الطعن في الحسن

- وصفه بمذل المؤمنين بعد صلحه مع معاوية I:

من المواقف العظيمة للحسن تنازلُه عن الخلافة لصالح معاوية L، حتى سمي ذلك العام بعام الجماعة؛ لاجتماع كلمة المسلمين، لكنَّ كثيرًا من أصحاب الحسن Iممن يعدون من كبار الشيعة في ذلك الزمن جابهوه بأقسى العبارات، وأقبح الكلمات، حتى وصفوه بمذل المؤمنين.

قال سعيد كاظم العذاري([1]): «ومن رفقه ومداراته لأصحابه الذين لا يدركون حقيقة الموقف الذي اتخذه، وهو موقف الصلح، أنه كان يقابلهم بهدوء ويرد على إساءتهم بلطف. قال له أبو عامر سفيان بن الليل([2]): السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال: لا تقل ذلك يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك، وقال له مالك بن ضمرة([3]): السلام عليك يا مُسْخِمَ وجوه المؤمنين، فقال له S: لا تقل ذلك، إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله خشيت أن يجتثوا عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع. وقيل له: يا مذل المؤمنين ومسود الوجوه، فقال: لا تعذلوني فإن فيها مصلحة»([4]).

هكذا وصف هؤلاء فعل الحسن I، وما كان صلحه وتنازله عن الخلافة من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، لكن علماء الشيعة رأوا أن هذا الكلام الصادر من هؤلاء الأصحاب كان ناشئًا وصادرًا عن شدة محبتهم له.

قال المامقاني (ت1351هـ)([5]): «وقد روى في البحار عن سفيان هذه القضية على وجه يتضح به كون ما صدر منه ناشئًا من شدة إخلاصه، وغاية محبته، فيفيد مدحه، فضلًا عن عدم دلالته على ذمه. والرواية هذه: سفيان بن أبي ليلى قال: أتيت الحسن بن علي R -بعد بيعته لمعاوية- فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت وأنا على راحلتي: السلام عليك يا مذل المؤمنين»([6]).

وقال النراقي في ترجمته أيضًا: «سفيان بن أبي ليلى الهمداني، من أصحاب الحسن S، ذكره الكَشِّي من حواريه، وروى الكَشِّي أيضًا بإسناده عن أبي حمزة، عن أبي جعفر S قال: جاء رجل من أصحاب الحسن S يقال له: سفيان بن ليلى، وهو على راحلة له، فدخل على الحسن S وهو محتب بفناء داره، فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين... والكلام المنسوب إليه وإن اشتمل على إساءة الأدب، إلا أنه صدر من الحب للإمام والبغض لعدوه، وفي الحب يغتفر ما لا يغتفر في غيره، فالرواية على المدح حينئذ أدل منها على الذم»([7]).

وهكذا انقلب الذم إلى مدح، وصار هذا الكلام الذي صدر من هؤلاء دالًّا على كمال محبتهم، وشدة إخلاصهم.

2- وصفه بالْمِزواج الْمِطلاق:

ذَكَرَ الكليني (ت328هـ) في «الكافي» روايتين عن جعفر الصادق تصفان الحسن Iبأنه كان كثير الزواج والطلاق، الأولى: «عن أبي عبد الله S قال: إن عليًّا قال وهو على المنبر: لا تزوجوا الحسن؛ فإنه رجل مطلاق، فقام رجل من همدان فقال: بلى والله لنزوجنه وهو ابن رسول الله G، وابن أمير المؤمنين S، فإن شاء أمسك وإن شاء طلق".

والثانية: «عن أبي عبد الله S قال: إن الحسن بن علي R طلق خمسين امرأة فقام عليّ S بالكوفة، فقال: يا معاشر أهل الكوفة، لا تنكحوا الحسن، فإنه رجل مطلاق، فقام إليه رجل فقال: بلى والله لننكحنه، فإنه ابن رسول الله G وابن فاطمة عليها السلام، فإن أعجبته أمسك وإن كره طلق»([8]).

وهذه المسألة أشكلت على جملة من علماء الإمامية، حتى توقف بعضهم فيها ولم يجد لها جوابًا.

قال يوسف البحراني (ت1107هـ)([9]): «بقي هنا إشكال، وهو أنه قد تكاثرت الأخبار بأن الحسن S كان رجلًا مطلاقًا للنساء، حتى عطب به أبوه علي S على ظهر المنبر.

ومن الأخبار في ذلك:

ما رواه في الكافي، عن عبد الله بن سنان في الموثق، عن أبي عبد الله S قال: «إن عليًّا S قال وهو على المنبر: لا تزوجوا الحسن، فإنه رجل مطلاق، فقام إليه رجل من همدان فقال: بلى والله أزوجه، وهو ابن رسول الله G وسلم، وابن أمير المؤمنين S فإن شاء أمسك وإن شاء طلق».

وعن يحيى بن أبي العلاء([10]) عن أبي عبد الله S قال: «إن الحسن بن علي R طلق خمسين امرأة، فقام علي S بالكوفة فقال: يا معاشر أهل الكوفة، لا تُنْكحوا الحسن S؛ فإنه رجل مطلاق، فقام إليه رجل فقال: بلى والله أنكحته، إنه ابن رسول الله G وسلم وابن فاطمة P، فإن أعجبته أمسك، وإن كره طلق».

وروى البرقي([11]) في كتاب «المحاسن» عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله قال: «أتى رجل أمير المؤمنين S فقال له: جئتك مستشيرًا، إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خطبوا إليَّ، فقال أمير المؤمنين S: المستشار مؤتمن، أما الحسن فإنه مطلاق للنساء، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك)، وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء أو نحوه مما يوجب أولوية الطلاق، ولا يخفى بعده؛ لأنه لو كان كذلك لكان عذرًا شرعيًّا، فكيف ينهى أمير المؤمنين S عن تزويجه والحال كذلك؟! وبالجملة فالمقام محل أشكال، ولا يحضرني الآن الجواب عنه، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب»([12]).

ولما كانت المسألة مشكلة، ذهب بعضهم إلى أن هذه الروايات من اختلاق بني أمية لتشويه صورة الحسن I.

قال علي الميانجي([13]): «أقول: بل هو نسيج زمن معاوية لإظهار أن الحسن S أيضًا ليس زاهدًا في الدنيا، بل هو من أهل الدنيا وملاذها وهواها، كما أشاعوا عن علي S أنه قال: لا تزوجوا الحسن؛ فإنه رجل مطلاق، وإن الحسن أهل عيش وخوان. فإذا حمي الوطيس فليس هو من أهله، وإنه تزوج عشرات من النساء على مهور غالية ومتاع كثير، لكل زوجة طلقها، وذلك ليسقطوه عن أعين الناس، سيما شيعة أهل البيت Q، حتى لا يكون أهلًا للخلافة في نظرهم فيكون ذلك مبررًا لعهد معاوية إلى يزيد بالخلافة»([14]).

وهذا الكلام غير مقبول ألبتة، فالروايات في الباب حَكَمَ بصحتها جملة من علماء الشيعة الإمامية، منهم: الكليني والمجلسي وغيرهما.

 

([1]) السيد سعيد كاظم العذاري شيعي معاصر له كتاب سماحة الإسلام وحقوق الأقليات الدينية.

([2]) سفيان بن أبي ليلى الهمداني النهدي، قالوا إنه من أصحاب الحسن، ووثقوه حتى قال محسن الأمين: يكفي في وثاقة الرجل وجلالة قدره كونه من حواري الحسن (ع) وقوله للحسن (ع) يا مذل المؤمنين، لا شك أنه صدر عن محبة فهو شاهد لوثاقة الرجل».

      انظر: «أعيان الشيعة» (٧/٢٦٣)، «معجم رجال الحديث» (٩/١٥٧).

([3]) مالك بن ضمرة الرواسي من أصحاب علي بن أبي طالب، قالوا وهو ممن استبطن من جهته علمًا كثيرًا، وكان أيضًا قد صحب أبا ذر فأخذ من عمله، وهو ثقة عندهم، مات في زمان معاوية I.

      انظر: «التاريخ الكبير» (٩/٥٥) «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (٥/٢٤٧٥)، «أسد الغابة» (٥/٢٦)، «أعيان الشيعة» (٧/٧)، «معجم رجال الحديث» (١٥/١٧٤)، «المفيد من معجم رجال الحديث» (٤٧٨)، «قاموس الرجال» (٨/٦٥٥)، «بحار الأنوار» (٤١/٣٤٧).

([4]) «الإمام الحسن السّبط S سيرة وتاريخ» سعيد كاظم العذاري (ص70).

([5]) عبد الله بن محمد حسن بن عبد الله المامقاني، ولد سنة 1290هـ، من علماء الشيعة الإمامية من أهل النجف.

      من أشهر مؤلفاته: «تنقيح المقال في علم الرجال»، مطبوع في ثلاث مجلدات، صنفه في زهاء عامين فوقع فيه كثير من الأوهام، وغيره من المصنفات، توفي سنة 1351هـ. انظر: «الأعلام» (4/133).

([6]) «تنقيح المقال في علم الرجال» عبد الله المامقاني. قم إيران: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث (31/417).

([7]) «شعب المقال في درجات الرجال» الميرزا ابو القاسم بن محمد النراقي (ص268).

([8]) «الكافي» محمد بن يعقوب الكليني. الطبعة الأولى. قم إيران: دار الحديث للطباعة والنشـر، 1430هـ (11/467-469).

([9]) يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني، ترجم له آية الله جعفر السبحاني في «تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره» (ص403) بقوله: «هو المحدّث الكبير، والفقيه المتبحّر، الجامع بين التوغّل في الحديث والاِحاطة بالفروع».

       ويصفه تلميذه أبو علي الحائري موَلّف «منتهى المقال» بقوله: «عالم فاضل، متبحر ماهر، متتبّع محدّث، ورع عابد، صدوق ديّن، من أجلّة مشايخنا وأفاضل علمائنا المتبحّرين».

      له مؤلفات منها: «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» (25 مجلّدًا)، «الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية»
(4 مجلّدات)، «أنيس المسافر وجليس الحاضر» المعروف بـ«كشكول البحراني» (3 مجلّدات)، تُوفّي عام 1186هـ.

      انظر: «منتهى المقال» (7/74) رقم (3286)، «روضات الجنّات» (8/203) رقم (750)، «خاتمة المستدرك» (2/65)، «أعيان الشيعة» (10/317)، «طبقات أعلام الشيعة» (9/828).

([10]) يحيى بن موسى بن أبي العلاء الباهلي، أبو موسى صاحب البصري، كان حيًّا بعد 148هـ، عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر S، قائلا: «يحيى بن أبي العلاء الرازي»، قال الخوئي: «لم يرد فيه توثيق»، وهو عند أهل السنة رافضي كذاب. انظر: «تهذيب التهذيب» (11/261 - 262) «معجم رجال الحديث» (٢١/٢٧) «زبدة الأقوال في خلاصة الرجال» (١/٤٠٩).

([11]) أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي. من أصحاب الإمامين الجواد والهادي، قال عنه النجاشي: «كان ثقة في نفسه».

       وقال المامقاني: «فالحقّ أنّ المترجم ثقة جليل، ورواياته المسندة صحيحة من جهته، نعم مراسيله فيها تأمّل»، له عدة مؤلفات منها «المحاسن»، «أخبار الأصم»، «اختلاف الحديث»، «الأوائل»، «بنات النبي G وأزواجه»، تُوفّي Iعام ٢٧٤ﻫـ. أو 280ﻫـ.

      انظر: «معجم رجال الحديث» (3/٤٩) رقم (٨٦٠)، «رجال النجاشي» (٧٦) رقم (182)، «الفهرست» (٦٢) رقم (٦٥)، «خلاصة الأقوال» (٦٣)، «تنقيح المقال» (7/294) رقم (1463).

([12]) «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» يوسف البحراني (25/148).

([13]) علي حسين علي بن أحمد الأحمدي الميانجي، ولد في عام 1345هـ، من مؤلّفاته: مكاتيب الرسول (4 مجلّدات)، مواقف الشيعة مع خصومهم (3مجلّدات)، مكاتيب الأئمة. تُوفّي1421هـ.انظر: «كتاب عقيل بن أبي طالب» (ص9).

([14]) «مكاتيب الأئمة» علي الأحمدي الميانجي (3/46).