أخذ عثمان الزكاة من الخيل
الشبهة:
ادَّعت الشيعة أن عثمان كان يفتي بلا دليل، فأخذ الزكاة من الخيل كما ثبت في مصنف عبد الرزاق من طريق ابن شهاب: «أن عثمان كان يصدق الخيل»([1]).
قال الأميني: «ليت هذه الفتوى المجردة من الخليفة كانت مدعومة بشيء من كتاب أو سنة، لكن من المأسوف عليه أن الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل، والسنة الشريفة على طرف النقيض مما أفتى به، وقد ورد فيما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الفرائض قوله: ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء»([2]).
([1]) مصنف عبد الرزاق (4/347) ط التأصيل الثانية.
([2]) الغدير، الأميني (8/155).
الرد علي الشبهة:
دعوى الأميني أن أمير المؤمنين عثمان ا لم يكن يستند في تلك الفتيا إلى كتابٍ أو سنةٍ كذبٌ محضٌ، فقد ورد من الآثار ما يُفهم منه زكاة الفرس، منها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ»([1]).
فاستدل القائلون بزكاة الخيل بقوله ق: «لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا»، فاستدلوا به على وجوب الزكاة فيها؛ إذ الثابت في رقاب الماشية ليس إلا الزكاة.
وبغضّ النظر عن المناقشات والردود، فإن من قال بوجوب الزكاة في الخيل له مستند من سنة النبي ق، حتى ولو كان الراجح على خلافه، فلو سلَّمنا أن عثمان كان يوجب الزكاة في الخيل فإن له من الشرع مستندًا ولو بتأويل، والخطأ في الاجتهاد في مسألة فقهية لا ينقض كون العالم مجتهدًا، فهذا شأن كل من هو غير معصوم، وإلا ما وُجد مجتهد قط على وجه الأرض، وليس من شرط المجتهد الوصول إلى الصواب في كل مسألة باتفاق.
وهذه المسألة مسألة خلافية بين الفقهاء، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: «ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ -وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ق قَال: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ، وعَنْ عَلِيٍّ ا أَنَّ النَّبِيَّ ق قَال: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْل وَالرَّقِيقِ، ولأِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الأْنْعَامِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا كَالْوُحُوشِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَيْلُ السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ إنَاثًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ ذُكُورًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ، وَفِي مَسَائِل النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَجِبُ»([2]).
الذي يظهر من فعل عثمان أنه قد أخذ زكاتها تخييرًا لا إيجابًا، وكذا ثبت عن عمر بن الخطاب، فقد كان لا يرى الزكاة في الخيل ومع ذلك كان يأخذها تخييرًا لا فرضًا([3])، وهذا هو الظاهر من فعل عثمان، ودلالة ذلك أن الرواية التي قررت أخذ عثمان زكاة الخيل هي بعينها التي قررت أخذ عمر، ففي مصنف ابن أبي شيبة أنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ «يُصَدِّقُ الْخَيْلَ»، وَأَنَّ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ»([4]).
كان الأليق بالشيعة أن يمدحوا عثمان؛ كونه قد وافقهم في هذا الفقه، فيكون على الصواب في فقههم، فمن حمقهم أنهم يذمون على ما يعتقدون أنه صواب!
قال الرضوي: «وقد روى أصحابنا أن في الخيل العتاق على كل فرس دينارين، وفي غير العتاق دينارًا على وجه الاستحباب... دليلنا: إجماع الفرقة»([5])، وقال علي الطباطبائي: «ويشترط في زكاة الخيل حول الحول السابق عليها والسوم، وكونها إناثًا بإجماعنا الظاهر المصرح به في التذكرة والمنتهى»([6]).
([2]) الموسوعة الفقهية الكويتية، مجموعة من المؤلفين (20/191، 192).
([3]) قال الشيخ الشنقيطي: «جَاءَ عَنْ عُمَرَ ا فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى عُمَرَ ا، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا وَخَيْلًا وَرَقِيقًا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ نُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ أَنَا، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ق فَقَالُوا: حَسَنٌ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَكَ. فَأَخَذَ مِنَ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى الْفَرَسِ دِينَار». أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/273).
ثم قال الشنقيطي: «وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ ا فَفِيهِ قَرَائِنُ أَيْضًا، بَلْ أَدِلَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَهِيَ:
أَوَّلًا: لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُزَكِّيَهَا وَيُطَهِّرَهَا بِالزَّكَاةِ، وَإِيجَابُ الزَّكَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَغْبَةِ الْمَالِكِ.
ثَانِيًا: تَوَقُّفُ عُمَرَ وَعَدَمُ أَخْذِهَا مِنْهُمْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ مُزَكَّاةً لَمَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ وَلَمَا تَوَقَّفَ.
ثَالِثًا: تَصْرِيحُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ، فَكَيْفَ يَفْعَلُهُ هُوَ؟ ! .
رَابِعًا: قَوْلُ عَلِيٍّ: مَا لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً مِنْ بَعْدِكَ. أَيْ: إِنْ أَخَذَهَا عُمَرُ اسْتِجَابَةً لِرَغْبَةِ أُولَئِكَ فَلَا بَأْسَ لِتَبَرُّعِهِمْ بِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَعْلِهَا لَازِمَةً عَلَى غَيْرِهِمْ فَتَكُونَ كَالْجِزْيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ». أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/273).
([4]) مصنف ابن أبي شيبة (2/381) ت الحوت.
([5]) إجماعات فقهاء الإمامية، أحمد الموسوي الروضاتي (٢/١٦٤).
([6]) رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، علي الطباطبائي (5/103).