الشبهة:
يقول الشيعي حامد النقوي: «اعتداء عثمان على عمار، لقد آذى عثمان بن عفان عمارًا، واعتدى عليه، وظلمه قولًا وفعلًا مرة بعد أخرى، وذلك كله معروف، والشواهد عليه كثيرة جدًّا، وإليك بعضها:
قال ابن قتيبة: «ما أنكر الناس على عثمان V. قال: ذكروا أنه اجتمع ناس من أصحاب النبي S، فكتبوا كتابًا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه، ثم تعاهد القوم، ليدفعن الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان -والكتاب في يد عمار- جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقًا منك قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليَّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين، إن هذا العبد الأسود، -يعني عمارًا- قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبي ق فأُدخل منزلها، وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلًا عظيمًا من بني أمية، فقال عثمان: لست هناك»([1]).
([1]) خلاصة عبقات الأنوار، حامد النقوي (3/19) نقلًا عن «الإمامة والسياسة» (1/32).
الرد علي الشبهة:
لم تصح رواية قط لا عند السنة ولا عند الشيعة في أن عثمان قد ضرب عمارًا، وقد أوردنا منها على سبيل المثال لا الحصر ما أخرجه ابن أبي شبة([1]) في تاريخه، وابن أبي شيبة في مصنفه([2]) عن عَفَّان، حَدَّثَنَا أَبُو مِحْصَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي جُهَيْمٌ قَالَ: «أَنَا شَاهِدٌ لِلْأَمْرِ؛ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُذَاكِرَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتَهَا، وَأَشْيَاءَ فَعَلْتَهَا، فأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: «أَنِ انْصَرِفُوا الْيَوْمَ فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ، وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى أَتَشَوَّفَ لَكُمْ».
فَانْصَرَفَ سَعْدٌ وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ فَضَرَبَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ قَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: «مَا تَنْقِمُونَ؟» قَالُوا: «نَنْقِمُ عَلَيْكَ ضَرْبَكَ عَمَّارًا»، فقَالَ: «جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا فَانْصَرَفَ سَعْدٌ وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَتَنَاوَلَهُ رَسُولِي عَنْ غَيْرِ أَمْرِي، فَوَاللهِ مَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ، فَهَذِي يَدِي لِعَمَّارٍ فَلْيَصْطَبِرْ» قَالَ أَبُو مِحْصَنٍ: يَعْنِي: يَقْتَصُّ».
ضعيف.
أبو محصن الضرير، هو حصين بن نمير الواسطي، رُمي بالنصب([3])، وهو أحد من روى عن حصين بن عبد الرحمن أبي الهذيل السلمي الكوفي بعد اختلاطه([4]).
ولو صحت الرواية ففيها التصريح أن الذي باشر ضرب عمار هو رسول عثمان لا عثمان ولا بأمره ولا علمه، فهذه براءة لعثمان!
ومع ذلك فقد عرض عثمان على عمار أن يقتص منه، وهذا غاية التواضع من الخليفة مع كونه لم يرتكب ما يوجب القصاص منه أصلًا.
وأخرج الطبري في تاريخه قال: كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثَابِت ويحيى بن سَعِيدٍ، قَالا: «سأل سائل سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ عن مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة: مَا دعاه إِلَى الخروج عَلَى عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: كَانَ يتيمًا فِي حجر عُثْمَان، فكان عُثْمَان والي أيتام أهل بيته، ومحتمل كلهم، فسأل عُثْمَان العمل حين ولي، فَقَالَ: يَا بني، لو كنت رضا ثُمَّ سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هُنَاكَ! قَالَ: فأذن لي فلأخرج فلأطلب مَا يقوتني، قَالَ: اذهب حَيْثُ شئت، وجهزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إِلَى مصر كَانَ فيمن تغير عَلَيْهِ أن منعه الولاية قيل: فعمار بن ياسر؟ قَالَ: كَانَ بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عُثْمَان، فأورث ذاك بين آل عمار وآل عتبة شرًّا حَتَّى اليوم، وكنى عما ضربا عَلَيْهِ»([5]).
ضعيف.
سيف بن عمر الضَّبِّي ضعيف، حتى اتهموه بالوضع([6])، وشعيب بن إبراهيم الكوفي راوية كتب سيف بن عمر فيه جهالة([7])، وشعيب هو ابن إبراهيم، ضعيف على قلة ما روى([8]).
وقد أنكر هذه الأخبار محب الدين الطبري، وأورد ما يردّ نظائر هذه الروايات فقال: «ومما يؤيد ذلك ويوهي ما رووه: ما روى أبو الزناد عن أبي هريرة أن عثمان لما حُوصر ومُنع الماء قال لهم عمار: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها! خلوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء، وهذا يدل على رضائه عنه، وقد روي أنه رضي عنه لمَّا أنصفه بحسن الاعتذار، فما بال أهل البدعة لا يرضون! وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي»([9]).
لو تنزلنا جدلًا وقلنا بأن عثمان قد ضرب عمارًا، فالأصل في فعل الحاكم أنه غير متهم فيه حتى يثبت العكس، وإذا تعلق الأمر بأحد أكابر أصحاب النبي ق فهو أبعد ما يكون عن الهوى وأولى بالعلم والعدل فيمن أدبهم؛ إذ إنه إمام مأمور، وطالما ثبت بحكم الشرع أن للخليفة أن يؤدب مَن شاء مِن رعيته فلا يجوز شرعًا اتهام المرء بشيء سَوَّغَ الشرع له فعله.
وليس ضرب عثمان لعمار -على فرض ثبوته- قدحًا في عثمان بقدر ما يكون قدحًا في عمار الذي فعَل ما يستدعي به تأديبه من خليفة المسلمين، قال شيخ الإسلام: «وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهِدًا فِيمَا قَالَهُ أَثَابَهُ اللهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ وَغَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ، وَإِنْ كَانَ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا ذَنْبٌ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَلِيٌّ للهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ، فَذَنْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُعَذِّبُهُ اللهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ. هُوَ أَفْضَلُ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ، فَلَيْسَ جَعْلُ كَلَامِ الْمَفْضُولِ قَادِحًا فِي الْفَاضِلِ بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، بَلْ إِنْ أَمْكَنَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَإِلَّا تُكُلِّمَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ فَضْلِهِمَا وَدِينِهِمَا، وَكَانَ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمَا وَتَنَازَعَا فِيهِ أَمْرُهُ إِلَى اللهِ»([10]).
([1]) تاريخ المدينة، ابن شبة (3/1101).
([2]) المصنف، ابن أبي شيبة (7/ 521 ت الحوت).
([3]) تقريب التهذيب (ص171) (ت1389).
([4]) قال العلائي: «روى الحسن الحُلْوَاني عن يزيد بن هرون أنه اختلط بأخرة وأنكر ذلك ابن المديني». المختلطين، العلائي (ص21).
قال علاء الدين علي رضا: «وممن روى عنه بعد الاختلاط: حصين بن نمير ... وقد أخرج البخاري من حديثهم ما توبعوا عليه كما نص عليه ابن حجر في مقدمة الفتح». نهاية الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط (ص88) (ت26).
([5]) تاريخ الطبري (4/399).
([6]) قال ابن الجوزي: «قَالَ يحيى: ضَعِيف الحَدِيث، فلس خير مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَقَالَ: إِنَّه يضع الحَدِيث». الضعفاء والمتروكين (2/35).
([7]) قال الذهبي: «فيه جهالة»، ميزان الاعتدال (2/275)، وتبعه ابن حجر، لسان الميزان (4/247) ت أبي غدة.
([8]) قال ابن عدي: «وَشُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا لَهُ أَحَادِيثُ وَأَخْبَارٌ، وَهو ليس بذلك المعروف ومقدار ما يروي من الحديث وَالأَخْبَارِ لَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ، وَفِيهِ بَعْضُ النَّكِرَةِ؛ لأَنَّ فِي أَخْبَارِهِ وَأَحَادِيثِهِ مَا فِيهِ تَحَامُلٌ عَلَى السَّلَفِ». الكامل في ضعفاء الرجال (7/5).
([9]) الرياض النضرة في مناقب العشرة (3/98).
([10]) منهاج السنة النبوية (6/253).