ادعاؤهم أن السفينة سارت باسم أهل البيت

من جملة الأكاذيب التي نسجها خيالهم الواهي، زعمهم أن سفينة نوح S ما سارت إلا بفضل أهل البيت، ونسبوا في ذلك حديثًا موضوعًا إلى رسول الله H، ذكره هاشم البحراني (1107ﻫـ) بقوله: «ثم قال النبي G: «قال الله تعالى:        [القمر:13]، قال النبي G: الألواح خشب السفينة، ونحن الدسر، ولولانا ما سارت السفينة بأهلها» ([1]).

يعلق المحقق البحراني (ت1107هـ)([2]) على الرواية قائلًا: «فتأمل -أرشدك الله بتوفيقه- إلى هذا الخبر، وانظر إلى علو درجات أهل البيت ومقاماتهم، وانظر كيف كان نجاة سفينة نوح S بأهلها، وهم أصل كل من بقي من ولد آدم S ببركاتهم، فالعجب من النواصب والمرجئة كيف جحدوا مقاماتهم، وقدموا عليهم الجبت والطاغوت، افتراءً على الله، واجتراءً عليه جل برهانه، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا» ([3]).

قلت: بل هو من الكذب البين على رسول الله H، وهذا التأويل -قبح الله واضعه- الباطني لكلام الله لا يقبله عاقل، يقول المازندراني([4]): «فالدسر بالضم وبضمتين: جمع الدسار، وهو المسمار والخيط من ليف يشد بها ألواح السفينة» ([5]).

فما علاقة أهل البيت بالموضوع؟

وهل كانوا مخلوقين أساسًا في عالم الوجود حتى يُسَيِّرُوا السفينةَ بزعمهم؟

قال الحافظ ابن كثير: «      ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْقُرَظِيُّ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَسَامِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جرير، قال: وَوَاحِدُهَا دِسَارٌ. وَيُقَالُ: دَسِيرٌ كَمَا يُقَالُ: حَبِيكٌ وَحِبَاكٌ وَالْجَمْعُ حُبُكٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الدُّسُرُ أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ: هُوَ صَدْرُهَا الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَوْجُ. وقَالَ الضَّحَّاكُ: طَرَفَاَهَا وَأَصْلُهَا. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ كَلْكَلُهَا أَيْ صَدْرُهَا» ([6]).

وعلى هذه الأقوال التي أوردها الحافظ ابن كثير تدور أقوال المفسرين من أهل السنة؛ بل لو راجعنا كتب التفسير عند الشيعة الإمامية لوجدنا أكثرها يحوم حول هذا المعنى ولا يخرج عنه.

يقول الطباطبائي: «قوله تعالى:        المراد بذات الألواح والدسر السفينة، والألواح: جمع لوح وهو الخشبة التي يركب بعضها على بعض في السفينة، والدسر: جمع دسار ودسر وهو المسمار الذي تشد بها الألواح في السفينة، وقيل فيه معان أخر لا تلائم الآية تلك الملاءمة»([7]).

ويقول الكاشاني([8]): «       ذات أخشاب عريضة. (ودسر): القمي: قال: الألواح: السفينة، والدسر: المسامير، قال: وقيل: الدسر: ضرب من الحشيش شد به السفينة» ([9]).

ولا شك أن هذا ما يدل عليه ظاهر الآية، بحسب لغة العرب التي نزل بها القرآن، أما حملها على معان بعيدة، وتأويلات باطنية ما أنزل الله بها من سلطان، فلا شك أنه من التلاعب بكتاب الله.

 

([1]) «غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام» هاشم البحراني (3/20)، تحقيق: السيد علي عاشور.

([2]) أبو الحسن، سليمان ابن الشيخ عبد الله بن علي الماحوزي البحراني المعروف بالمحقّق البحراني، ولد في سنة 1075هـ، قال عنه الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: «هو سمية قطب المحقّقين، ورئيس المدقّقين، الفقيه النبيه، نادر العصر والزمان».

      وقال عنه البحراني في «لؤلؤة البحرين»: «وهذا الشيخ قد انتهت إليه رئاسة بلاد البحرين في وقته، وكان يُدرّس يوم الجمعة في المسجد بعد الصلاة في الصحيفة الكاملة السجّادية، وحلقته مملوءة من الفضلاء المشار إليهم وغيرهم، وفي سائر الأيّام في بيته» من مؤلفاته: أزهار الرياض (3 مجلّدات)، الأربعون حديثًا في إثبات إمامة أمير المؤمنين S من طرق العامّة، «الرسالة الشمسية في ردّ الشمس لمولانا أمير المؤمنين S» توفي 1121هـ.

      انظر: «منتهى المقال» (3/399) رقم (1376) «روضات الجنّات» (4/16) رقم (319) «طرائف المقال» (2/621) «خاتمة المستدرك» (2/67) «أعيان الشيعة» (7/302) رقم (1043) «طبقات أعلام الشيعة» (9/321).

([3]) «كتاب الأربعين» محمد طاهر القمي الشيرازي. تحقيق السيد مهدي الرجائي. الطبعة الأولى. قم: مطبعة الأمير، 1418هـ (ص233).

([4]) محمّد صالح بن أحمد السَرَوي المازندراني الإصفهاني، قال الشيخ الأردبيلي في جامع الرواة: «الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الرضي الزكي التقي النقي، جليل القدر، رفيع الشأن، عظيم المنزلة، دقيق الفطنة، فاضل كامل صالح، متبحّر في العلوم العقلية والنقلية، ثقة ثبت عين، له أخلاق كريمة، وخصائل حسنة» من مؤلفاته: «شرح أُصول الكافي» (12 مجلّدًا)، «شرح مَن لا يحضره الفقيه»، «شرح معالم الأُصول»،« شرح زبدة الأُصول» للشيخ البهائي، «حاشية شرح اللمعة» تُوفّي عام 1086هـ.

      انظر: «جامع الرواة» (2/131) «روضات الجنّات» (4/118) رقم (355) «طرائف المقال» (1/45) رقم (20) و(1/78) رقم (241) «خاتمة المستدرك» (2/195) «أعيان الشيعة» (7/369) رقم (1308) «طبقات أعلام الشيعة» (8/288).

([5]) «شرح أصول الكافي» الملا صالح المازندراني. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1429هـ،2008 (12/433).

([6]) «تفسير القرآن العظيم» أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت 774هـ). تحقيق: سامي بن محمد سلامة. الطبعة الثانية. الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع، 1420هـ/1999م (7/477).

([7]) «الميزان في تفسير القرآن» محمد حسين الطباطبائي. قم: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية (19/68).

([8]) محمّد محسن مرتضى محمود الكاشاني المعروف بالفيض الكاشاني، قال عنه الخونساري في الروضات: «كان من العلماء الصدور، وصاحب خزانة كتب وفضل مشهور»، وقال الأردبيلي في جامع الرواة: «العلّامة المحقّق المدقّق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، فاضل كامل أديب، متبحّر في جميع العلوم(من مؤلفاته: الوافي (26 مجلّدًا)، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء (8 مجلّدات)، الصافي في تفسير القرآن (5 مجلّدات) وغيرها، توفي 1091هـ.

      انظر: «جامع الرواة» (2/42) «بحار الأنوار» (107/124) «روضات الجنّات» (6/79) رقم (565) «طبقات أعلام الشيعة» (8/491) «مستدركات أعيان الشيعة» (6/296).

([9]) «التفسير الصافي» الفيض الكاشاني. تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني. طهران: دار الكتب الإسلامية، 1416هـ (7/50).