قال ابْنُ سِيرِينَ: «أَفْرَدَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ق الْحَجَّ بَعْدَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُمْ كَانُوا لِسُنَّتِهِ أَشَدَّ اتِّبَاعًا، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ»([1]).
وهذا لا ينفي أنهم أيضًا تمتعوا -متعة الحج-، فقد ثبت عن عثمان ا أنه حج تمتعًا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ ق، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ»([2]).
وهذا يدل على جواز فعل أيهما، وأن العبرة فيه إنما ترجع إلى المصلحة الراجحة، فإن عثمان قد نهى من باب اختيار الأفضل للناس وللبيت الحرام في أيام خلافته؛ وذلك حتى لا يخلو البيت من الطائفين والعاكفين والركع السجود، فهو لم ينهَ عنها تشريعًا، وإنما تخييرًا ورغبة في الأفضل والأصلح.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «وَاللهِ إِنَّا لَمَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْجُحْفَةِ، وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ؛ إِذْ قَالَ عُثْمَانُ -وَذُكِرَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ-: إِنَّ أَتَمَّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبَطْنِ الْوَادِي يَعْلِفُ بَعِيرًا لَهُ، قَالَ: فَبَلَغَهُ الَّذِي قَالَ عُثْمَانُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَعَمَدْتَ إِلَى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ ق، وَرُخْصَةٍ رَخَّصَ اللهُ تَعَالَى بِهَا لِلْعِبَادِ فِي كِتَابِهِ، تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَتَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ كَانَتْ لِذِي الْحَاجَةِ وَلِنَائِي الدَّارِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا؟ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»([3]).
فهذا تصريح من عثمان ا أنه لا يشرع للأمة، ولا يخالف أَمْرَ ولا فِعْلَ رسولِ الله ق، إنما يشير على الناس بما يراه، فمن أخذ بمشورته فبها، ومن تأمل قول عثمان: «لَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ» يعلم ما فيه من الفقه والعلم من محبة الخير للناس، فطالَمَا أنهم في سعة من العيش فليكثروا من زيارة البيت، وقد صرح عثمان بأن قوله مجردُ رأي، لا إلزامٌ لأحد فقال: «وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا؟ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».
وجاء في رواية النسائي عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب قال: «حَجَّ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ «نَهَى عُثْمَانُ عَنِ التَّمَتُّعِ» قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ قَدِ ارْتَحَلَ فَارْتَحِلُوا» فَلَبَّى عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ بِالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عُثْمَانُ، قَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ التَّمَتُّعِ؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ ق تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى»([4]).
قال النووي: «قَوْلُهُ: (كَانَ عُثْمَانُ ا يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ هِيَ التَّمَتُّعُ الْمَعْرُوفُ فِي الْحَجِّ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْهَيَانِ عَنْهَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ، وَإِنَّمَا نَهَيَا عَنْهَا لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ، فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَأْمُرَانِ بِالْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَيَنْهَيَانِ عَنِ التَّمَتُّعِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلَاحِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَرَى الْأَمْرَ بِالْإِفْرَادِ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاحِهِمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ»([5]).
-
- فائدة:
وفي فعل علِيٍّ ا ردٌّ على الشيعة الزاعمين أنه كان يعيش في تقيةٍ أيام خلافة الخلفاء، ولم يستطع أن يغير شيئًا مما فعله الخلفاء، فها هو ذا يعترض على المباح دون عقوبة أو خوف من السلطان!
إصرار عليٍّ على المخالفة لم يكن لحرمة فعَلها عثمان، إنما كان ذلك لبيان أن نهي عثمان لم يكن على وجه الحتم والتشريع، فقد ثبت عن علي أنه أمر بما أمر به عثمان ب، فعَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ا قَالَ: «يَا بُنِيَّ، أَفْرِدْ بِالْحَجِّ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ»([6]).
إن من القواعد الفقهية الكبرى المتفق عليها: «تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ»([7])، وقد قرر هذه المسألة أيضًا من الشيعة ناصر مكارم الشيرازي فقال: «إنَّ الأحكام الكليَّة في التشريع تختلف عن الأحكام التنفيذية للحاكم، فالأحكام الكليَّة هي نفس القوانين الثابتة والمستمرة التي تبقى قائمة في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة، إلَّا أنَّ الأحكام الصادرة عن الحاكم الشرعي هي الَّتي تصدر بسبب الأمور الضرورية وأمثالها وبشكل مؤقت (مثل حكم تحريم التِّنْبَاك([8]) الذي صدر في فترة محدَّدة لغرض محاربة الاستعمار الاقتصادي الإنجليزي من قبل مرجع كبير، ثم رفع بعد انتهاء الخطر)، ويستفاد من القرائن الواردة في رواية الإمام الجواد S وبشكل واضح، أنَّه S لما جاء إلى بغداد كان الشيعة يعانون الفاقة والضنك، وقد أقرَّ الإمام تعدد الخمس في تلك السنة لغرض حل هذه المشكلة بشكل خاص، والواقع أنَّه S طبَّق أحكام العناوين الثانوية والضرورية على إحدى مصاديقها، بدون أن يمثل ذلك تشريعًا جديدًا، ويمكن أن يكون حكم الزكاة الوارد في رواية الإمام أمير المؤمنين S من هذا النوع أيضًا؛ ولذا فإنَّ هذا الحكم محدودٌ بذلك الزمان فقط، ولم ينظر إليه الفقهاء كتشريع عام، ولم يصدروا فتاواهم طبقًا لتلك الفتوى»([9]).
ومن هذا يتبين أنه يجوز للحاكم أن ينهى عن أمر ظاهره الإباحة؛ لتحصيل الأفضل والأنفع للرعية حسبما يتراءى له، قال شيخ الإسلام: «فقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ؛ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا»([10]).
قال ابن القيم في نهي عمر عن الحج: «وَمِنْ ذَلِكَ: اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ؛ لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ، وَتَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِن السَّمَاء، أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق، وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟»([11])...، ولِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ، وَمَنِ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ»([12]).
ومن أدل الأدلة وأظهرها على أن النهي عن متعة الحج ما كان إلا سياسة للرعية أن عليًّا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ب: «أَنَهَيْتَ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ كَثْرَةَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ ا: مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ، وَمَنْ تَمَتَّعَ فَقَدْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ق»([13]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَإِنَّمَا وَجْهُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا بِالْمُتْعَةِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَزُورُونَ الْكَعْبَةَ إِلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلُونَ تِلْكَ السَّفْرَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى الْبَيْتُ مَهْجُورًا عَامَّةَ السَّنَةِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ لِيَبْقَى الْبَيْتُ مَعْمُورًا مَزُورًا كُلَّ وَقْتٍ بِعُمْرَةٍ يَنْشَأُ لَهَا سَفَرٌ مُفْرَدٌ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ق يَفْعَلُ، حَيْثُ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجَّةِ ثَلَاثَ عُمَرٍ مُفْرَدَاتٍ.
وَعَلِمَ أَنَّ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَنْشَأَ لَهُمَا سَفَرٌ مِنَ الْوَطَنِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ق، وَلَمْ يَرَ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ لِرَغْبَتِهِ طَرِيقًا إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُمْ عَن الِاعْتِمَارِ مَعَ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، فَقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.
قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: «إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ ا عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِيَكُونَ مَوْسِمَيْنِ فِي عَامٍ، فَيُصِيبُ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا».
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «إِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ إِرَادَةَ أَلَّا يُعَطَّلَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ». رَوَاهُمَا سَعِيدٌ»([14]).
فالعلة إذًا هي أن يظل البيت عامرًا بالطائِفين والعُمَّار، فأراد أن يخلص أشهر الحج للحج وباقي السنة للعمرة حتى لا يتعطل البيت في غير أشهر الحج، فكان النهي لكي تكثر زيارة الناس للبيت الحرام ويكثر عماره طَوَال السنة؛ لتحصل فائدة للحجاج والمعتمرين بإتمام الحج والعمرة، وبحصول الأجر بمشقة السفْرَتين، وتحصل الفائدة لأهل الحرم كذلك.
وعليه فكان نهي عثمان لكل تلك المصالح الشرعية التي دلَّ عليها الكتاب والسنة، وكان حمله للناس على صورة من الصور التي جاء بها الشرع، ولم يبتدعوا صورة جديدة من صور النسك، وقد قررنا أن ذلك جائز للحاكم فعله بلا خلاف، وليس هو من باب التشريع، ولا من باب البدعة، بل هو عين السنة التي دل عليها الكتاب والسنة.
✍ ونقول للرافضة: إذا شنعتم على ذي النورين ا؛ لأنه ندب الناس إلى أداء نسك من الأنساك وترك آخر سياسةً لا تشريعًا، وذلك لإعمار بيت الله الحرام، ولزيادة أجر الناسكين، وليوافق الحال التي أمر بها الشارع في الحج، فماذا تقولون في أئمتكم الأربعة: علي والحسن والحسين والسجاد، الذين لم يُعَرِّفُوا الشيعةَ مناسكَ الحج كلَّها ولا حلالهم ولا حرامهم، فكتموا العلم عنهم.
فعن عيسى بن السري أبي اليسع قال: «قلت لأبي عبد الله S: أخبرني بدعائم الإسلام..، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم، وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر، ففتح لهم وبيَّن لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامه»([15]).
فلماذا كتم الأئمة علم رسول الله ق عن شيعتهم، بينما عثمان ا يحج بالناس، ويأمرهم بالحج، ويعرفهم سنة النبي ق، ويرشدهم للأفضل؟!
جعلت الشيعة عينَ ما نقموه على عثمان حلالًا لأئمتهم، بل وأعظم منه، فقد أعطوا حق التشريع الكامل ونسخ الكتاب والسنة لأئمتهم.
قال السيستاني في كتابه «اختلاف الحديث» بعدما قرر ثبوت حق التشريع للنبي ق: «هناك بعض الروايات التي تدل على أن كل ما فوض للنبي (ص) قد فوض الأئمة ما عدا النبوة، ومن جملة ما فوض له (ص) حق التشريع الدائم، إذًا فحق التشريع الدائم ثابت للأئمة (ع)»([16]).
فإذا كان للأئمة في دين الشيعة حقُّ التشريع فهم أنبياء بعد النبي ق حقيقةً وفعلًا، وعندها يضيع دين محمد ق كله، لا مجرد نسك من أنساك الحج!
([1]) مصنف ابن أبي شيبة (3/290) ت الحوت.
([2]) سنن الترمذي (3/176) ت شاكر، قال الحسن بن علي الطوسي (ت ٣١٢ هـ): «حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ»، انظر: مستخرج الطوسي على جامع الترمذي (4/38).
([3]) مسند أحمد (2/ 114 – 115) ط الرسالة.
([4]) السنن الكبرى، النسائي (4/46) ط الرسالة.
([5]) شرح النووي على مسلم (8/202).
([6]) السنن الكبرى، البيهقي (5/8) ط العلمية.
([7]) الأشباه والنظائر، ابن نجيم (ص١٠٤).
([8]) التنباك = نوع من أنواع التبغ.
([9]) نفحات القرآن، ناصر مكارم الشيرازي (10/٨٣).
([10]) شرح العمدة، ابن تيمية (1/528).
قال ابن القيم: «فَقَالَ شَافِعِيٌّ: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلًا يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ ق، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ، فَإِنْ أَرَدْت بِقَوْلِك: «إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ» أَيْ: لَمْ يُخَالِفْ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَدْت: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَغَلَطٌ». الطرق الحكمية، ابن القيم (ص١٢).
([11]) اشتهر أثرٌ عن ابنِ عباسٍ ب نصهُ: «يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق، وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟»، وبعد البحثِ في المصادرِ المعتبرةِ تبين أنه لا وجود له بهذا اللفظِ، وقد أوردهُ شيخُ الإسلامِ في «الفتاوى» (20/215) (26/50، 281)، والإمامُ ابنُ القيمِ في «إعلام الموقعين» (2/238)، و«الزاد» (2/195)، و«الصواعق المرسلة» (3/1063)، والشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب في كتابِ «التوحيد» باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابًا، بهذا اللفظ من غير ذكر المصدر له، أو حتى إسناده، وهذا اللفظ لم يثبت في أي رواية من روايات الحديث، ومثل هذا اللفظ يحتاج في ثبوته إلى إسناد صحيح، فكيف ولا إسناد له.
([12]) الطرق الحكمية، ابن القيم (ص١٩).
([13]) السنن الكبرى، البيهقي (5/30).
([14]) شرح العمدة، ابن تيميَّة (1/528).
([15]) الكافي (٢/٢٠)، وقال المجلسي في مرآة العقول (٧/١٠٨) «الحديث السادس: صحيح بسنديه».
([16]) اختلاف الحديث، علي السيستاني (ص٢١).
جاء في موقع ياسر الحبيب، السؤال: هل الأئمة ينسخون القرآن الكريم؟! ... فكان الجواب كالتالي:
«بمراجعة الشيخ: إنما هذا في نسخ ما تضمنته الآيات من أحكام، لا نسخ ألفاظها أو تلاوتها، وذلك عائد في الحقيقة إلى الله تعالى الذي أوكل أمر بيان النسخ أو إنشاءه للنبي والأئمة Q...، ونحن حينما نقول بأن للأئمة Q نسخَ حكم الكتاب فلا نعني بذلك إلا أنهم يخبرون بالنسخ عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى، وهو مقام الإخبار والبيان والتبليغ، بل حتى وهم في مقام الإنشاء والتشريع الابتدائي».