بلغ الطعن في النبي H من قبل الشيعة الروافض أن حاولوا برواياتهم نزع خلق الغيرة عن النبي H، وهو H الذي ثبت عنه أنه أغير الخلق على محارم الله وعلى عرضه H، كيف وقد جاء في الصحيحين عن وراد([1]) كاتب المغيرة، عن المغيرة([2])، قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله H فقال: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟! وَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ»([3]).
فهذا نص جلي واضح في أن النبي H مرتبته في الغيرة بعد رب العالمين تبارك اسمه، فهو أغير الخلق على محارم الله وعلى عرضه H، وهذه الغيرة هي أخص صفات الرجولة، ولأجل ذلك فإن الذي لا يغار قد انتكست فطرته بالكلية، وقد عد النبي H من لا يغار من ضمن من حرم الله عليهم الجنة فقال H: «ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ -الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ-، وَالدَّيُّوثُ»([4]).
والعجيب أن الشيعة قد رووا مثل هذه الرواية في أصح كتبهم؛ ففي «الكافي» عن أبي عبد الله S قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، والديوث، والمرأة توطئ فراش زوجها»([5]).
وقال المجلسي في «مرآة العقول»: «موثق»([6]).
ورغم كل هذا فقد اتهموا النبي H بعدم الغيرة على عرضه!
وتحت باب: (أفضل منقبة له S من رسول الله G) قال سليم بن قيس الهلالي: «جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وأنا أسمع، فقال: أخبرني يا أمير المؤمنين، بأفضل منقبة لك من رسول الله G. قال S: نصبه إياي بغدير خم، فقام لي بالولاية من الله D بأمر الله تبارك وتعالى، وقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، وسافرت مع رسول الله G -وذلك قبل أن يأمر نسائه بالحجاب- وأنا أخدم رسول الله G ليس له خادم غيري، وكان لرسول الله G لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة، وكان رسول الله G ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثة لحاف غيره، وإذا قام رسول الله G يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ليمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ويقوم رسول الله G فيصلي»([7]).
فهذه الرواية تتهم النبي H أنه كان يترك زوجته مع رجل غريب عنها في فراش واحد، وتحت لحافٍ واحد!
ومن عجب أن الشيعة يقولون بأن هذه ثقة زائدة من النبي H في علي بن أبي طالب! ونسوا أو تناسوا أن هذا من الكبائر في الشريعة، بل وهو طعن صريح في غيرة النبي H وفي رجولته!
يقول شيخهم الشيعي محمد كاظم القزويني([8]) معلقًا على الرواية: «هذا الحديث كما تراه يدل على شدة ثقة النبي بعلي، وكثرة اختصاصه به واطمئنانه منه، وكثيرًا ما تحدث أمثال هذه القضايا في العوائل المحافظة على الحجاب والغيرة نظرًا لنزاهة الأفراد وطهارة القلوب، فكيف بالمعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا؟!»([9]).
كيف يترك النبي H زوجته في لحاف واحد مع رجل غريب عنها؟! وهل مجرد الثقة في رجل يبرر مثل هذا؟! ثم هل فعلًا مثل هذا التصرف الشنيع يحدث في العوائل المحافظة كما يقول القزويني؟!
إن هذا التصرف الشنيع قد جاءت عقوبته في روايات الشيعة أنفسهم، فقد جاء في «الكافي» عن زيد الشحام([10])، عن أبي عبد الله S في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد، قال: «يجلدان مائة مائة غير سوط»([11]).
وقد يقال: إن هذا لمن ثبت عليهم فعل غير مجرد الوجود في لحافً واحد، فتأتي رواية في نفس المصدر لتقول إن هذه العقوبة لمجرد التواجد في لحاف واحد.
ففي «الكافي» عن أبي عبد الله أنه قال: «إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد، وقامت عليهما بذلك بينة، ولم يطلع منهما على ما سوى ذلك، جلد كل واحد منهما مائة جلدة»([12]).
وهذه عقوبةٌ تعزيريةٌ مغلظةٌ واجبةٌ -بحسب تلك الرواية- على علي وعلى أم المؤمنين، والواجب على المتسبب في ذلك أضعافها كونه لا يغار على أهله وكان سببًا في تلك المخالفة الشنيعة لشريعة الإسلام!
بل هذا طعن في إيمان النبي H بالله واليوم الآخر؛ فقد جاء في أمالي الطوسي بسنده عن موسى ابن إبراهيم المروزي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه Q، أن رسول الله G قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبث في موضع تسمع نفسه امرأة ليست له بمحرم»([13]).
فإذا كان النبي H ينهى عن مجرد أن ينام الرجل في مكان تسمعه امرأته في أثناء نومه، ويحذر من يؤمن بالله واليوم الآخر ألا يفعل ذلك، ثم تراه في نفس الوقت ينسب إليه الرافضة أنه يترك زوجته لتنام في لحافٍ واحد مع رجل ليس لها بمحرم!
بل وفي كتاب «سليم بن قيس الهلالي» رواية أخرى يزعم فيها أن النبي H أمر عليًّا أن يجلس في حِجْر أم المؤمنين عائشة J، ثم زعموا أن عائشة ردت بكلام لا يخرج من امرأة تعرف الحياء وتربت في بيت النبوة ومن قبله في بيت الصديقية.
قال سليم بن قيس الهلالي: «قالوا: دخل علي بن أبي طالب S على رسول الله G وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيت غاص بأهله، فيهم الخمسة أصحاب الكتاب والخمسة أصحاب الشورى، فلم يجد مكانًا فأشار إليه رسول الله G: (هاهنا)، يعني خلفه، فجاء عليٌّ S فقعد بين رسول الله G وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي، فدفعته عائشة وغضبت وقالت: أما وجدت لأستك موضعًا غير حجري؟ فغضب رسول الله G وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الحمد، وقائد الغر المحجلين يوم القيامة، يجعله الله على الصراط فيقاسم النار، فيدخل أولياءَه الجنة ويدخل أعداءَه النار»([14]).
ففي هذه الرواية زعموا أن النبي H أمر عليًّا أن يجلس خلفه وهو يعلم أن أم المؤمنين عائشة جالسة خلفه، فهل هناك رجل معظم لحرمات الله ولدينه فضلًا عن أن يكون نبيًّا ورسولًا، فضلًا عن أن يكون أفضل من جميع الأنبياء والرسل، ثم يأمر رجلًا أن يجلس على حِجْر امرأته؟!
وجاءت هذه الرواية في أمالي الطوسي، وكان اللوم أيضًا موجهًا لعائشة أنها تلوم عليًّا؛ لأنه جلس في حجرها!
فعن جندب بن عبد الله البجلي([15])، عن علي بن أبي طالب S قال: «دخلت على رسول الله G قبل أن يضرب الحجاب وهو في منزل عائشة، فجلست بينه وبينها، فقالت: يا بن أبي طالب، ما وجدت لاستك مكانًا غير فخذي، أَمِطْ عني، فضرب رسول الله G بين كتفيها، ثم قال لها: ويل لك، ما تريدين من أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين»([16]).
فهنا يقولون: إنَّ عليًّا جلس على فخذ أم المؤمنين -وحاشاهم جميعًا - فلما لامته أم المؤمنين على فعلته اتهم الإماميةُ رسولَ الله H بأنه دافع عن ذلك الفجور وتلك الجريمة الشنيعة، بل إن الحيوان إذا رأى أن حيوانًا آخر افترش أنثاه فإنه يغار، ثم كيف يبقي النبي H في ذمته زوجة تقول لرجل غريب «أما وجدت لاستك مكانا غير فخذي»؟!
هذا والله غاية الطعن في غيرة النبي H.
أما تلك الروايات الشيعية فلا زمام لها ولا خطام، لكنه الإسقاط الذي يدل على أنهم يعانون من قلة الغيرة على أعراضهم؛ ولذلك فقد جاء في رواياتهم إقرار وتقرير من علي بن أبي طالب بأن هؤلاء لا يستحيون.
ففي «الكافي» عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله S قال: «قال أمير المؤمنين S: يا أهل العراق، نُبِّئْت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، أما تستحيون؟».
وفي حديث آخر: «أن أمير المؤمنين S قال: أما تستحيون، ولا تغارون نساءكم يخرجن إلى الأسواق، ويزاحمن العلوج» والعلوج: كفار العجم([17]).
فهؤلاء سلف الشيعة لا يستحيون ولا يغارون، لكنهم رجعوا فأسقطوا ذلك في رواياتهم على النبي H محمد H وحاشاه من تلك السفاهة السخيفة الباردة الحمقاء الخرقاء.
([1]) أبو سعيد ورَّاد الثقفى كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه، يكنى أبا الورد حديثه في الكوفيين. سمع المغيرة بن شعبة، وروى عنه الشعبي وطائفة وأخرج له الستة، ووثقه ابن حبان. ينظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» (11/112).
([2]) الْمُغِيرة بن شُعْبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، ويكنى أبا عبد الله، وأوّل مشاهده الحُديبية، ولَّاه عمر بن الخطاب البصرة ثمّ عزله عنها، وولّاه بعد ذلك الكوفة فقُتل عمر وهو على الكوفة، فعزله عثمان بن عفّان عنها وولَّاها سعد بن أبي وقّاص. فلمَّا وَلِيَ معاوية الخلافة ولَّى المغيرة بن شعبة الكوفة فمات بها».
انظر: الطبقات الكبير» (8/143) ط. الخانجي.
([3]) «صحيح البخاري» (9/123) رقم (7416)، «صحيح مسلم» (2/1136) رقم (1499).
([4]) «مسند أحمد» (10/321) رقم (٦١٨٠)، والنسائي في «السنن» (5/80) رقم (٢٥٦٢)، قال الشيخ الألباني في تعليقه على سنن النسائي (2562): (حسن صحيح).
([6]) «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» (20/377).
([8]) محمد كاظم بن محمد إبراهيم بن محمد هاشم الموسوي القزويني الحائري ولد عام (1348هـ- 1930م) عرف بالعلامة القزويني ولقب بسيد خطباء كربلاء، له عدة مؤلفات منها فاجعة الطف، موسوعة الإمام الصادق وغيرها، توفي عام (1415هـ 1994م). نقلًا عن الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة:
https://imamhussain.org/23636
([9]) «الإمام علي من المهد إلى اللحد» السيد محمد كاظم القزويني. الطبعة الثانية. بيروت: مؤسسة النور للمطبوعات، 1413هـ/1993م (ص144).
([10]) زيد بن محمّد بن يونس أبو أسامة الشحّام، الكوفي، من رواة الحديث عن الشيعة، قالوا إنه من أصحاب الباقر، والصادق، قال عنه الحلي: «إن زيد بن يونس وقيل: ابن موسى، أبو أسامة الشحّام ثقة، عين».
انظر: «رجال الشيخ» (١٣٥/٢، ٢٠٦/٢)، «الفهرست» (٧١/٢٩٩)، «رجال النجاشي» (١٧٥/٤٦٢)، «الخلاصة» (٧٣/٣)، «رجال ابن داود» (١٠٠/٦٦٤).
([12]) «الكافي» (١٤/٢٩)، وقال المجلسي عن الرواية في «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»: «موثق كالصحيح» (٢٣/٢٧٥).
([13]) «الأمالي» أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي. تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة. الطبعة الأولى. قم: دار الثقافة (1/688).
([14]) «كتاب سليم بن قيس الهلالي» (ص287).
([15]) جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، ينسب إلى جده، أحد أصحاب النبي H روى عن النبي H روى عنه الحسن، وابن سيرين، وأخرج له الجماعة، توفي Iسنة 64 ه.
انظر: «الاستيعاب» (1/219) «أسد الغابة» (1/303) «الإصابة» (1/249) «تهذيب التهذيب» (2/118) «سير أعلام النبلاء» (3/174) «الكاشف» (1/132).
([16]) «الأمالي» (1/602).
([17]) «الكافي» (١١/٢٣٢)، وقال المجلسي في «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» (20/377): «الحديث السادس: موثق وآخره مرسل».