بداية نقول: من جملة الأحاديث التي أنكرها جمع من علماء الشيعة الإمامية، انكشاف عورة موسى O([1])، حين وضع ثيابه على حجر، ورأوا أن هذا من القوادح والطعون في حقه؛ يقول الشريف المرتضى (ت436هـ)([2]): «وليس يجوز أن يفعل الله تعالى بنبيه S ما ذكروه من هتك العورة ليبرئه من عاهة أخرى، فإنه تعالى قادر على أن ينزهه مما قذفوه به على وجه لا يلحقه معه فضيحة أخرى، وليس يرمي بذلك أنبياء الله تعالى من يعرف أقدارهم» ([3]).
والشاهد أن الشريف المرتضى ومن وافقه رأوا انكشاف عورة النبي -وإن كان بغير اختياره وقصده- من الفضائح التي لا ينسبها للأنبياء إلا من يجهل أقدارهم.
ولكنه ورد في تراث الشيعة الروائي في حق نوح S ما هو من جنس هذا الذي أنكروه في حق موسى S، فروت كتبهم أن ريحًا شديدةً هبت فكشف عورة نوح S، حتى ضحك بعض الحاضرين!
روى الصدوق (ت381هـ) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني([4]) قال: سمعت علي بن محمد العسكري([5]) (ع) يقول: «عاش نوح (ع) ألفين وخمسمائة سنة، وكان يومًا في السفينة نائمًا فهبت ريح فكشفت عن عورته فضحك حام ويافث، فزجرهما سام (ع) ونهاهما عن الضحك، وكان كلما غطى سام شيئًا تكشفه الريح كشفه حام ويافث فانتبه نوح (ع) فرآهم وهم يضحكون، فقال: ما هذا؟ فأخبره سام بما كان فرفع نوح (ع) يده إلى السماء يدعو، ويقول: اللهم غيِّر ماء صلب حام حتى لا يولد له إلا سودان، اللهم غيِّر ماء صلب يافث، فغير الله ماء صلبهما، فجميع السودان حيث كانوا من حام، وجميع الترك والسقالبة ويأجوج ومأجوج والصين من يافث حيث كانوا، وجميع البيض سواهم من سام، وقال نوح (ع) لحام ويافث: جعل الله ذريتكما خولًا لذرية سام إلى يوم القيامة؛ لأنه برَّ بِي وعققتماني، فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذريتكما ظاهرة، وسمة البر بي في ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا» ([6]).
ونقل الروايةَ جملةٌ من مفسريهم، منهم: الحويزي([7]) في تفسير «نور الثقلين»([8])، ومحمد رضا المشهدي القمي([9]) في «تفسيره»([10]).
فيلزم على مبانيهم أن تكون الرواية قادحة في نبي الله نوح S، فأين هذا الكلام مما اعترضوا به على ما حدث لنبي الله موسى S من كشف عورته؟ أم هو خبط العشواء والسير على غير اهتداء؟
([1]) هذا الحديث رواه البخاري في كتاب الغسل، باب: من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، رقم (278)، «وأما انكارهم تعري موسى بحجة أن هذا حرام، فينبغي العلم أن الشرائع تختلف، فقد يكون هذا الشيء في هذه الشريعة حرامًا، ثم يحل في الشريعة الأخرى، وهذا الذي فعله بنو إسرائيل إما أن يقال: إنه لم يكن حرامًا في شريعتهم أن يغسلوا معًا وإلا لأنكر عليهم موسى S، وأما هو فكان حييًّا كما ورد في الحديث، وليس في الحديث إساءة لموسى، كما تزعم الروافض، بل فيه مدح وثناء، ووصفه بأنه كان حييًّا ستيرًا...».
انظر: «عمدة القاري» (3/230)، ثم ما كان للروافض أن يعترضوا على هذا الحديث وهو في كتبهم بإسنادٍ صحيح، فقد أثبته القمي في تفسيره (2/197)، والطبرسي في «مجمع البيان» (4/583).
([2]) علي بن الحسين بن موسى بن محمد العلوي الشريف المرتضى، المتكلم الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، عاش في بغداد، وإليه ينسب كتابة نهج البلاغة، وهو رأس من رؤوس الشيعة الإمامية، ترجم له شيخهم حسن الصدر قائلًا: «انتهت إليه رئاسة الإمامية في الدين والدنيا، ولم يتفق لأحد ما اتفق له من بسط اليد، وطول الباع في إحياء دوارس المذهب، كان يدرس في كل العلوم الإسلامية، لا سيما الكلام والفقه والأدب والحديث، ويجري على تلامذته رزقًا، وتخرج عليه أعلام علماء الإسلام وأئمة الفقه والكلام، وصنف أصولًا وتأسيسات غير مسبوق بمثلها، وأكثر في التصنيف في المعقولات لنصرة الدين في تلك الطبقات بتلك المصنفات فكانت له آيات بينات وكرامات كالمعجزات(توفي سنة 436هـ.انظر: «تاريخ بغداد» (11/402) «لسان الميزان» (4/223) «البداية والنهاية» (12/53) «تأسيس الشيعة» (ص391).
([3]) «تنزيه الأنبياء(السيد الشريف المرتضى (ص125)، منشورات المدرسة العليا، طهران الطبعة الأولي 1422.
([4]) عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب من أصحاب الإمامينِ الهادي والعسكري، مدحه الشيعة كثيرا، ومن ذلك ما قاله الحلّي: «كان عابدًا ورعًا»، وقال البروجردي: «وفضله وجلالته أشهر من أن يُذكر، وقبره الآن مزارًا للشيعة، وقد برز منه الكرامات الباهرة(تُوفّي (ع) في الخامس عشـر من شوّال 252هـ.
انظر: «معجم رجال الحديث(11/50) رقم (6591) «رجال النجاشي(248) رقم (653) «مستدركات علم رجال الحديث» (4/451) رقم (7927).
([5]) علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، والملقب بالهادي، ولد في سنة ۲۱۲هـ، وتوفي سنة ٢٥٤هـ. قال الشيعة إنه تولى الإمامة وله من العمر ست سنين ونيف، وقال الطبرسي: «ثمان سنين».
وأما عند أهل السنة فقد قال الذهبي في أحداث سنة ٢٥٤هـ من كتابه «العبر»: «وفيها [توفي] أبو الحسن علي بن الجواد محمد، ابن الرضا علي، ابن الكاظم موسى، ابن الصادق جعفر، العلوي الحسيني المعروف بالهادي، توفي بسامراء وله أربعون سنة، وكان فقيهًا إمامًا متعبّدًا، استفتاه المتوكل مرة، ووصله بأربعة آلاف دينار، وقال ابن العماد الحنبلي: أبو الحسن علي بن الجواد… المعروف بالهادي، كان فقيهًا إمامًا متعبدًا».
انظر: كتاب «الإمام الهادي من المهد إلى اللحد»، «العبر في خبر من غبر» (1/364) «البداية والنهاية» (11/17) «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» (3/242).
([6]) «علل الشرائع» (1/32).
([7]) عبد علي بن جمعة العرسي الحويزي، قال الحر العاملي في ترجمته بأمل الآمل (2/154) رقم (449): «كان عالِمًا، فاضلًا، فقيهًا، محدثًا، ثقةً، ورعًا، شاعرًا، أديبًا، جامعًا للعلوم والفنون، معاصرًا، له كتاب «نور الثقلين في تفسير القرآن (في أربع مجلدات، أحسن فيه وأجاد، نقل فيه أحاديث النبي والأئمة في تفسير الآيات من أكثر كتب الحديث، ولم ينقل فيه عن غيرهم، وقد رأيته بخطه واستكتبته منه، وله شرح لامية العجم، وله شرح شواهد المغني أيضا لم يتم، وغير ذلك».
وتفسير «نور الثقلين» مطبوع في خمسة أجزاء بتحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي. ط4، مؤسسة إسماعيليان.
([8]) «تفسير نور الثقلين» عبد علي العروسي. تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي. الطبعة الرابعة. قم: مؤسسة إسماعيليان (2/362).
([9]) محمد بن محمد رضا القمي المشهدي، من علماء الرافضة المعاصرين للمجلسي والحر العاملي، ولا يُعرف له تاريخ ولادة ولا وفاة، قيل إنه كان مجازًا من المجلسي، مدحه الشيعة كثيرًا، قال عنه الخوانساري: «كان فاضلا عالمًا عاملًا جامعًا أديبًا محدّثًا فقيهًا مفسرًا نبيهًا موثّقًا وجيهًا من علماء زمن سميّنا العلّامتين السبزوارى، والمجلسى، ومولانا الفيض الكاشى»، اشتهر بتفسيره كنز الدقائق. انظر مقدمة «تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب» (1/9- 18) «رضوان الجنات» (7/110).
([10]) «تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب(محمد رضا القمي المشهدي. قم: دار الغدير، 1423هـ (6/167).