مشاركة عمرو بن الحمِق في قتل عثمان

الشبهة:

قال الشيعي الأميني: «وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه»([1]).

 

([1]) الغدير، الأميني (9/207).

الرد علي الشبهة:

جميع الروايات التي ذُكرت مشاركة عمرو بن الحمق الخزاعي في قتل عثمان ا لا تصح، ومن أمثلة ذلك:

    1. الرواية الأولى:

قال ابن شبة: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِشَرْيَانَ كَانَ مَعَهُ، فَضَرَبَهُ فِي حَشَائِهِ حَتَّى وَقَعَتْ فِي أَوْدَاجِهِ فَخَرَّ، وَضَرَبَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ جَبْهَتَهُ بِعَمُودٍ، وَضَرَبَهُ أَسْوَدَانُ ابْنُ حُمْرَانَ بِالسَّيْفِ، وَقَعَدَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ عَلَى صَدْرِهِ فَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ، وَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ فِي الثَّانِيَةِ فَطَعَنْتُهُ سِتًّا لِمَا كَانَ فِي قَلْبِي عَلَيْهِ»([1]).

منكر.

عيسى بن يزيد واهٍ منكر الحديث([2])، ومن المضحكات في الخبر هو الجهل بالحساب؛ فصانع الرواية جاهل حتى بالحساب الذي لا يخفى على الأطفال، فيقول: إنه قد طعنه تسع طعنات، وأنه قد مات في الثانية، ثم طعنه ست طعناتٍ لما كان في قلبه عليه، فيكون العدد ثماني طعنات وليس تسعًا!

    1. الرواية الثانية:

أخرج ابن شبة في تاريخه قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «لَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَبْقَ فِي دَارِ عُثْمَانَ ا إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ..، ودَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَكِنَانَةُ ابْنُ بِشْرٍ، وَابْنُ رُومَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ , فَمَالُوا عَلَيْهِ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ...»([3]).

موضوع.

عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن سعد بن أبي وَقاص كذاب([4])، فضلًا عن الإرسال، فالزهري لم يدرك الحادثة أصلًا([5]).

    1. الرواية الثالثة:

قال ابن شبة: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ قَامَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِمِصْرَ -وَذَاكَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ ا- فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ق يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا الْجُنْدُ الْغُزَّى» وَأَنْتُمُ الْجُنْدُ الْغُزَّى، فَجِئْتُكُمْ لِأَكُونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ، قَالَ اللَّيْثُ: فَكَانَ مَعَهُمْ فِي أَشَرِّ أُمُورِهِمْ»([6]).

ضعيف جدًّا؛ لجهالة مَن حدث عبد الكريم بن الحارث.

    1. الرواية الرابعة:

قال ابن سعد: أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز عن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد: «أن محمّد بن أبي بكر تَسَوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بِشْر بن عتاب وسودان بن حُمران وعمرو بن الحَمِق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المُصْحَف..، وأما عمرو بن الحَمِق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رَمَقٌ فطعنه تسع طعنات، وقال أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنته إياهُن لما كان في صدري عليه»([7]).

موضوع، محمد بن عمر الواقدي وضَاعٌ متروك([8]).

    1. الرواية الخامسة:

قال الطبري: قَالَ هِشَام بن مُحَمَّدٍ، عن أبي مخنف، وَحَدَّثَنِي الْمُجَالِد بن سعيد، عن الشَّعْبِيِّ وزكريا بن أبي زائدة، عن أبي إِسْحَاق: «أن حجرًا لما قفي بِهِ من عِنْدَ زياد نادى بأعلى صوته: اللهُمَّ إني عَلَى بيعتي، لا أقيلها وَلا أستقيلها..، فلما رَأَى عَمْرو بن الحمق عرفه، وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ بخبره، فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: أنه زعم أنه طعن عثمان بن عَفَّانَ تسع طعنات بمشاقص كَانَتْ مَعَهُ، وإنا لا نريد أن نعتدي عَلَيْهِ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عُثْمَان، فأخرج فطعن تسع طعنات، فمات فِي الأولى منهن أو الثانية»([9]).

موضوع.

أبو مخنف لوط بن يحيى رافضي ساقط([10])، والكلبي هشام بن السائب رافضي متروك([11]).

    1. الرواية السادسة:

أخرج ابن سعد بأسانيد محمد بن عمر إلى محمّد بن مسلمة وجابر بن عبد الله: «أن المصريّين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان..، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرّحمن بن عُدَيس البَلَويّ، وسودان بن حُمْران المرادي، وابن البَياع، وعمرو بن الحَمِق الخُزاعي، لقد كان الاسم غلب حتى يقال: جيش عمرو بن الحمق، فأتاهم محمّد بن مسلمة فقال: إن أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا، وأخْبرهم بقوله»([12]).

واهٍ؛ إذ مداره على الواقدي، وقد سبق بيان حاله.

صرح أهل العلم أنه لم يشترك صحابي واحد في قتل عثمان ا، بل اتفق الصحابة جميعًا على الدفاع عنه، وعلى حرمة دمه، فقد ذكر ابن كثير: «.. أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّةِ»([13]).

وقال في موضع آخر: «وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان ا، بل كلهم كرهه، ومقته، وسبَّ من فعله»([14])، وقال النووي V: «ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة»([15])، وبه يثبت بطلان الشبهة والحمد لله أولًا وآخرًا.

 

([1]) تاريخ المدينة، ابن شبة (4/1232).

([2]) قال ابن الجوزي: «عِيسَى بن يزِيد بن بكر بن دَاب أَبُو الْوَلِيد يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة، قَالَ البُخَارِيّ والرازي: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ خَالِد الْأَحْمَر: يضع الحَدِيث». الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (2/243).

وقال الذهبي: «وكان أخباريًّا علامة نسابة، لكن حديثه واهٍ، قال خلف الـحمر: كان يضع الحديث. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقيل: إنه كان ذا حظوة زائدة عند المهدي والهادي بحيث إنه أعطاه مرة ثلاثين ألف دينار. وقال أبو حاتم: منكر الحديث». ميزان الاعتدال (3/328).

([3]) تاريخ المدينة، ابن شبة (4/1303).

([4]) قال ابن الجوزي: «قَالَ يحيى: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ مرّةً: ضَعِيف، وَقَالَ مرّة: لَا يُكْتب حَدِيثه؛ كَانَ يكذب، وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ جدًّا، وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي وَأَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ البُخَارِيّ مرّة أخرى: تَرَكُوهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يروي عَن الثِّقَات الموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاجُ بِهِ». الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (2/169).

([5]) قال يحيى بن سعيد: «مرسل الزهري شرّ من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يسمِّي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه». المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (1/396) ت عوامة.

([6]) تاريخ المدينة، ابن شبة (3/1116).

([7]) الطبقات الكبرى (3/70) ط الخانجي، وانظر: تاريخ الطبري (4/393)، تاريخ دمشق، ابن عساكر (39/408).

([8]) قال الذهبي: «الْوَاقِدِيُّ صَاحب التصانيف مجمع على تَركه، وَقَالَ ابْن عدي: يروي أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: كَانَ يضع الحَدِيث». المغني في الضعفاء (2/619).

([9]) تاريخ الطبري (5/264).

([10]) قال الذهبي: «لوط بن يحيى أَبُو مخنف سَاقِط تَركه أَبُو حَاتِم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف». المغني في الضعفاء (2/535).

([11]) قال ابن الجوزي: «هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ يروي عَن أَبِيه عَن ابْن أبي مخنف، قَالَ أَحْمد: مَا ظَنَنْت أَن أحدًا يحدث عَنهُ، إِنَّمَا هُوَ صَاحب سير، وَقَالَ الدارقطني: مَتْرُوك». الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (3/176).

([12]) الطبقات الكبير (3/61) ط الخانجي.

([13]) البداية والنهاية (10/344) ت التركي.

([14]) البداية والنهاية (7/221).

([15]) شرح مسلم (15/148).