تردده في قبول ولاية أهل البيت
روى الكليني (ت328هـ) في «الكافي» بسنده عن أبي جعفر S، قال: «... ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم، وأن هذا محمد رسولي، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى، فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم، ومحمد رسولي، وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي Q، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأُعْبد به طوعًا وكرهًا، قالوا: أقررنا يا رب، وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقِر، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله D: [طه:115]»([1]).
مع أن سياق الآيات لا يتوافق وهذا التفسير الباطني الذي ذهب إليه الشيعة الإمامية؛ فالله تعالى قد ذكر في الآية نسيان آدم S وأكله من الشجرة بعد أن نهاه الله عنها، فَأَكَلَ منها نسيانًا لا عزمًا على المعصية والمخالفة لأمر الله.
قال الطبري: « [طه:117] فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَأَطَاعَهُ، وَخَالَفَ أَمْرِي، فَحَلَّ بِهِ مِنْ عُقُوبَتِي مَا حَلَّ، وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: [البقرة:25] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَّفَ لَهُمُ الْوَعِيدَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ: [طه:88] يَقُولُ: فَتَرَكَ عَهْدِي»([2]).
وهذا التفسير الذي توارد عليه المفسرون من أهل السنة، بل حتى كثير من مفسري الشيعة الإمامية.
قال الطبرسي([3]): « معناه: أمرناه وأوصينا إليه ألَّا يقرب الشجرة، ولا يأكل منها، فترك الأمر (عن ابن عباس) ولم نجد له عقدًا ثابتًا. وقيل: معناه فنسي من النسيان الذي هو السهو، ولم نجد له عزمًا على الذنب؛ لأنه أخطأ، ولم يتعمد (عن ابن زيد وجماعة)»([4]).
فالقول بأن الآية عن تردده في قبول ولاية أهل البيت؛ حيث لم يكن له عزم على ذلك، من القول على الله بلا علم، وفيه من الطعن القبيح في حق آدم S؛ إذ تلكأ في أمر الإمامة التي هي أصل الأصول، وأعظم مراتب الدين عندهم.
([2]) «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى. القاهرة: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1422هـ/2001م (16/181).
([3]) أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من أعيان القرن السادس الهجري، قال عنه الحر العاملي: «عالم فاضل فقيه محدث ثقة، له كتاب «الاحتجاج على أهل اللجاج» حسن كثير الفوائد»، وقال القمّي في «الكنى والألقاب»: «الشيخ العالم الفاضل الكامل النبيل الفقيه المحدّث الثقة الجليل»، من مؤلّفاته: الاحتجاج على أهل اللجاج (مجلّدان)، «الكافي» في الفقه، تاريخ الأئمة Q وغيرهما، تُوفّي عام 620ه.
انظر: «أمل الآمل» (2/17) رقم (36)، «روضات الجنّات» (1/64) رقم (14)، «أعيان الشيعة» (3/29) رقم (73)، «طبقات أعلام الشيعة» (3/11)، «فهرس التراث» (1/553) «الاحتجاج» المقدّمة (ص3).
([4]) «مجمع البيان في تفسير القرآن» أبو الفضل علي بن الحسن الطبرسي. تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين. الطبعة الأولى. بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1415هـ/1995م (7/60).