إجماع الصحابة علَى قتل عثمان وتكفيره

الشبهة:

قال ابن طاووس: «إن جميع من يعتبر بأعماله من أهل المدينة من الصحابة والتابعين والصالحين، ومن حضرهم من سائر المسلمين، أجمعوا على أن عثمان بن عفان حلال الدم تجب المبادرة إلى قتله، ولا يحل تغسيله ولا الصلاة عليه ولا دفنه، وقتلوه على هذه الحالة»([1]).

ويقول عبد الله شبر: «وكفاك في ذلك اتفاق من بايعه من الصحابة والتابعين على استحلال قتله وإهراق دمه»([2]).

ويقول علَّامتهم الحلي: «إن الصحابة تبرأوا منه، فإنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه، ولا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار، بل أسلموه، ولم يدافعوا عنه بل أعانوا عليه، ولم يمنعوا من حصره، ولا من منع الماء عنه، ولا من قتله، مع تمكنهم من ذلك كله»([3])، ونقل هذا الإجماع أيضًا محمد طاهر القمي الشيرازي([4]).

 

([1]) كشف المحجة لثمرة المهجة (ص٩٤: ٩٥.(

([2]) حق اليقين في معرفة أصول الدين، عبد الله الشبر (ص٢٤٣).

([3]) نهج الحق وكشف الصدق، الحلي (ص٣٠٢).

([4]) كتاب الأربعين (ص٥٨١).

الرد علي الشبهة:

هذه دعوى عريضة وسخيفة لا يؤيدها نقل ولا عقل، فالصحابة جميعًا أجمعوا وبلا خلاف على حرمة دم عثمان وأنه معصوم الدم يحرم قتله، وهبُّوا للدفاع عنه ونصرته، إلا أنه ا رفض أن تُراق الدماء، وصرف الأصحاب عن نصرته والدفاع عنه.

قال ابن كثير: «أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّة»([1]).

وعن عَبْدِ اللهِ بْن عَامر بْن ربيعَة قال: «كنت مَعَ عُثْمَان فِي الدَّار فَقَالَ: أعزم عَلَى كل مَن رأى أَن عَلَيْهِ سمعًا وَطَاعَةً إِلَّا كف يَده وسلاحه، فَإِن أفضلكم عَندي غناء من كف يَده وسلاحه، ثمَّ قَالَ: قُم يَا بْن عُمَر فأجر بَين النَّاس، فَقَامَ ابْن عُمَر وَقَامَ مَعَه رجال من بَنِي عدي بْن سراقَة وَابْن مُطِيع ففتحوا الْبَاب وَخرج، ودخلوا الدَّار فَقتلُوا عُثْمَان ا»([2]).

والسبب في منع عثمان أصحاب النبي أن يدافعوا عنه قد ذكره محب الدين الخطيب ملخصًا فقال: «الذي يدل عليه مجموع الأخبار عن موقف عثمان من أمر الدفاع عنه أو الاستسلام للأقدار، هو أنه كان يكره الفتنة، ويتقي الله في دماء المسلمين، إلا أنه صار في آخر الأمر يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة، فيرتدعون عن بغيهم، بلا حاجة إلى استعمال السلاح للوصول إلى هذه النتيجة، وقبل أن تبلغ الأمور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام تكون رهن إشارته، فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم وكان لا يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه، فلما تذاءب عليه البغاة واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافًا، عزم على كل من له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف، والأخبار بذلك مستفيضة في مصدر أوليائه وشانئيه. على أنه لو ظهرت في الميدان قوة منظمة ذات هيبة تقف في وجوه البغاة، وتضع حدًّا لغطرستهم، لارتاح عثمان لذلك وسُرَّ به، مع ما هو مطمئن إليه من أنه لن يموت إلا شهيدًا»([3]).

ونستطيع أن نجمل الأسباب التي دعت عثمان بن عفان ا أن يتخذ هذا الموقف رغم عرض الصحابة النصرة عليه في التالي:

أولًا: العمل بوصية رسول الله ق والعهد الذي عاهده عليه، فقد جاء في الحديث الصحيح في مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ق: «ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي»، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: «لَا». قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: «تَنَحَّيْ»، فجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ ق عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ»([4]).

ثانيًا: ما جاء على لسان عثمان وهو يذكر المبرر الشرعي لرفضه الدفاع عنه أو الخروج لمكة أو الشام، ففي مسند أحمد بإسناد فيه ضعف عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: «إِنَّكَ إِمَامُ الْعَامَّةِ، وَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَإِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ خِصَالًا ثَلاثًا، اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ فَتُقَاتِلَهُمْ، فَإِنَّ مَعَكَ عَدَدًا وَقُوَّةً، وَأَنْتَ عَلَى الْحَقِّ، وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِمَّا أَنْ نَخْرِقَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ، فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّوكَ وَأَنْتَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ.

فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا أَنْ أَخْرُجَ فَأُقَاتِلَ، فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ رَسُولَ اللهِ ق فِي أُمَّتِهِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَأَمَّا أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّونِي بِهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «يُلْحِدُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الْعَالَمِ»، فَلَنْ أَكُونَ أَنَا إِيَّاهُ، وَأَمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ، فَلَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي، وَمُجَاوَرَةَ رَسُولِ اللهِ ق»([5]).

ثالثًا: علمه أن البغاة لا يريدون غيره، فكره أن يتقي بالمسلمين وأحب أن يقيهم بنفسه، فقد روى ابن أبي الدنيا بسنده عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ -أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي- نَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ، فَأَذِنَ لَنَا، فلَمَّا خَرَجْتُ اسْتَقْبَلَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بِالْبَابِ، فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ، فَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَا أَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَمُرْنِي بِأَمْرِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا بْنَ أَخِي وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، إِنَّ الْقَوْمَ مَا يُرِيدُونَ غَيْرِي، وَوَاللهِ لَا أَتَوَقَّى بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ أُوَقِّي الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْسِي، فلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ كَوْنٌ، فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: انْظُرُوا مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، كُونُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَتْ».

قَالَ بَشَّارٌ: فَحَدَّثَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَقَّ، وَدَمِعَتْ عَيْنُهُ وَقَالَ: «رَحِمَ اللهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حُوصِرَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ تَبْدُ مِنْهُ كَلِمَةٌ يَكُونُ لِمُبْتَدِعٍ فِيهَا حُجَّةٌ»([6]).

رابعًا: علمه بأن هذه الفتنة ستنتهي بقتله ا، وقد أخبره النبي ق بذلك، وأكدت عليها رؤياه ليلة قُتِل، ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري: «..، ثم اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ق فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ»([7]).

وعَنْ أُمِّ هِلَالٍ بِنْتِ وَكِيعٍ، عَنِ امْرَأَةِ عُثْمَانَ قَالَتْ: «أُغْفِيَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ يَقْتُلُونَنِي، قُلْتُ: كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ق وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، قَالَ: «قَالُوا: أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ - أَوْ قَالُوا: -إِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ»([8]).

خامسًا: العمل بمشورة بعض أصحاب النبي ق كعبد الله بن سلام وابن عمر، فقد أخرج ابن سعد بسنده عن أبي ليلى الكِنْدي قال: «شَهِدْتُ عثمان وهو محصور فاطّلع من كُوى وهو يقول: يا أيّها الناس لا تقتلوني وَاسْتَتِيبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلّون جميعًا أبدًا، ولا تجاهدون عَدوًا جميعًا أبدًا، ولَتَخْتَلِفُن حتَّى تصيروا هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم قال: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ   ] {هود:89} وأرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكف الكف، فإنَّه أبلغ لك في الحجَّة»([9]).

وفي تاريخ دمشق بسنده عن أبي القاسم الشنوي عن نافع قال: «..، ورافقني بالساحل فسألته عن أمر عثمان، فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: أرسل إلي وهو محصور وقد فتح الباب ودخل عليه الناس، فقال: ما ترى فيما يعرض هؤلاء وهؤلاء الذين يأمرونه بالاستقتال والذين يحصرونه على الخلع أو القتل؟ فقال: وما يعرضون عليك؟ فقال: أما هؤلاء فالاستقتال، ووالله ما أجد ما أمتنع به ولا أمنعهم منه، وأما هؤلاء فإنهم يعرضون علي أن أخلعها وألحق بمنزلي، فوالله لهي أهون علي إن لم أؤجر عليها من قتالي، فقلت له: إن يستقتل يقتل أعلام الدين ولا يبقى أحد فلا يفعل، وأما ما عرض هؤلاء فلا يفعل، أمخلد أنت إذا خلعتها؟ قال: لا، فقاتلوك إن أنت لم تخلعها؟ قال: زعموا ذلك، قلت: يملكون تعجيل يومك أو تأخيره؟ قال: لا، قلت: أيملكون لك جنة أو نارًا؟ قال: لا، قلت: فلا أرى أن تخلعَ قميصًا قمصكه الله فتكون سُنة، كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم خلعوه، حتى لا يقوم لله دين ولا للمسلمين نظام، وأدخل معي في ذلك غيري ففعل، فأدخل في ذلك من شهده أو غاب عنه، فأجمع الملأ أن الخير في الصبر»([10]).

وقد كان صبر عثمان بالحق كما قال رَسُولُ اللهِ ق: «مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-: مَوْتِي، وَالدَّجَّالُ، وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ مُعْطِيهِ»([11]).

ويضاف إلى ما ذُكر ما نقلته كتب الشيعة من قول علي لعثمان: «وَإِني أَنْشُدُكَ اللهَ أنْ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الأمَّةِ الْمَقْتُولَ»([12])، فكان عثمان هو إمام هذه الأمة المقتول ظلمًا وعدوانًا رغم أنف الحاقدين.

دفاع الصحابة عن عثمان من أظهر ما يكون، وهو ثابت، وقد تناولنا طرفًا منه عند الكلام عن دفاع علي بن أبي طالب ا عن عثمان، كما جاءت الروايات متواترةً معنًى وهي تقرر دفاع أصحاب النبي ق عن عثمان، ومن ذلك:

* جاء عن حارثة بن النعمان أنه جاء إلى عثمان وهو محصور فقال: «إِنْ شِئْتَ أَنْ نُقَاتِل دُونَكَ»([13]).

* وجاء المغيرة بن شعبة وأبدى له استعداد كثير من الناس للقتال دونه، واقترح عليه مقاتلتهم بمن معه من العدد والقوة، وخيّر بين خيارات ثلاث فرفضها عثمان كلها([14])، وكانت الدار مليئةً بالرجال المستعدين للقتال رهن إشارة من إمامهم الصابر، فعن ابن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن الزّبير قال: «قلت لعثمان: يا أمير المؤمنين، إن معك في الدار عصابةً مستنصرةً بنصر الله بأقَل منهم لعثمان، فأذَنْ لي فَلأقاتلُ، فقال: أَنْشُدُ الله رَجُلًا، أو قال: أذَكّرُ بالله رَجُلًا أهْراق في دمَه، أو قال: أهراق في دمًا»([15]).

* وعن ابن سيرين قال: «كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعُمائة، لَوْ يَدَعُهُم لضربوهم إن شاء الله حتَّى يُخْرجوهم من أقطارها، منهم ابن عمر والحسن بن علي وعبد الله بن الزّبير»([16]).

* وجاء الأنصار الذين نصروا الله ورسول الله ق وعرضوا على عثمان النصرة، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عُثْمَانَ ب فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْصَارُ بِالْبَابِ يَقُولُونَ: إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارَ اللهِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: أَمَّا الْقِتَالُ فَلَا»([17]).

* وهذا هو الحسن بن علي ا يعرض نفسه وسيفه على أمير المؤمنين، فعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اخْتَرِطْ سَيْفِي، قَالَ: لَا أَبْرَأَ اللهُ إِذًا مِنْ دَمِكَ، وَلَكِنْ ثُمَّ سَيْفَكَ وَارْجِعْ إِلَى أَبِيكَ»([18]).

* وهذا الزبير يعرض عليه النصرة، فعن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة وهو جد موسى أبو أمه قال: «بعثني الزبير إلى عثمان وهو محصور، فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي، وعنده الحسن بن علي وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وبين يديه مراكن مملوءة ماء ورياط مضرجة.

 فقلت: بعثني إليك الزبير بن العوام، وهو يقرئك السلام ويقول: إني على طاعتي لم أبدل ولم أنكث، فإن شئت دخلت الدار معك وكنت رجلًا من القوم، وإن شئت أقمت، فإن بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي ثم يمضون على ما آمرهم به، فلما سمع الرسالة قال: الله أكبر، الحمد لله الذي عصم أخي، أقرئه السلام، وقل له: إن يدخل الدار لا يكن إلا رجلًا من القوم مكانك أحب إلي، وعسى الله أن يدفع بك عني»([19]).

ولما رأى الصحابة أن الأمر استفحل، وأن السيل بلغ الزبى عزم بعضهم على الدفاع عنه دون استشارته، فدخل بعضهم الدار مستعدًّا للقتال، فقد كان ابن عمر في الدار متقلدًا سيفه لابسًا درعه ليقاتل دفاعًا عن عثمان ا، ولكن عثمان عزم عليه أن يخرج خشية أن يتقاتل مع القوم، فعَن يعلى بْن حَكِيم عَن نَافِع أَو غَيره: «أَن ابْن عُمَر كَانَ يَوْمئِذٍ مُتَقَلِّدًا سَيْفه حَتَّى عزم عَلَيْهِ عُثْمَان أَن يخرج مَخَافَة أَن يُقتل»([20]).

* وفعل مثل ذلك أبو هريرة، ودخل الدار على عثمان ا، فعَن ابْن أَبِي عرُوبَة عَن قَتَادَة: «أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ مُتَقَلِّدًا سَيْفه حَتَّى نَهَاهُ عُثْمَان»([21]).

* وهذا معاوية قال لعثمان غداة ودعه وخرج: «يا أمير المؤمنين، انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك مَن لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا، فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله ق بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي، قال: فأبعث إليك جندًّا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك، قال: أنا أُقَتّر على جيران رسول الله ق الأرزاق بجند تساكنهم، وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين، لتُغتالن أو لتُغزين، قال: حسبي الله ونعم الوكيل»([22]).

لكن عثمان ا رفض كل ذلك للأسباب التي مضت، وبه يظهر زيف ما زعمه الرافضة من أن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان واستحلال دمه، قبَّح الله الرافضة!

إن مما يبطل تلك الفرية الرافضية أنه لم يشترك في قتل عثمان صحابي واحد، قال النووي: «ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة»([23]).

 ولم يسلمه أحد منهم أو يرضى بقتله وسفك دمه، وقال ابن كثير: «وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان ا، بل كلهم كرهه، ومقته، وسبَّ من فعله»([24]).

وقد قُتل ا يوم قُتل وهو على الحق بنص حديث رسول الله ق، فقد أخرج الترمذي بسند صححه عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ: «أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ق، فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: لَوْلَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ق مَا قُمْتُ وَذَكَرَ الفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ فَقَالَ: هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الهُدَى، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ»([25]).

وعَنْ جُنْدُبِ الْخَيْرِ قَالَ: «أَتَيْنَا حُذَيْفَةَ حِينَ سَارَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى عُثْمَانَ فَقُلْنَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ سَارُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: يَقْتُلُونَهُ وَاللهِ؛ قَالَ: قُلْنَا: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ وَاللهِ، قَالَ: قُلْنَا: فَأَيْنَ قَتَلَتُهُ؟ قَالَ: فِي النَّارِ وَاللهِ»([26]).

وللحافظ الذهبي كلام ذهبي يحسن أن نختم به هذا المبحث، قد نقله عنه ابن كثير فقال: «وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الذَّهَبِيُّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ وَفَضَائِلِهِ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ: قُلْتُ: الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَوْ أَلَّبُوا عَلَيْهِ قَتَلُوا إِلَى عَفْوِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالَّذِينَ خَذَلُوهُ خَذَلُوا وَتَنَغَّصَ عَيْشُهُمْ، وَكَانَ الْمُلْكُ بَعْدَهُ فِي نَائِبِهِ مُعَاوِيَةَ وَابْنَيْهِ، ثُمَّ فِي وَزِيرِهِ مَرْوَانَ وَثَمَانِيَةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، اسْتَطَالُوا حَيَاتَهُ وَمَلُّوهُ مَعَ فَضْلِهِ وَسَوَابِقِهِ، فَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، وهَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ»([27])، والحمد لله الذي رد كيد السبئية ومكّن لذرية عثمان في الأرض رغمًا عن أنوفهم.

 

([1]) البداية والنهاية (10/344) ت التركي.

([2]) تاريخ خليفة بن خياط (ص173).

([3]) العواصم من القواصم (ص13) ط دار الجيل.

([4]) مسند أحمد (40/297) ط الرسالة.

([5]) مسند أحمد (1/519) ط الرسالة.

([6]) المحتضرين، ابن أبي الدنيا (ص58).

يقول الدكتور الغبان: «ولعرض الحسن على عثمان ب القتال دونه شواهد، فيتقوى بها إلى درجة الحسن لغيره، ولقوله: «أقي المؤمنين بنفسي» شاهد، رواه سعيد بن منصور عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، وذكره المحب الطبري في (الرياض النضرة)». فتنة مقتل عثمان بن عفان (1/550).

([7]) صحيح البخاري (5/13) ط السلطانية.

([8]) مصنف ابن أبي شيبة (6/181) ت الحوت، الطبقات الكبير (3/71) ط الخانجي، فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل (1/472).

([9]) الطبقات الكبير (3/67) ط الخانجي.

([10]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (39/358).

([11]) مسند أحمد (28/177) ط الرسالة.

([12]) نهج البلاغة، الشريف الرضي (1/359) ت الحسون.

([13]) التاريخ الكبير، البخاري (3/461) ت الدباسي والنحال.

([14]) مسند أحمد (1/519) ط الرسالة. وقد مضى ذكره

([15]) الطبقات الكبير (3/67) ط الخانجي.

([16]) الطبقات الكبير (3/67) ط الخانجي.

([17]) الفتن، نعيم بن حماد (1/179)، تاريخ خليفة بن خياط (ص173).

([18]) مصنف ابن أبي شيبة (7/523) ت الحوت.

([19]) تاريخ دمشق، ابن عساكر (39/373).

([20]) تاريخ خليفة بن خياط (ص173).

([21]) تاريخ خليفة بن خياط (ص173).

([22]) تاريخ الطبري (4/345)، الفتنة ووقعة الجمل (ص53) تاريخ دمشق، ابن عساكر (39/308).

([23]) شرح مسلم (15/148).

([24]) البداية والنهاية (4/221).

([25]) سنن الترمذي (6/69) ت بشار وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وقال: «وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَة».

([26]) مصنف ابن أبي شيبة (7/516) ت الحوت، وإسناده حسن كما قال الشيخ طارق الطيار في كتابه «مرويات الخلافة الراشدة في مصنف ابن أبي شيبة» (ص281).

([27]) البداية والنهاية (10/346) ت التركي.