ادعاء الأميني أن قول عثمان مخالف لآراء أئمة المسلمين كذب؛ إذ اختلف أهل العلم في عدة المختلعة على قولين، يقول الترمذي: «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي عِدَّةِ المُخْتَلِعَةِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ق وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ق وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ. قَالَ إِسْحَاقُ: «وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ»([1]).
ولكل مذهب دليله، وقد استدل من قال بأن عدتها ثلاثة قروء بعموم قوله تعالى: [ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ] {البقرة:228} وهذا عموم مخصوص بالسنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية V: «وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ النِّزَاعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللهِ وَالرَّسُولِ، وَالسُّنَّةُ قَدْ بَيَّنَتْ أَنَّ الْوَاجِبَ حَيْضَةٌ..، ومِمَّا بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ق أَمَرَ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَنْ تَحِيضَ وَتَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً؛ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا، فلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا إحْدَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَلَزِمَتْهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاق الْمُسْلِمِينَ؛ بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِدَّةٌ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضِ، والنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفٌ»([2]).
وأما المذهب القائل بأنها تُستبرأ بحيضة فأدلتهم من السنة كثيرة، ومنها حديث الترمذي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ق «فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ ق، أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ» قال الترمذي: «وَفِي البَاب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ»»([3]).
وفي سنن أبي داود ومصنف ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ»([4]).
-
- هل الخلع طلاق؟
هذه مسألة تنازع فيها العلماء، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية V أن الخلع فسخ لا طلاق: «لَا نَعْلَمُ أَحَدًا نَازَعَ فِي هَذَا وَقَالَ: إنَّ الْخُلْعَ طَلْقَةٌ مَحْسُوبَةٌ مِنَ الثَّلَاثِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا عِدَّةَ فِيهِ، وهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْمَنْقُولِ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ»([5]).
وقال: «وَمِمَّنْ قَالَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ضَعَّفَ كُلَّ مَا يُرْوَى عَن الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ»([6]).
-
- فائدة:
وحتى لو قلنا بأنه طلاق، فإنه لا ملازمة بين كونه طلاقًا وبين الاعتداد بثلاثة قروء؛ فإن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها مع أنه طلاق، قال ابن تيمية: «وَالْآيَةُ قَدِ اسْتَثْنَى مِنْهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ، كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْحَامِلِ وَالْأَمَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَإِنَّمَا تَشْمَلُ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ»([7]).
وعليه فإن قول عثمان قول قوي متوجه، ولم ينفرد به، فقد قال ابن تيمية: «وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ»([8]).
وهذا إسحاق بن راهويه يرى أن عدتها ثلاثة قروء، إلا أنه من إنصافه قال: «وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ»([9]).
وهذا إنصاف؛ لقوة أدلة من قال بالحيضة الواحدة، بل لعله الراجح([10]).
عدَّد ابن عبد البر بعض فقه عثمان في ذلك، فكان مما قال: «قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامٌ وَعُلُومٌ، مِنْهَا: أَنَّ عُثْمَانَ ا أَجَازَ الْخُلْعَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ النَّاسِ..، وفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ إِجَازَةُ الْخُلْعِ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ..، وفِيهِ أَنَّهُ أَجَازَ لِلْمُخْتَلِعَةِ أَنْ تَنْتَقِلَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى..، وفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عِدَّتَهَا عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ وَجَعَلَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً، وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَا اخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ..، وفِيهِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ أَمْلَكُ لِنَفْسِهَا لَا تُنْكَحُ إِلَّا بِرِضَاهَا..، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَلَا ظِهَارٌ وَلَا إِيلَاءٌ وَلَا لِعَانٌ»([11]).
فهذا بعض فقه عثمان ا وتمسكه بالسنة في ذلك.
نفت الشيعةُ العدةَ تمامًا عن المرأة المطلقة اليائسة أو الصغيرة، بالمخالفة الظاهرة الصريحة لقول الله تعالى: [ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ] {الطلاق:4}.
فالآية صريحة في وجوب العدة على المدخول بها، سواء كانت صغيرة أو يائسة، لكن الشيعة قد خالفوا هذا النص الصريح وقالوا بعدم العدة تمامًا، يقول السيستاني: «2- الصغيرة التي لم تكمل تسع سنوات، فإنه لا عدة عليها أيضًا وإن دخل بها زوجها اشتباها أو على وجه محرم.
3- اليائسة، فلا تجب عليها العدة وإن كانت مدخولًا بها، ويتحقق اليأس بعد انقطاع دم الحيض وعدم رجاء عوده لكبر سن المرأة»([12]).
هذا الأمر قد آل بهم إلى القول بجواز أن تَنكح المرأة ما تشاء من الرجال في يوم واحد! يقول الطباطبائي اليزدي: «جواز نكاح جماعة في يوم واحد امرأة واحدة مع مقاربة كل منهم لها، كما إذا تزوجها واحد بالعقد الانقطاعي ثم وهب مدتها، ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها وهكذا، فإن مقتضى الجمود جواز ذلك لكنه مشكل، ومقتضى الاحتياط عدمه»([13]).
ويقول مرجعهم صادق الروحاني: «جواز نكاح جماعة امرأة واحدة في يوم واحد ولو كانت ذات عدة، بأن يتزوجها أحدهم ويدخل بها، ثم يطلقها ثم يتزوجها ثانيًا ويطلقها من غير دخول، فإنه يجوز حينئذ للآخر أن يتزوجها لسقوط العدة؛ لأنها غير مدخول بها، وهكذا الثاني والثالث»([14]).
ويقول الخنيزي: «وكما أن اليائسة في الزواج الدائم لها أن تتزوج بمجرد كمال صيغة الطلاق، حتى لو كان الحاضرون عشرة، وكل منهم يعقد عليها ويطلقها ثم يعقد عليها الآخر ويطلقها، وهكذا إلى كمال العشرة لصح وجاز بلا إشكال ولا ريب، فكذا اليائسة في زواج المتعة»([15]).
فهذه هي نتيجة مخالفة الإمامية لكتاب الله في عدة المرأة اليائسة والصغيرة!
([1]) سنن الترمذي (3/484) ت شاكر.
([2]) مجموع الفتاوى (32/ ٣٢٣، ٣٢٤).
([3]) سنن الترمذي (3/483) ت شاكر.
([4]) سنن أبي داود (2/269) ت محيي الدين عبد الحميد، مصنف ابن أبي شيبة (4/119) ت الحوت.
([5]) مجموع الفتاوى (32/332).
([6]) مجموع الفتاوى (32/327).
([7]) مجموع الفتاوى (32/328).
([8]) مجموع الفتاوى (32/328).
([9]) انظر: سنن الترمذي (3/484) ت شاكر، وتفسير القرطبي (3/145).
([10]) راجع أحكام الخلع في الشريعة الإسلامية د. عامر سعيد الزيباري (ص٢٥٥.(
([11]) التمهيد، ابن عبد البر (23/375) ط المغربية.
([12]) منهاج الصالحين، السيستاني (٣/١٦٦).
([13]) تكملة العروة الوثقى، محمد الطباطبائي (1/113).
([14]) فقه الصادق، محمد صادق الروحاني (34/363).
([15]) الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة، أبو الحسن الخنيزي (2/290).