زعمهم أن عثمان كسر أضلاع عبد الله بن مسعود

الشبهة:

ذكرت الشيعة أن عثمان بن عفان قد ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أحد أضلاعه ومات من ذلك، يقول التُّسْتَري في سياق ذكره لمآخذ الرافضة على عثمان: «ضرب ابن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه»([1]).

 واختلفوا في سبب الضرب، فقال بعضهم: إنه بسبب الخلاف حول المصحف:

يقول المجلسي: «ومنها: أنه جمع ما كان عند المسلمين من صحف القرآن وطبخها بالماء على النار وغسلها ورمى بها، إلا ما كان عند ابن مسعود، فإنه امتنع من الدفع إليه، فأتى إليه فضربه حتى كسر له ضلعين، وحُمل من موضعه ذلك فبقي عليلًا حتى مات»([2]).

وقال اليعقوبي: «اعتل ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده، فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي أنك أمرت بي فوطئ جوفي فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ومنعتني عطائي. قال: فإني أَقِيدُك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك. قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك فخذه، قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به، فانصرف فأقام ابن مسعود مغاضبًا لعثمان حتى توفي»([3]).

وزعم الحلي أنه ضربه لأنه دفن أبا ذر، يقول الحلي: «وَمِنْهَا أَنَّهُ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَيْضًا عَلَى دَفْنِ أَبِي ذَرٍّ أَرْبَعِينَ سَوْطًا»([4]).

 

([1]) إحقاق الحق، التستري (ص٢٥٣).

([2]) بحار الأنوار، المجلسي (٣٠/371).

([3]) تاريخ اليعقوبي (2/147).

([4]) نهج الحق وكشف الصدق، الحلي (1/295).

الرد علي الشبهة:

  • أولاً: كل هذه الروايات محض أكاذيب.

كل ما استدلت به الرافضة من روايات لا يصح لها إسناد، ومنها ما ذكره البلاذري في أنسابه فقال: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عن أبيه، عن أبي مخنف وعوانة فِي إسنادهما: «أَن عَبْد اللهِ بْن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إِلَى الْوَلِيد بْن عقبة قَالَ: مَنْ غَيَّرَ غَيَّرَ اللهُ مَا بِهِ، ومن بَدَّلَ أسخط الله عَلَيْهِ، وَمَا أرى صاحبكم إلا وقد غيّر وبدّل، أيعزل مثل سعد بن أَبِي وقاص ويولى الْوَلِيد؟ وَكَانَ يتكلم بكلام لا يدعه، وَهُوَ: إِن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدي هدي مُحَمَّد ق، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فِي النار، فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وَقَالَ: إنه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يأمره بإشخاصه، وشَيَّعه أهلُ الكوفة، فأوصاهم بتقوى الله ولزوم الْقُرْآن، فَقَالُوا لَهُ: جُزيت خيرًا، فلقد علَّمت جاهلنا، وثبَّت عالمنا، وأقرأتنا الْقُرْآن، وفقهتنا فِي الدين، فنعم أَخُو الإِسْلام أَنْتَ ونعم الخليل، ثُمَّ ودَّعوه وانصرفوا، وقدم ابْن مَسْعُود الْمَدِينَةَ وعثمان يخطب عَلَى منبر رَسُول اللهِ ق، فلما رآه قَالَ: ألا إنَّهُ قدمت عليكم دُوَيبَّة سوء، من تمش على طعامه يقيء، ويسلح، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لست كَذَلِكَ، ولكني صاحب رَسُول اللهِ ق يَوْم بدر ويوم بيعة الرضوان، ونادت عَائِشَةُ: أي عُثْمَان، أتقول هَذَا لصاحب رَسُول الله ق؟ ثُمَّ أمر عُثْمَان بِهِ فأخرج من الْمَسْجِد إخراجًا عنيفًا، وضرب بِهِ عَبْد اللهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب ابن أسد بن عبد العزى بن قصي الأَرْض، ويقال: بَل احتمله يحموم غلام عُثْمَان ورجلاه تختلفان عَلَى عنقه حَتَّى ضرب بِهِ الأَرْض فدق ضلعه، فَقَالَ [عَلِي: يا عُثْمَان أتفعل هَذَا بصاحب رَسُول اللهِ ق بقول الْوَلِيد بْن عقبة؟] فَقَالَ: مَا بقول الْوَلِيد فعلت هَذَا، ولكن وجهت زبيد بْن الصلت الكندي إِلَى الكوفة فَقَالَ له ابن مسعود: إن دم عُثْمَان حلال، فَقَالَ عَلِي: أحلت من زبيد عَلَى غَيْر ثقة، وَقَالَ ابْن الكلبي -زبيد بْن الصلت أَخُو كثير بْن الصلت الكندي-: وقام عليٌّ بأمر ابْن مَسْعُود حَتَّى أتى بِهِ منزله، فأقام ابْن مَسْعُود بالمدينة لا يأذن لَهُ عُثْمَان فِي الخروج منها إِلَى ناحية من النواحي، وأراد حِينَ برئ الغزو فمنعه من ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مَرْوَان: إِن ابْن مَسْعُود أفسد عليك العراق، أفتريد أَن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح الْمَدِينَةَ حَتَّى توفي قبل مقتل عُثْمَان بسنتين، وَكَانَ مقيمًا بالمدينة ثَلاث سنين، وَقَالَ قوم: إنه كَانَ نازلًا عَلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص.

ولما مرض ابْن مَسْعُود مرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أتاه عُثْمَان عائدًا فَقَالَ: مَا تشتكي؟ قَالَ: ذنوبي قَالَ: فَمَا تشتهي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلا أَدْعُو لَك طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَك بعطائك؟ قَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ؟ قَالَ: يَكُون لولدك، قَالَ: رزقهم عَلَى الله قَالَ: استغفر لي يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أسأل الله أَن يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فدُفن بالبقيع وعثمان لا يعلم»([1]).

موضوع.

فيه عباس بن هشام الكلبي ولم أجد له ترجمة، وهشام الكلبي([2]) وأبوه رافضيان كذابان، قال ابن معين: «الْكَلْبِي لَيْسَ بِشَيْءٍ»([3])، وقال الجُوزجاني: «الكلبي محمد بن السائب، كذاب ساقط»، وقال مسلم: «متروك»([4])، وقال أبو حاتم الرازي: «الناس مجتمعون على ترك حديثه لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث»([5])، وكان محمد بن السائب «سبئيًا من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن عليًّا لم يمت، وأنه راجع إلى الدنيا، يملؤها عدلًا كما مُلئت جورًا، وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها»([6]) وكان يقول: «أنا سبئي»([7]).

وأبو مخنف رافضي كذاب، وقد سبق الكلام عليه مرارًا، وسيأتي رد متن تلك الرواية، وأن الذي صلى على عبد الله بن مسعود هو عثمان ا.

وكذلك روى البلاذري فقال: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَجُلٍ نَسِيَهُ إِسْحَاقُ قَالَ: «دَخَلَ عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَغْفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنَّ دَمَهُ لَحَلالٌ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّنِي سَدَّدْتُ إِلَيْهِ سَهْمًا يُخْطِئَهُ وَأَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا»([8]).

ضعيف جدًّا.

وهذه الرواية أيضًا ساقطة لا تصح، فهي من طريق ذلك الرجل المجهول الذي نسيه ابن إسحاق ولا ندري من هو! ثم إن هذه الرواية لو صحت لكانت ردًّا على السبئية من وجهين:

الأول: استغفار ابن مسعود لعثمان بن عفان.

 الثاني: نفي ابن مسعود عن نفسه استحلال دم عثمان، ولو أُعطي مثل أُحد ذهبًا.

ومثلها ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن كلثوم، قال: سمعت ابن مسعود، يقول: «ما أحب أني رميت عثمان بسهم» قال مسعر: «أراه أراد قتله، ولا أن لي مثل أُحد ذهبًا»([9]).

فهذا ابن مسعود ينفي أنه يريد قتل عثمان ولو أعطوه مثل أُحد ذهبًا، وكأن هذا رد على السبئية الذين أرادوا قتله ا، قال ابن عبد البر: «وقال بعض أصحابه: مَا سمعت ابْن مَسْعُود يَقُول فِي عُثْمَان شيئًا قط، وسمعته يَقُول: لئن قتلوه لا يستخلفون بعده مثله»([10]).

كل ما ذكروه من ضرب عثمان لعبد الله بن مسعود كذب باتفاق أهل العلم، ولم ولن يجدوا رواية صحيحة تقول بذلك قط، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية V في بيان كذب هذه الدعوى: «فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَلِيَ أَقَرَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُوفَةِ، إِلَى أَنْ جَرَى مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا جَرَى، ومَا مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ ضَرْبِ عُثْمَانَ أَصْلًا»([11]).

وقد كان ابن مسعود على بيت مال الكوفة في زمان عمر وأقره عثمان، حتى مع تغير الولاة عليها بداية من عمار بن ياسر، مرورًا بالمغيرة بن شعبة، ثم سعد بن أبي وقاص، ثم الوليد بن عقبة ثم سعيد بن العاص، وانتهاء بأبي موسى الأشعري([12])، كل هؤلاء الولاة تغيروا على الكوفة، ولم يتم عزل ابن مسعود ا، ولما وقع خلاف بينه وبين سعد بن أبي وقاص عزل عثمان سعدًا وأبقى ابن مسعود([13]).

القول بأن عثمان لم يعلم بموت ابن مسعود ولم يصل عليه قولٌ بلا دليل، وقد نقله أهل العلم من ضمن ما يذكر بلا إسناد، ومنهم ابن عبد البر في الاستيعاب الذي قال: «ودُفن بالبقيع، وصلى عَلَيْهِ عُثْمَان، وقيل: بل صَلَّى عَلَيْهِ الزُّبَيْر، ودفنه ليلًا بإيصائه بذلك إِلَيْهِ، ولم يعلم عُثْمَان بدفنه، فعاتب الزُّبَيْر على ذَلِكَ»([14]).

وجزم الواقدي أن عثمان هو من صلى على ابن مسعود فقال: «وقد رُوى لنا أنّه صلَّى على عبد الله بن مسعود عَمارُ بن ياسر، وقال قائل: صلّى عليه عثمان بن عفان، واستغفر كل واحد منهما لصاحبه قبل موت عبد الله قال: وهو أثبت عندنا، إن عثمان بن عفان صلَّى عليه»([15]).

وأما ما تناقلته الرافضة وتغنت به في ذلك فكله بأسانيد لا تصح، وما هو إلا مجرد قولٍ قيل غير مسند، يرده ما ذكرناه من إقرار عبد الله بن مسعود على بيت المال ومحبة عثمان لمجاورة ابن مسعود له بالمدينة بعدما آثروا به أهل الكوفة على أنفسهم([16]).

لو تنزلنا جدلًا وقلنا بأن عثمان قد ضرب ابن مسعود، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية V: «فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْ عَمَّارًا، فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللهِ الْمُتَّقِينَ، وقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ وَلِيَ اللهِ قَدْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ، فَكَيْفَ بِالتَّعْزِيرِ؟

وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِالدِّرَّةِ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَمْشُونَ خَلْفَهُ، فقَالَ: مَا هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: هَذَا ذِلَّةٌ لِلتَّابِعِ وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ.

فَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ أَدَّبَ هَؤُلَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ مُصِيبًا فِي تَعْزِيرِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي عُزِّرُوا عَلَيْهِ تَابُوا مِنْهُ، أَوْ كُفِّرَ عَنْهُمْ بِالتَّعْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَصَائِبِ، أَوْ بِحَسَنَاتِهِم الْعَظِيمَةِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانُوا مَظْلُومِينَ مُطْلَقًا، فَالْقَوْلُ فِي عُثْمَانَ كَالْقَوْلِ فِيهِمْ وَزِيَادَةٍ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَأَحَقُّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فِي الْعُقُوبَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا، وَأُولَئِكَ مُجْتَهِدُونَ فِيمَا فَعَلُوهُ لَا يَأْثَمُونَ بِهِ، بَلْ يُثَابُونَ عَلَيْهِ لِاجْتِهَادِهِمْ. مِثْلَ شَهَادَةِ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ مُحْتَسِبًا فِي شَهَادَتِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَعُمَرُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا جَرَى مِنْ عُثْمَانَ فِي تَأْدِيبِ ابْنِ مَسْعُودٍ [وَعَمَّارٍ] مِنْ هَذَا الْبَابِ.

وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَتِلُونَ قَدْ يَكُونُ كُلٌ مِنْهُمْ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ فَالْمُخْتَصِمُونَ أَوْلَى بِذَلِكَ

وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ مُجْتَهِدًا، وَكَانُوا مُجْتَهِدِينَ، فمِثْلُ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا: يَفْعَلُ الرَّجُلُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، وَيَرَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَتِهِ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَةِ الْمُتَعَدِّي وَإِنْ تَابَ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى الْإِمَامِ»([17]).

    1. تكفير الشيعة لعموم الصحابة

ولنا أن نتساءل: لماذا يتباكى الشيعة على ابن مسعود وهو مِن جملة مَن حكموا بردتهم بعد موت رسول الله وكفرهم بإمامة علي؟!

ففي كتبهم أن أبا جعفر قال: «ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد، قال: قلت فعمار؟ قال: قد كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين S اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا، فلبب ووجئت في عنقه حتى تركت كالسلعة ومر به أمير المؤمنين S، فقال: يا أبا عبد الله، هذا من ذاك بايع، فبايع، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين S بالسكوت، ولم يكن تأخذه في الله لومةُ لائم، فأبى إلا أن يتكلم، فمر به عثمان فأمر به، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وفلان حتى عقد سبعة، ولم يكن يعرف حق أمير المؤمنين S، إلا هؤلاء السبعة»([18]).

وفي كتاب الكافي روى حَنَانٌ عَنْ أَبِيهِ أن أَبا جَعْفَرٍ قال: «كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله إِلَّا ثَلَاثَةً، فَقُلْتُ: وَمَنِ الثَّلَاثَةُ؟ فَقَالَ: الْمِقْدَادُ ابْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحَى وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتَّى جَاءُوا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ S مُكْرَهًا فَبَايَعَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: [ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ] {آل عمران:144}»([19]).

وعليه فإن ابن مسعود عند الشيعة مرتد ضال يستحق ما هو أعظم من الضرب والحبس، فما لهم الآن يتباكون عليه؟ أم أنه التباكي الكاذب للطعن في عثمان ا!

 

([1]) أنساب الأشراف (6/146).

([2]) قال الإمام أحمد: «من يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه». الجامع لعلوم الإمام أحمد (19/331).

([3]) التاريخ الكبير، ابن أبي خيثمة (1/510).

([4]) الكنى والأسماء (2/840) (ت3402).

([5]) الجرح والتعديل (1/271).

([6]) المجروحين، ابن حبان (2/261) (ت927).

([7]) المرجع نفسه.

([8]) أنساب الأشراف (6/148).

([9]) مصنف ابن أبي شيبة (18/52)، وهو ضعيف بعمران بن عمير، فهو مجهول.

([10]) الاستيعاب (3/933).

([11]) منهاج السنة النبوية (6/255).

([12]) عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام، عبد الستار الشيخ (ص٣٠٧).

([13]) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: «لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ الْكَلامُ فِي قَرْضٍ أَقْرَضَهُ عَبْدُ اللهِ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَى سَعْدٍ قَضَاؤُهُ، غَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ سَعْدٍ، وَعَزَلَهُ وَغَضِبَ عَلَى عَبْدِ اللهِ وَأَقَرَّهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ -وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ عَلَى رَبِيعَةَ بِالْجَزِيرَةِ- فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَلَمْ يَتَّخِذْ لِدَارِهِ بَابًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ». تاريخ الطبري (4/252).

([14]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/994).

([15]) الطبقات الكبير (3/147) ط الخانجي.

([16]) عن أبي إسحاق، عن حارثة قال: «قُرئ علينا كتاب عمر: إنّي قد بعثتُ إليكم عمار ابن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلّمًا ووزيرًا، وإنّهما من النجباء من أصحاب رسول الله ق من أصحاب بدر، وقد جعلتُ عبد الله بن مسعود على بيت مالكم فتعلّموا منهما واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي». الطبقات الكبير (8/130) ط الخانجي

([17]) منهاج السنة النبوية (6/257).

([18]) اختيار معرفة الرجال - رجال الكَشي، الطوسي (١/91)، والاختصاص، المفيد (ص١٠).

([19]) الكافي، الكليني (8/245), وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول: «حسن أو موثق» (26/213).