اتهامهم إبراهيم عليه السلام بصنع الأصنام

 روى الكليني (ت328هـ) بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله S: «أن آزر أبا إبراهيم S كان منجمًا لنمرود، ولم يكن يصدر إلا عن أمره، فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت عجبًا، قال: وما هو؟ قال: رأيت مولودًا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلا قليلًا حتى يحمل به، قال: فتعجب من ذلك، وقال: هل حملت به النساء؟ قال: لا، قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلص إليها ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم G فظن أنه صاحبه فأرسل إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شيء... قال: فبينما إخوته يعملون يومًا من الأيام الأصنام إذا أخذ إبراهيم S القدوم، وأخذ خشبة فنجر منها صنمًا لم يروا قط مثله، فقال آزر لأمه: إني لأرجو أن نصيب خيرًا ببركة ابنك هذا، قال: فبينما هم كذلك إذا أخذ إبراهيم القدوم فكسر الصنم الذي عمله ففزع أبوه من ذلك فزعًا شديدًا، فقال له: أي شيء عملت؟ فقال له إبراهيم S: وما تصنعون به؟ فقال آزر: نعبده، فقال له إبراهيم S: أتعبدون ما تنحتون؟ فقال آزر لأمه: هذا الذي يكون ذهاب ملكنا على يديه» ([1]). والحديث حسنه المجلسي»([2]).

وقد اشتملت هذه الرواية على أمرين، وهما:

الأمر الأول: التصريح بكون آزر أبا إبراهيم S: «أن آزر أبا إبراهيم S كان منجمًا لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره»، وهذا ما ينكره القوم؛ لأنه يخالف عقائدهم في آباء الأنبياء، ووجوب كونهم مؤمنين.

قال المفيد: «واتفقت الإمامية على أن آباء رسول الله H من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله D موحدون له، واحتجوا في ذلك بالقرآن والأخبار»([3]).

ولما لم يجد القوم مفرًّا من الرواية، حاول بعضهم تحريفها، والتصرف في متنها، ليوافق معتقداتهم، فقال المجلسي (ت1111هـ): «بالإسناد إلى الصدوق بهذا الإسناد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله S قال: (كان آزر عَمَّ إبراهيم S منجمًا لنمرود، وكان لا يصدر إلا عن رأيه)... وساق الحديث إلى آخره.

بيان: الظاهر أن ما رواه الراوندي([4]) هو هذا الخبر بعينه، وإنما غيَّره ليستقيم على أصول الإمامية»([5])، فانظر كيف حرف الراوندي هذه الرواية لتستقيم على مباني الإمامية واعتقادهم بإيمان آباء الأنبياء، وما يدل على سخافة هذا التحريف، ما ورد في نفس الرواية: «ووقع آزر بأهله فعلقت (أي: حملت) بإبراهيم G»، وهذا يكفي في الدلالة أن آزر كان أباه لا عمه كما يقول البعض.

الأمر الثاني: صنع إبراهيم S لصنم: حتى لو قالوا: إنه صنع هذا الصنم وقام بتحطيمه بعد ذلك من باب إظهار أنه لا يستحق العبادة، فهل يجوز له أن يقدم على هذا الفعل؟ أما كان يكفيه تحطيم الأصنام التي صنعوها هم لبيان هذه الحقيقة؟!

 

([1]) الحديث بتمامه، انظر: «الكافي» (15/807- 812).

([2])  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» (26/548).

([3]) «أوائل المقالات في المذاهب والمختارات» الشيخ المفيد تحقيق إبراهيم الأنصاري، الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد الطبعة الأولى 1413هـ (ص45).

([4]) قطب الدين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، وراوند قرية من قرى مدينة كاشان في إيران. قال عنه تلميذه منتجب الدين القمّي في الفهرست: «فقيه عين صالح ثقة، له تصانيف»، وقال التستري في المقابس: «الفقيه المحدّث الفاضل النحرير العلّامة الكامل، العزيز النظير، الشيخ قطب الدين» من مؤلفاته: «المغني في شرح النهاية» للشيخ الطوسي (10 مجلّدات)، «خلاصة التفاسير» (10 مجلّدات)، توفي سنة 573هـ.

      انظر: «الفهرست» (68) رقم (186)، «بحار الأنوار» (1/31)، «مقابس الأنوار» (11)، «روضات الجنّات» (4/5) رقم (314)، «أعيان الشيعة» (7/239) رقم (796)، «طبقات أعلام الشيعة» (3/124).

([5]) «بحار الأنوار» (12/42).