الطعن في باقي أهل البيت

المتتبع لكتب الحديث عند الشيعة الإمامية يجد فيها كثيرًا من الطعونات في حق أهل البيت -بالمعنى العام الذي يشمل قرابة النبي H-، ما يصعب معه حصره في موضع واحد، وهذه بعض النماذج الموضحة لمقالاتهم السيئة في حق أهل البيت والانتقاص من مكانتهم:

1- الطعن في العباس I:

روى الكليني (ت328هـ) بسنده عن سدير قال: «كنا عند أبي جعفر S، فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم G، واستذلالهم أمير المؤمنين S، فقال رجل من القوم: أصلحك الله، فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟!

فقال أبو جعفر S: «ومن كان بقي من بني هاشم؟ إنما كان جعفر وحمزة، فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان، حديثا عهد بالإسلام: عباس وعقيل، وكانا من الطلقاء، أما والله لو أن حمزة وجعفرًا كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما»([1]).

قال الخوئي معلقًا على الرواية: «وملخص الكلام: أن العباس لم يثبت له مدح، ورواية «الكافي» الواردة في ذمه صحيحة السند، ويكفي هذا منقصة له؛ حيث لم يهتم بأمر علي بن أبي طالب (ع)، ولا بأمر الصديقة الطاهرة في قضية فدك، معشار ما اهتم في أمر ميزابه»([2]).

وقصة الميزاب التي أشار إليها الخوئي، قد رواها المجلسي بالتفصيل حيث قال: «ولم يزل الميزاب على حاله مدة أيام النبي وخلافة أبي بكر وثلاث سنين من خلافة عمر بن الخطاب، فلما كان في بعض الأيام وعك العباس ومرض مرضًا شديدًا وصعدت الجارية تغسل قميصه فجرى الماء من الميزاب إلى صحن المسجد، فنال بعض الماء ثوب الرجل، فغضب غضًبا شديدًا وقال لغلامه: اصعد واقلع الميزاب، فصعد الغلام فقلعه ورمى به إلى سطح العباس، وقال: والله لئن رده أحد إلى مكانه لأضربن عنقه، فشق ذلك على العباس ودعا بولديه عبد الله وعبيد الله ونهض يمشي متوكئًا عليهما -وهو يرتعد من شدة المرض- وسار حتى دخل على أمير المؤمنين، فلما نظر إليه أمير المؤمنين انزعج لذلك، وقال: يا عم! ما جاء بك وأنت على هذه الحالة؟! فقص عليه القصة وما فعل معه عمر من قلع الميزاب وتهدده من يعيده إلى مكانه، وقال له: يا بن أخي، إنه كان لي عينان أنظر بهما، فمضت إحداهما وهي رسول الله وبقيت الأخرى وهي أنت يا علي، وما أظن أن أظلم ويزول ما شرفني به رسول الله وأنت لي، فانظر في أمري، فقال له: يا عم، ارجع إلى بيتك، فسترى مني ما يسرك إن شاء الله تعالى.

ثم نادى: يا قنبر، عليَّ بذي الفقار، فتقلده ثم خرج إلى المسجد والناس حوله وقال: يا قنبر، اصعد فرد الميزاب إلى مكانه، فصعد قنبر فرده إلى موضعه، وقال علي: وحق صاحب هذا القبر والمنبر لئن قلعه قالع لأضربن عنقه وعنق الآمر له بذلك، ولأصلبنهما في الشمس حتى يتقددا، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فنهض ودخل المسجد ونظر إلى الميزاب، فقال: لا نغضب أبا الحسن فيما فعله، ونكفر عن اليمين، فلما كان من الغداة مضى أمير المؤمنين إلى عمه العباس، فقال له: كيف أصبحت يا عم؟ قال: بأفضل النعم ما دمت لي يا بن أخي. فقال له: يا عم، طب نفسًا وقر عينًا، فو الله لو خاصمني أهل الأرض في الميزاب لخصمتهم، ثم لقتلتهم بحول الله وقوته، ولا ينالك ضيم يا عم، فقام العباس فقبل ما بين عينيه، وقال: يا بن أخي، ما خاب من أنت ناصره!»([3]).

فنلاحظ أن عليًّا I جرد سيفه للقتال من أجل ميزاب عمه، في حين سكت عن اغتصاب حقه في الخلافة، وحق زوجته في فدك -كما يزعم القوم-، حتى لامته وعنفته على موقفه السلبي.

قال المجلسي: «وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خط المصنف مكتوبًا على هامشها بعد إيراد خطبتها P ما هذا لفظه: وجد بخط السيد المرتضى علم الهدى الموسوي -قدس الله روحه- أنه لما خرجت فاطمة P من عند أبي بكر حين ردها عن فدك أستقبلها أمير المؤمنين S فجعلت تعنفه، ثم قالت: اشتملت... إلى آخر كلامها P»([4]).

ونقول للخوئي: إن كان غضب العباس من أجل ميزاب وعدم اهتمامه باغتصاب الخلافة وفدك يعتبر مطعنًا فيه؛ فما القول فيمن لم يحرك ساكنًا لاغتصاب الخلافة وفدك، ثم جرد سيفه لقتال أهل الأرض من أجل ميزاب عمه؟

فهل قلع الميزاب أعظم من اغتصاب الإمامة التي هي أصل من أصول الدين، بل أعلى وأرقى وأشرف من النبوة في زعمكم؟!

وهل قلع الميزاب أعظم من جرم ضرب زوجته في وجهها وعصرها بالباب حتى أسقطت جنينها؟!

لقد زعم الشيعة أيضًا أن قول الله تعالى:               [الإسراء:72]، نزل في العباس I؛ فقد روى الكَشِّي بسنده عن الفضيل بن يسار([5])، عن أبي جعفر (ع) قال: أتى رجل أبي (ع)، فقال: إن فلانًا -يعني عبد الله بن العباس- يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت، قال فسله فيمن نزلت:               [الإسراء:72]، وفيم نزلت:                       [هود:34]؟ وفيم نزلت:             [آل عمران:200]؟ فأتاه الرجل وقال: وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله، ولكن سله ما العرش؟ ومتى خلق؟ وكيف هو؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات؟ قال: لا، قال: ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعي والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه...»([6]).

2- الطعن في عبد الله بن عباس L:

عبد الله بن عباس ذلكم الحبر البحر، ابن عم النبي H، هو الآخر لم يسلم من طعونات القوم:

فقد روى الكليني (ت328هـ) أن جعفر الصادق قال: «بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعًا، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا، قال: زعم ابن عباس أنه من:                      [فصلت:30]، قال: فاستضحكت، ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله...»([7]).

وروى الْكَشي بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: قال أمير المؤمنين (ع): اللهم العن ابْنَيْ فلان وأعم أبصارهما كما عميت قلوبهما، الآكلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلًا على عمى قلوبهما»([8]).

3- الطعن في محمد ابن الحنفية([9]):

وهو محمد بن علي بن أبي طالب، أخو الحسن والحسين الذي يعرف بابن الحنفية؛ لأن أمه من بني حنيفة، وقد روى الكليني (ت328هـ) عن علي I: «أنه جمع الناس لإقامة حد الزنا على امرأة، فقال: يا أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه G وسلم عهدًا عهده محمد G وسلم إلي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد، فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها، فلا يقيم عليها الحد. قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين S والحسن والحسين R، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ، وما معهم غيرهم. قال: وانصـرف فيمن انصـرف يومئذ محمد ابن أمير المؤمنين S»([10]).

وهذا فيه تعريض واضح بمحمد بن الحنفية V، وأنه وقع منه مثل ما وقع من المرأة، ولهذا انصرف.

4- الطعن في أبناء الحسن I:

حتى أبناء الحسن Iلم يسلموا من طعن القوم، فاتهموهم بأنهم قد حسدوا الأئمة، وهذا الذي دفعهم إلى إنكار إمامتهم، وعدم الإيمان بها، فقد روى الكليني (ت328هـ) بسنده عن الحسين بن أبي العلاء، قال: «سمعت أبا عبد الله S يقول: إن عندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة عليها السلام، ما أزعم أن فيه قرآنًا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة، وربع الجلدة، وأرش الخدش؛ وعندي الجفر الأحمر.

قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل. فقال له عبد الله بن أبي يعفور([11]): أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إي والله، كما يعرفون الليل أنه ليل، والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرًا لهم»([12]).

وقريب من هذا ما أورده الطبرسي في كتابه «الاحتجاج» عن جعفر الصادق أنه قال: «ليس منا إلا وله عدو من أهل بيته، فقيل له: بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق؟ قال: بلى، ولكن يمنعهم الحسد»([13]).

 

([1]) «الكافي» (15/446 - 447).

([2]) «معجم رجال الحديث» (10/254).

([3]) «بحار الأنوار» (30/364 - 365).

([4]) «الزهراء وخطبة فدك شرح الخطبة الفدكية» محمد باقر المجلسـي. علق عليه وأكمله: آية الله الشيخ محمد تقي شريعتمداري (ص141).

([5]) أبو القاسم، الفضيل بن يسار النهدي، مولى لبني نهد. من رواة الحديث عند الشيعة في القرن الثاني الهجري، قالوا: كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق، وعدَّه الشيعة من الذين أجمعت العصابة على تصديقهم، والانقياد لهم بالفقه، قال عنه الحلّي: «ثقة عين، جليل القدر».

      انظر: «معجم رجال الحديث (١٤/٣٥٦) رقم (٩٤٥٦)، «رجال الكَـشّي» (۲/٥٠٧، ٤۷۳، ٤٧٢)، «رجال النجاشي» (309) رقم (٨٤٦)، «خلاصة الأقوال» (228).

([6]) «اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي» الطوسي (1/53).

([7]) «الكافي» (1/611 - 613).

([8]) «اختيار معرفة الرجال = رجال الكشي» (1/113).

([9]) محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم، المعروف بابن الحنفية، عرف بأمه خولة بنت جعفر بن قيس، من سبي بني حنيفة يوم اليمامة، صارت لعلي فولدت له محمدًا المذكور لسنتين أو ثلاث بقيت من خلافة عمر، وسمع أباه وعثمان، وروى عنه جماعة من التابعين، وتوفي Iبرضوى، ودفن بالبقيع سنة إحدى وثمانين.

      انظر: «طبقات ابن سعد» (7/93)، و«تهذيب الكمال» (26/147)، و«سير أعلام النبلاء» (4/110)، و«تاريخ الإسلام» (6/181)، و«البداية والنهاية» (9/47)، و«شذرات الذهب» (1/330).

([10]) «الكافي» (14/46).

([11]) أبو محمّد، عبد الله بن أبي يعفور العبدي، من رواة حديثهم في القرن الثاني الهجري، قالوا: كان من أصحاب الباقر والصادق، قال النجاشي: «ثقة ثقة، جليل في أصحابنا، كريم على أبي عبد الله»، وقال النوري الطبرسي: «من الفقهاء المعروفين الذين هم عيون هذه الطائفة، يُعدّ مع زرارة وأمثاله»، تُوفّي في حياة الإمام الصادق S سنة الطاعون.

      انظر: «معجم رجال الحديث» (۱۱/۱۰۲)، «رجال الكَشّي» (۲/٤١٨، ٥١٤)، «رجال النجاشي» (۲۱۳)، «طرائف المقال» (۲/۲۹)، «خاتمة مستدرك الوسائل» (٤/٤۱۲).

([12]) «الكافي» (1/597 - 598).

([13]) «الاحتجاج(أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. تحقيق: محمد باقر خرسان. الطبعة الأولى. قم: دار المرتضى، 1403ه (2/374).