جميع الروايات التي نسبت إلى النبي ق أو إلى أحد من أصحابه أنهم سموا عثمان بذاك الاسم باطلة، فرواية الرافضي الإربلي بلا إسناد، وقد صدَّرها الإربلي بقوله: «وروي أن عائشة وحفصة هما اللتان شهدتا بقوله»([1]).
فتسقط الرواية بداهةً عند الفريقين.
وأما الزعم بأن أم المؤمنين عائشة ل كانت تسميه بذلك، فقد روى الطبري في تاريخه -وكل من ذكرها بعد الطبري إنما أخذها منه- قائلًا: «كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْعِجْلِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ الْعَطَّارَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ ل لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سَرِفَ..، فانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فوالله إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا فَقَدْ كَفَرَ»([2]).
ضعيفٌ جدًّا.
الإسناد فيه إبهام في قوله: «عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ» وهذه جهالة تُرد بها الرواية عند أهل الحديث، وفيه نصر بن مزاحم، غالٍ في الرفض كذاب، قال ابن الجوزي: «نصر بن مُزَاحم الْمنْقري الْكُوفِي الْعَطَّار، قَالَ أَبُو خثيمَةَ: كَانَ كذابًا. قَالَ يحيى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء، وقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: واهي الحَدِيث، مَتْرُوك الحَدِيث، وقَالَ الدارقطني: ضَعِيف، وقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجُوزَجَاني: كَانَ زائغًا عَن الْحق. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: يُرِيد بذلك غلوه فِي الرَّفْض، وقَالَ صَالح بن مُحَمَّد: روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير، وقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَانَ غاليًا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه»([3]).
وفيه سيف بن عمر وهو ضعيف، قال النسائي: «سيف بن عمر الضبي ضعيف»([4])، وقال ابن الجوزي: «سيف بن عمر الضَّبِّي عَن أبي بكر، الْمدنِي فِي الأَصْل كُوفِي، يروي عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ، قَالَ يحيى: ضَعِيف الحَدِيث، فلس خير مِنْهُ، وقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وقَالَ النَّسَائِي وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَقَالَ: إِنَّه يضع الحَدِيث»([5]).
وعليه فلم يثبت قط أن أم المؤمنين ل قد سمت ذا النورين عثمان بن عفان ا بذلك الاسم.
الذي سمى عثمان بذلك هم أسلاف الرافضة عن سلفهم الطالح الذين قتلوه ا، وقد ثبت ذلك في روايات عدة منها:
أخرج المقدسي في المختارة عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ زَاهِرٍ أَبَا رُوَاعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ ق فِي السَّفَرِ، وَالْحَضَرِ فَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيُشَيِّعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُوننِي بِهِ عَسَى أَلَّا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَعْيَنُ ابْنُ امْرَأَةِ الْفَرَزْدَقِ: يَا نَعْثَلُ، إِنَّكَ قَدْ بَدَّلْتَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَعْيَنُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ، قَالَ: فَوَثَبَ النَّاسُ إِلَى أَعْيَنَ، قَالَ: وَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يَزَعُهُمْ عَنْهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الدَّارَ»([6]).
وفي مسند ابن الجعد عَنْ كِنَانَةَ مَوْلَى صَفِيَّةَ قَالَ: «رَأَيْتُ قَاتِلَ عُثْمَانَ، رَجُلًا أَسْوَدَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَهُوَ فِي الدَّارِ رَافِعًا يَدَيْهِ، أَوْ بَاسِطًا يَدَيْهِ يَقُولُ: أنَا قَاتِلُ نَعْثَلٍ»([7]).
-
- تبرؤ عثمان من هذا الاسم:
أخرج ابن عساكر في تاريخه بسنده عن رجل من أزد يكنى أبا حبيش شهد مقتل عثمان، وفيها: «..، ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير مخدد، عداده من مراد، ومعه جُرْزٌ من حديد، فاستقبله فقال: على أي ملة أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل، ولكني عثمان بن عفان وأنا على ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كنت من المشركين، فقال: كذبت، وضربه بالجزر على صدغه الأيسر فقتله فخر»([8]).
وجاءت روايات أخرى تذكر أن محمد بن أبي بكر قد سماه بذلك -وقد أثبتنا في هذا الكتاب عدم صحة الآثار التي تقول بأن محمد بن أبي بكر قد شارك في قتل عثمان- فأخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مُبَارَك، عَنِ الْحَسَنِ قال: حَدَّثَنِي سَيَّافُ عُثْمَانَ ا: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي، قَالَ: وَكَيْفَ عَلِمْتَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ «أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ ق يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ، وَدَعَا لكَ بِالْبَرَكَةِ»... قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَنْتَ قَاتِلِي، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا نَعْثَلُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ «أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ ق يَوْمَ سَابِعِكَ لَيُحَنِّكَكَ وَيَدْعُو لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَخَرَيْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ق» قَالَ: فَوَثَبَ عَلَى صَدْرِهِ وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: إِنْ تَفْعَلْ كَانَ يَعِزُّ عَلَى أَبِيكَ أَنْ تَسُوءَهُ، قَالَ: فَوَجَأَهُ فِي نَحْرِهِ بِمَشَاقِصَ كَانَتْ فِي يَدِهِ»([9]).
منكر.
قال ابن كثير: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَفِيهِ نَكَارَةٌ»([10])؛ فمبارك بن فضالة البصري مشهور بالتدليس، نص عليه الدارقطني وأبو زرعة وأبو داود، وقد أكثر عن الحسن البصري([11]).
وأخرج ابن سعد في الطبقات عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ: «أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ تَسَوَّرَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَمَعَهُ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرِ ابْنِ عَتَّابٍ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ فَوَجَدُوا عُثْمَانَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ نَائِلَةَ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَقَدَّمَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَأَخَذَ بِلِحْيَةِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: قَدْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا نَعْثَلُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَسْتُ بِنَعْثَلٍ، وَلَكِنْ عَبْدُ اللهِ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ»([12]).
منكر؛ فيه محمد بن عمر الواقدي.
وبهذا نخلص إلى أن الذي اختلق هذا اللقب هم أعداء عثمان ا وخصومه؛ لحقدهم عليه ا.
([1]) كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي (2/107).
([2]) تاريخ الطبري (4/458).
([3]) الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (3/160).
([4]) الضعفاء والمتروكون، النسائي (ص187).
([5]) الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (2/35).
([6]) الأحاديث المختارة (1/481)، مختصر تاريخ دمشق (16/175).
([7]) مسند ابن الجعد (ص390).
([8]) مختصر تاريخ دمشق (15/229).
([9]) المعجم الكبير، الطبراني (1/83).
([10]) البداية والنهاية (10/309) ت التركي.
([11]) طبقات المدلسين (ص43)، التدليس والمدلسون (7/91).
([12]) الطبقات الكبرى (3/73) ط دار صادر.