/141).

([10]) صحيح البخاري (3/109).

([11]) صحيح البخاري (4/13).

([12]) صحيح البخاري (4/13).

([13]) سنن الترمذي (5/627) ت شاكر، سنن النسائي (6/144) ط الرسالة، سنن البيهقي (6/277) ط العلمية.

([14]) أوقاف النبي ق - دراسة حديثية موضوعية، د. محمد بن عبد الله بن راشد آل معدي (ص١١٤٤.(