أولاً: الرواية ضعيفة إسنادًا ومتنًا.
أ- أما الإسناد فساقط بأكثر من علّة:
1- فيه مبهم: "عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ" وهذه جهالة تُرد بها الرواية عند أهل الحديث.
2- فيه نصر بن مزاحم: قال ابن الجوزي في ترجمته: "نصر بن مُزَاحم الْمنْقري الْكُوفِي الْعَطَّار، قَالَ أَبُو خثيمَةَ: كَانَ كذابًا. قَالَ يحيى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: واهي الحَدِيث مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدراقطني: ضَعِيف. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجوزحاني: كَانَ زائغًا عَن الْحق. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: يُرِيد بذلك غلوة فِي الرَّفْض. وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد: روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَانَ غاليًا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه"([1]).
3- فيه سيف بن عمر.
قال النسائي: "سيف بن عمر الضبي ضعيف" ([2]). وقال الحافظ ابن الجوزي:" سيف بن عمر الضَّبِّيّ عَن أبي بكر، الْمدنِي فِي الأَصْل كُوفِي، يروي عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ، قَالَ يحيى: ضَعِيف الحَدِيث فلس خير مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات وَقَالَ إِنَّه يضع الحَدِيث"([3]).
ب- وأما المتن فساقط لعدة أسباب:
1- كونه يخالف الثابت الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأنها لم تكتب لهؤلاء الغوغاء الذين قتلوا عثمان شيئا.
ففي (تاريخ خليفة بن خياط) بإسناد صحيح: "عَن مَسْرُوق قَالَ قَالَت عَائِشَة: تَرَكْتُمُوهُ كَالثَّوْبِ النقي من الدنس، ثمَّ قربتموه تذبحونه كَمَا يذبح الْكَبْش قَالَ مَسْرُوق: فَقلت هَذَا عَمَلك كتبت إِلَى النَّاس تأمرينهم بِالْخرُوجِ عَلَيْهِ، فَقَالَت عَائِشَة: وَالَّذِي آمن بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَكفر بِهِ الْكَافِرُونَ مَا كتبت إِلَيْهِم بسواد فِي بَيَاض حَتَّى جَلَست مجلسي هَذَا. قَالَ الْأَعْمَش: فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه كُتب عَلَى لسانها"([4]).
2- الذي ثبت عن أم المؤمنين أنها أنكرت قتل عثمان رضي الله عنه.
روى خليفة بإسناد صحيح: "عَن أَبِي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ قَالَت عَائِشَة: استتابوه حَتَّى تَرَكُوهُ كَالثَّوْبِ الرحيض ثمَّ قَتَلُوهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَة قَالَ نَا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَن عون بْن عَبْد اللَّهِ بن عتبَة قَالَ قَالَت عَائِشَة: غضِبت لكم من السَّوْط، وَلَا أغضب لعُثْمَان من السَّيْف، استعتبتموه حَتَّى إِذا تَرَكْتُمُوهُ كالقلب الْمُصَفّى قَتَلْتُمُوهُ"([5]).
3- أم المؤمنين عائشة من أعرف الناس بفضائل عثمان ومناقبه، وقد انفردت برواية عدة أحاديث في فضائله، فكيف يقال إنها كانت من المحرضين على قتله؟
فقد روى الإمام أحمد: "حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمِّي، تُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهَا، انْطَلَقَتْ إِلَى الْبَيْتِ حَاجَّةً وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لَهُ بَابَانِ قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ طَوَافِي دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَعْضَ بَنِيكِ بَعَثَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ، وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي عُثْمَانَ، فَمَا تَقُولِينَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَهُ، لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَهُ، لَا أَحْسِبُهَا إِلَّا قَالَتْ: ثَلَاثَ مِرَارٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْنِدٌ فَخِذَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَإِنِّي لَأَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى إِثْرِ الْأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: "اكْتُبْ عُثْمَانُ، قَالَتْ: مَا كَانَ اللهُ لِيُنْزِلَ عَبْدًا مِنْ نَبِيِّهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا عَبْدًا عَلَيْهِ كَرِيمًا"([6]).
وروى مسلم في (صحيحه): "عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعُثْمَانَ، حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ، لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: «اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ"([7]).
فهذا هو الثابت من موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تجاه عثمان ومقتله، رواية فضائل، مع إنكار وشدة على قاتليه، وقد تواتر عنها المطالبة بالقصاص ممن قتله، مع إنكار ما زوَّره السبئية على لسانها رضى الله عنها.
ثانيًا: لا يحوز الاحتجاج على أهل السنة بهذا الخبر لمجرد ذكره وروايته في كتب أهل السنة، حيث أنهم ذكروه مسندًا، ومن أسند فقد أحال، ولذلك فإن كل من تكلم على هذا الخبر في مقام التحقيق فإنه يضعفه.
قال الآلوسي: " وما زعمته الشيعة من أنها رضي الله تعالى عنها كانت هي التي تحرض الناس على قتل عثمان...كذب لا أصل له، وهو من مفتريات ابن قتيبة وابن أعثم الكوفي والسمساطي وكانوا مشهورين بالكذب والافتراء"([8]).
ثالثًا: لماذا يتباكى الرافضة اليوم على مقتل عثمان وهم من كفروه، ومدحوا قاتليه وعدُّوهم من سلفهم الصالح؟
بل من خُلَّص أصحاب علي عندهم، وأشد الناس لصوقا به كما يقول جعفر مرتضى العاملي وعدَّ منهم: "مالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق الخزاعي، الذي يقال: إنه وثب وجلس على صدر عثمان، وطعنه تسع طعنات، ثلاث منهن لله، والباقي لما يجده في صدره عليه"([9]).
وقد رووا عن علي أنه قال عن عثمان: "الله قتله، وأنا معه"([10]).
وقد روى الشيعة عن علي أنه قال: "وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم فليأتني ولد عثمان ومعاوية إن كان وليهم ووكيلهم فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم بكتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وآله ... ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين في الحديد فقالوا: نحن قتلة عثمان مقرون راضون بحكم علي عليه السلام علينا ولنا فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم وان وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا" ([11]).
ولا يظن أحد أن عليًّا في عقيدة الشيعة كان سيخطئ قتلة عثمان، وقد اعترفوا بذلك، وقالوا إن عليًّا لم يُخطئ قتلة عثمان.
يقول جعفر مرتضى العاملي: "أنه (عليه السلام) لم يخطِّئ قاتلي عثمان، بل أعطاهم الحق في الجزع، من أفعاله ولكنه خطأهم في طريقة ومقدار جزعهم، فقال: استأثر فأساء الإثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع"([12]).
فلماذا التخطئة لأم المؤمنين وقد فعلت- في الرواية المكذوبة- ما أقره علي بن أبي طالب في دين الشيعة؟!!
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1]- الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، (3 /160).
[2]- الضعفاء والمتروكين، النسائي، (ص 187).
[3]- الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، (2/35) ، ولذلك قال البرزنجي : "في إسناده
[4]- تاريخ خليفة بن خياط، (ص176).
[5]- تاريخ خليفة بن خياط، (ص175-176).
[6]- مسند أحمد، ط الرسالة، (43/ 294).
[7]- صحيح مسلم، (4 /1866).
[8]- تفسير الألوسي = روح المعاني، (11 /192).
[9]- الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام، جعفر مرتضى العاملي، (18/140).
[10]- نهج الحق مطبوع مع دلائل الصدق، (3/187)، وبحار الأنوار، (31 /163 و164 و308 و165)، والشافي، (4 /230)، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي، (2/128).
[11]- بحار الأنوار، المجلسي، (33/ 145).
[12]- الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، جعفر مرتضى العاملي، (18/139).