طعن الشيعة في يونس

يونس بن مَتَّى أحد الأنبياء والمرسلين بنص القرآن، وقد ذكره الله جل وعلا في القرآن باسمه الصريح، وذكره في القرآن بكنيته أو بلقبه، ذكره باسمه الصريح في (النساء) و(الأنعام) و(يونس) و(الصافات)، وذكره جل وعلا بلقبه مرتين، الأولى في الأنبياء:                           [الأنبياء:87]، والثانية في القلم:              [القلم:48].

وخلاصة ما يستفاد من الآيات بضم بعضها إلى بعض أن يونس S أرسله الله تعالى إلى قومه، وهم جمع كثير يزيدون على مائة ألف، فدعاهم فلم يجيبوه إلا بالتكذيب والرد، حتى جاءهم عذاب أوعدهم به يونس ثم خرج من بينهم.

وقد ألصقت بهذا النبيِّ S عدة أكاذيب في كتب القوم مما ينافي مقامه، وعظيم منزلته، أخطرها وأعظمها:

إنكاره للإمامة، وادعاؤهم حبسه في بطن الحوت حتى يقِرَّ بالإمامة:

روى الصفار([1]) بسنده عن حبة العرني([2])، قال: قال أمير المؤمنين S: «إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الأرض، أقر بها من أقر، وأنكرها من أنكر، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها»([3]).

وقد علق المجلسي (ت1111هـ) على الرواية قائلًا: «بيان: المراد بالإنكار عدم القبول التام وما يلزمه من الاستشفاع والتوسل بهم»([4]).

فحسب هذه الرواية المكذوبة على لسان عليٍّ I، حبس يونس S في بطن الحوت بسبب إنكاره لإمامة لأهل البيت وولايتهم، حتى أقر بها.

وفي حديث أبي حمزة الثمالي: «أنه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين وقال: يا بن الحسين، أنت الذي تقول: إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي؛ لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها؟ قال: بلى ثكلتك أمك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر:يا سيدي، دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا أيها الحوت، قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من أنت؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي، قال: أنبئنا بالخبر، قال: يا سيدي، إن الله تعالى لم يبعث نبيًّا من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء، وما لقي داود من الخطيئة، إلى أن بعث الله يونس، فأوحى الله إليه أن يا يونس، تولَّ أمير المؤمنين عليًّا والأئمة الراشدين من صلبه، في كلام له، قال: فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه، وذهب مغتاظًا، فأوحى الله تعالى إليَّ أن التقم يونس ولا توهن له عظمًا، فمكث في بطني أربعين صباحًا يطوف مع البحار في ظلمات مئات ينادي: أنه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده، فلما آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين: ارجع أيها الحوت إلى وكرك، واستوى الماء»([5]).

يقول الشيخ عزة الله المولائي الهمداني([6]): «والحديث كما ترى يقول بمعصية الأنبياء Q وعدم قبول الولاية، ثم توبتهم ورجوعهم إليها، فلعله محمول على ما حمل عليه الآيات القرآنية الدالة على معصيتهم، ثم رجوعهم Q؛ لأنهم معصومون بإجماع من علماء المذهب، حتى أكثر علماء أهل السنة يقولون بعصمتهم Q، ويمكن حمله على العجز عن درك مقامات أهل البيت Q حتى من الأنبياء Q كما يفهم من متن الحديث، والله أعلم»([7]).

وهذا الكلام من أغرب ما يكون؛ إذ فيه نسف لعقيدتهم في العصمة، وأنها واجبة في حق الأنبياء من المولد، وأن المعصية غير جائزة في حقهم، فكيف يقال: إنَّ يونس S عصى ولم يقبل أمر الولاية ثم تاب من ذلك؟!

وإذا كان الأنبياء عاجزين عن إدراك مقامات أهل البيت -كما يزعمون- فمن الذي يدركها إذًا؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

وهذه النصوص المتقدمة تنسب إليه فريتين عظيمتين:

الأولى: إنكار يونس S لأمر الإمامة حتى عاقبة الله وحبسه في بطن الحوت، وهذا مما يبطل عصمته المطلقة.

الثانية: اتهامه بالعجز والتقصير عن إدراك مقامات أهل البيت، وهذا اتهام له بالجهل في أمر هو من أصول الدين وأركانه، وهو ينافي نبوته واختيار الله له.

والغريب أن كثيرًا من مفسري الشيعة الإمامية أوردوا في تفسير هذه الآيات نفس ما تذكره كتب التفسير السنية في قصة يونس S، ولا ذكر لقضية إنكار الإمامة وكونها سببًا في ابتلاع الحوت له.

قال الطوسي (ت460هـ): «(وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) في استعجاله الخروج من بين قومه انتظارًا لنزول العذاب بهم، فلما رفع الله عنهم العذاب مضي على وجهه، فعاتبه على ذلك وحبسه في بطن الحوت، فلجأ إلى الله تعالى»([8]).

وقال الطبرسي: «ثم ذكر سبحانه قصة يونس S فقال: (وَذَا النُّونِ) أي: واذكر ذا النون. والنون: الحوت، وصاحبها يونس بن متى (إِذْ ذَهَبَ) أي: حين ذهب (مُغَاضِبًا) لقومه، «عن ابن عباس والضحاك» أي: مراغمًا لهم؛ من حيث إنه دعاهم إلى الإيمان مدة طويلة، فلم يؤمنوا، حتى أوعدهم الله بالعذاب، فخرج من بينهم مغاضبًا لهم، قبل أن يؤذن له» ([9]).

ومن المفارقات العجيبة أن الطبرسي بعد أن أورد هذا التفسير ردَّ على من يقول: إنَّ يونس S ذهب مغاضبًا لربِّه، وقرَّر أن هذا مما لا يجوز في حق الأنبياء فقال: «ومن قال: إنه خرج مغاضبًا لربه، وإنه ظن أن لن يقدر الله على أخذه بمعنى أنه يعجِز عنه، فقد أساء الثناء على الأنبياء، فإن مغاضبة الله كفر أو كبيرة عظيمة، وتجويز العجز على الله سبحانه كذلك، فكيف يجوز ذلك على نبي من أنبياء الله تعالى!»([10]).

فإن كانت هذه الأمور غير جائزة في حق الأنبياء -وهذا حق- فلم جوزتم عليهم الجهل بالإمامة، والعجز عن إدراك مقامات أهل البيت؟!

أليست هذه الأمور كبيرة وعظيمة كذلك، وتنافي مقام الأنبياء؟!

 

([1]) محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المتوفى سنة 290هـ، قالوا كان من أصحاب الإمام المعصوم الحادي عشر - حسب زعمهم - الحسن العسكري. قال النجاشي: «كان وجهًا في أصحابنا القمّيين، ثقة، عظيم القدر، راجحًا، قليل السقط في الرواية، له كتب»، وهو من رواة الحديث في القرن الثالث الهجري، يعد كتابه «بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد» من الكتب المعتمدة المهمة والأصول المعتبرة الشيعية التي عليها اعتماد أئمة الشيعة في الحديث كما صرح بذلك المجلسي والأصفهاني والحر العاملي وغيرهم من أعاظم القوم في هذا الفن.

      انظر: «معجم رجال الحديث» (16/263) رقم (10532) و(16/272) رقم (10555) و(24/133) رقم (15406)، «رجال النجاشي» (ص354) رقم (348)، «خاتمة مستدرك الوسائل» (3/517)، نقلًا عن رسالة العدّة.

([2]) حبة العرني، كان من رؤساء الشيعة، ليس بصدوق، ولا تقوم به حجة، وقال ابن حبان: «يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات والمناكير» حاول الشيعة مدحه فلم يظفروا إلا بمجرد نقل عن الكشي أنه مدحه، مع أن الخوئي قال«: بأن هذا غير موجود في الكشي».

      انظر: «الجرح والتعديل» أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، ابن أبي حاتم (ت 327هـ). الطبعة الأولى. حيدر آباد: مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1271هـ/1952م (3/353) «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (1/450)، وعند الشيعة في «معجم رجال الحديث» (5/192) «أعيان الشيعة» (4/387).

([3]) «بصائر الدرجات» محمد بن الحسن الصفار. تقديم وتعليق وتصحيح: الحاج ميرزا. طهران: محسن، منشورات الأعلمي (ص95 - 96).

([4]) «بحار الأنوار» (14/391).

([5]) «المناقب» ابن شهرآشوب. تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف: مطبعة الحيدرية (3/281).

([6]) عزة الله المولائي الهمداني، أحد المحققين المعاصرين من الشيعة وهو المشرف على تحقيق موسوعة مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر.

([7]) «مدينة المعاجز» هاشم البحراني. بيروت: مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ/1991م (2/30).

([8]) «تفسير التبيان» الشيخ الطوسي (10/90).

([9]) «مجمع البيان في تفسير القرآن» (7/108).

([10]) المرجع السابق.