أولًا- تعريف أهل البيت لغة واصطلاحًا:
أولًا- التعريف اللغوي:
قال الفراهيدي (ت791): «أهل الرجل: زوجه، وأخص الناس به. والتأهل: التزوج»([1]).
أما الآل فقد ورد في «المقاييس» قوله: «وآل الرجل: أهل بيته من هذا أيضًا؛ لأنه إليه مآلهم وإليهم مآله. وهذا معنى قولهم يا آل فلان»([2]).
وقال ابن منظور (ت711هـ): «وآل الرجل: أهله. وآل الله وآل رسوله: أولياؤه، أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفًا كما قالوا: آدم وآخر»([3]).
فمما تقدم يتضح أن الآل والأهل ألفاظ مترادفة تدل على معنًى واحدٍ، ولكن تعارف إطلاق لفظ أهل الـبيـت عـلى آل النبـي H؛ لقــولـه D: [الأحزاب:33].
قال الراغب الأصفهاني: «وصار أهل البيت متعارفًا في آل النبي O»([4]).
وبهذا يتبين أنه متى ما أطلق لفظ آل البيت أو أهل البيت انصرف إلى من له نسب بالنبي H، واختص بذلك لعلو نسبه وشرفه، «فإذا قيل: فلان من آل البيت أو أهل البيت انصرف إلى ذلك، خلافًا لغيره فلا بد من إضافة اسم إلى المراد؛ كأن تقول: فلان من آل بكر»([5]).
ثانيًا- التعريف الاصطلاحي:
اختلف أهل العلم في تحديد المراد بآل النبي H على أربعة أقوال:
القول الأول: أنهم هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهذا قول الشافعي([6]) وأحمد([7]) والأكثرين.
القول الثاني: هم ذريته وأزواجه خاصة، وهذا القول حكاه ابن عبد البر في «التمهيد»؛ حيث قال في شرح حديث أبي حميد الساعدي: «استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة؛ لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر([8])، وفي غير ما حديث: «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»، وفي هذا الحديث: «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ»([9])، فقالوا: هذا يفسر ذلك الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته»([10]).
القول الثالث: أنهم أتباعه من أمته إلى يوم القيامة، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله، ذكره البيهقي([11])، ورواه عن سفيان الثوري وغيره([12])، ورجحه النووي؛ إذ قال: «واختلف العلماء في آل النبي H على أقوال، أظهرها، وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين، أنهم جميع الأمة»([13]).
القول الرابع: أنهم هم الأتقياء من أمته، وهذا القول أخص من سابقه، قال ابن تيمية (ت728هـ): «وهذا روي عن مالك إن صح، وقاله طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم»([14]). وحكاه القاضي حسين والراغب وجماعة([15]).
فهذه أقوال العلماء في مفهوم آل البيت، والراجح -والله أعلم- أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وكذلك زوجاته وذريته، ويدل على هذا ما رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة Iأن النبي H قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى، إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»([16]).
قال الإمام البيهقي: «فكأنه H أفرد أزواجه وذريته بالذكر على وجه التأكيد، ثم رجع إلى التعميم؛ ليدخل فيها غير الأزواج والذرية من أهل بيته H وعليهم أجمعين»([17]).
فجمع النبي H بين الأزواج والذرية والأهل، وهذا من باب عطف الخاص على العام؛ ليظهر ويبين أنهم داخلون في هذا اللفظ.
لكن علماء الشيعة الإمامية ذهبوا إلى أن أهل البيت في الإطلاق الشرعي مخصوصة بالخمسة أصحاب الكساء والتسعة من ذرية الحسين I، وأن الزوجات غير داخلات.
قال جعفر السبحاني([18]): «هناك قرائن داخلية وخارجية تشهد وبوضوح أن المراد من «أهل البيت» مجموعة محددة من الناس، ولا تشمل زوجات النبي G وسلم وبقية أقاربه»([19]).
وعمدة استدلالهم في تخصيص مفهوم أهل البيت، الحديث المعروف بحديث الكساء، وهو ما رواه مسلم عن عائشة J قالت: «خرج النبي H غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: [الأحزاب:33]»([20]).
والرد على هذا الاستدلال من وجوه:
- لا نسلم بأن الحديث شرح وتفسير للآية المباركة، وغاية ما فيه أن النبي H أدخل هؤلاء -وهم من أهل بيته- ودعا لهم لتشملهم الآية.
- سياق الآيات واضح الدلالة أن المقصود بالأصالة هن زوجات النبي H، قال الله تعالى: [الأحزاب: 32-34].
فسياق الآية وسباقها ولحاقها واضح الدلالة أن المراد زوجات النبي H.
([1]) «العين»أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال (4/89).
([2]) «معجم مقاييس اللغة» (1/160).
([3]) «لسان العرب» (11/30).
([4]) «المفردات في غريب القرآن» (ص151).
([5]) انظر: «العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط» سليمان السحيمي. الطبعة الأولى. مكتبة الإمام البخاري، 1420هـ/2000م (ص39 -40).
([6]) «شرح النووي على مسلم» أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676هـ). الطبعة الثالثة. بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392هـ (15/180).
([7]) «مجموع الفتاوى» (3/407).
([8]) نُعَيم بن عبد اللَّه المدني، مولى آل عمر، يعرف بالْمُجْمِر (بسكون الجيم، وضم الميم، وكسر الثانية)، وكذا أبوه: ثقة، من الثالثة. «التقريب» (2/250).
([9]) «سنن أبي داود» أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ت 275هـ). تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد كامل قره بللي. الطبعة الأولى. دمشق: دار الرسالة العالمية، 1430هـ/2009م. كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي H بعد التشهد (2/227) رقم (982)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (5626).
([10]) «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت 463هـ). تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري. المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387هـ (17/302-303).
([11]) «السنن الكبرى» أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458هـ). تحقيق: محمد عبد القادر عطا. الطبعة الثالثة. بيروت: دار الكتب العلمية، 1424هـ/2003م (2/217).
([12]) المرجع السابق (2/216).
([13]) «شرح النووي على مسلم» (4/124).
([14]) «مجموع الفتاوى» (22/462).
([15]) انظر: «جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام» محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت 751هـ). تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط. الطبعة الثانية. الكويت: دار العروبة، 1407هـ/1987م (ص211).
([16]) «سنن أبي داود» أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ت 275هـ). تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد كامل قره بللي. الطبعة الأولى. دمشق: دار الرسالة العالمية، 1430هـ/2009م. كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي H بعد التشهد (2/227) رقم (982)، وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» رقم (5626).
([17]) «السنن الكبرى» (2/216).
([18]) جعفر بن محمد حسين السبحاني الخياباني التبريزي، مرجع شيعي إيراني معاصر، ولد سنة 1347ه، من نشاطاته: التدريس بحوزة قم، والإشراف على مؤسسة الإمام الصادق، وهي من المؤسسات الثقافية الإسلامية الكبيرة في قم، له العديد من المؤلفات، منها: مفاهيم القرآن، بحوث في الملل والنحل، الحديث النبوي بين الرواية والدراية. انظر: الموقع الرسمي له:
http://www.imamsadeq.org/fa/index/biografy
([19]) «الفكر الخالد في بيان العقائد» جعفر السبحاني. قم: مؤسسة الإمام الصادق S (1/403).
([20]) «صحيح مسلم» كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أهل بيت النبي H (4/1883)، رقم (2424).