قالت الشيعة: «إن عائشة كتبت إلى زياد ابن أبيه كتابًا تنسبه فيه إلى أبي سفيان، وكان أبو سفيان قد زَنى بأم زياد في الجاهلية، وتكون بذلك قد خالفت الحديث الذي من روايتها: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر».
وقد استندوا على رواية ابن سعد في «الطبقات»: «أَخْبَرَنا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنا رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْن الْحَارِثِ، أَن مُرَّةَ صَاحِبَ نهَرِ مُرَّةَ أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَان مَوْلَاهُمْ، فَسَأَلَهُ أَن يَكْتُبَ لَهُ إِلَى زِيَادٍ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَكَتَبَ: مِن عَبْدِ الرَّحْمَن إِلَى زِيَادٍ، وَنسَبَهُ إِلَى غَيْرِ أَبِي سُفْيَان، فَقَالَ: لَا أَذْهَبُ بِكِتَابِكَ هَذَا فَيَضُرَّني. قَالَ: فَأَتَى عَائِشَةَ، فَكَتَبَتْ لَهُ: مِن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنين إِلَى زِيَادِ بْن أَبِي سُفْيَان، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَهُ بِالْكِتَابِ قَالَ لَهُ: إِذَا كَان غَدًا فَجِئْني بِكِتَابِكَ. قَالَ: وَجَمَعَ الناسَ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، اقْرَأْهُ. قَالَ: فَقَرَأَ: مِن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنين إِلَى زِيَادِ بْن أَبِي سُفْيَان. قَالَ: فَقَضَى لَهُ حَاجَتَهُ»([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: ضعف الخبر
هذه الرواية لا تصح؛ إذ جاءت من طريق محمد بن الحارث، وهو مجهول، حتى الراوي موسى بن إسماعيل نفسه جهَّله بقوله: «حَدَّثَنا رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْن الْحَارِثِ».
وهذا الاسم (محمد بن الحارث) مشترك بين ستة كلهم ضعاف، ذكرهم الذهبي في ميزان الاعتدال([2])، وقد يكون هو محمد بن الحارث القرشي الكوفي، وهو «لا يعرف، وخبره منكر» قاله الذهبي([3]).
ثانيًا: فساد تطبيق أحكام الإسلام على أمر وقع في الجاهلية
الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة من قَول النبِيِّ : «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ»([4]) لا يدخل في مسألة استلحاق زياد؛ ذلك أأن سمية لم تكن فراشًا لأحد حتى يقال: إن زيادًا للفراش، بل كانت جارية!
وأنى لأبي سفيان الحجر ولم يكن ثمة إسلام بعد! وقد كانوا في الجاهلية يثبتون الأنساب للعواهر، وجاء الإسلام فلم يغير تلك الأنساب وعفَا عما سلف من أمر الجاهلية، ولا يُعاب أبو سفيان على ما وقع منه في الجاهلية؛ إذ لم يكن ثمة إسلام.
وأما تعارض هذا الاستلحاق -إن صح- مع نص الحديث الشريف فغير مسلَّم به، وذلك أن الذي قيل إنه استحلق زيادًا هو معاوية لا عائشة ب.
قال ابن الأثير: «وَمَن اعْتَذَرَ لِمُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنمَا اسْتَلْحَقَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا؛ لِأَن أَنكِحَةَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانتْ أَنوَاعًا، لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَكَان مِنهَا أَن الْجَمَاعَةَ يُجَامِعُون الْبَغِيَّ فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ أَلْحَقَتِ الْوَلَدَ لِمَن شَاءَتْ مِنهُمْ فَيَلْحَقُهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ حَرَّمَ هَذَا النكَاحَ، إِلَّا أَنهُ أَقَرَّ كُلَّ وَلَدٍ كَان يُنسَبُ إِلَى أَبٍ مِن أَيِّ نكَاحٍ كَان مِن أَنكِحَتِهِمْ عَلَى نسَبِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْن شَيْءٍ مِنهَا، فَتَوَهَّمَ مُعَاوِيَةُ أَن ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْن اسْتِلْحَاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ»([5]).
وعليه فلا تثريب على معاوية لو كان قد استلحق زيادًا، ولا تثريب على أم المؤمنين عائشة ل لو تنزلنا جدلًا وقلنا بأنها قد نسبت زيادًا إلى أبي سفيان، وليس في هذا مخالفة للحديث أو معارضة.
ثالثًا: يثبت النسب عند الشيعة بالادِّعاء والبينة
زياد لم يُعرف له أبٌ، فإن ادَّعاهُ أحد وكان له بيِّنة فقد ثبت النسب بذلك، وهذا إجماع عند الشيعة.
قال محمد علي الأنصاري في «الموسوعة الفقهية الميسرة»: «ادُّعِيَ الإجماع مستفيضًا على صحة الإقرار بالنسب إجمالًا، وتفصيله كالآتي:
أولًا: الإقرار بالولد:
يشترط في صحة الإقرار بالولد -إضافة إلى الشروط العامة في الإقرار- أمور أربعة:
1- أن تكون البنوة ممكنةً في حقه، فلو أقر ببنوة صغير ولد في منطقة بعيدة لم يسافر هو إليها ولم تسافر الأم إلى المنطقة التي هو فيها منذ سنين لم يقبل منه الإقرار، وكذا لو أقر ببنوة من هو أكبر منه، أو مساو له في السن، أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادة مثله منه، كمن أقر ببنوة من بلغ عشر سنين وهو ابن ثماني عشرة سنة.
2- أن يكون المقر به مجهولَ النسب، فلو كان نسبه معلومًا لم يقبل إقراره.
3- أن لَا ينازعه فيه أحد، فلو ادعى شخص آخر بنوَّتَه لم يقبل إقراره، بل لا بد من إثبات النسب حينئذ بالبينة أو القرعة.
هذه الشروط الثلاثة مشتركة بين الإقرار بالولد الصغير والولد الكبير، ولا خلاف فيها -كما قيل- وإن اختلف التعبير عنها.
4- أن يصدقه المقر به إذا كان كبيرًا.
ذكر الطوسي هذا الشرط في «المبسوط»، وتبعه جميع من تأخر عنه، كما قال «صاحب الجواهر»...»([6]).
وجميع تلك الشروط متحققة في مسألة زياد مع أبي سفيان، وقد أقر به أبو سفيان وكان ينسبه لنفسه في حياته، فلا تثريب إذًا على أحد نسب زيادًا إلى أبي سفيان.
وبمثل هذا أثبت الرافضة نسب السيستاني:
فقد جاء في كتاب «فضل المتعة في شيعة آل البيت» للطباطبائي: «ولد السيستاني في مدينة مشهد شرق إيران؛ حيث يوجد ضريح الإمام علي الرضا ثامن أئمة الشيعة في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 هجري، أي في 4 أغسطس 1930 ميلادي، والده من القرعة هو محمد باقر! ووالدته هي زوجة آية الله رضا المهرباني السرابي، والدته كانت تتمتع كثيرًا؛ تقربًا لله حسب معتقد الطائفة»([7]).
وقد تزوجت بالعقد المنقطع من محمد الحجة الكوهكمري، وبعد فترة تزوجت آية الله الميرزا محمد مهدي الأصفهاني متعةً أيضًا، وبعد مدة تزوجت من محمد باقر متعةً للمرة الثالثة، وبعد هذا الزواج المتكرر خلال شهر واحد حملت والدة السيستاني بالسيستاني، ولم تكن تعلم بمن يلحق السيستاني، فانتقلت إلى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة، فأفتاها الطباطبائي البروجردي وقال: «بما أن علاقة الأول قد انقطعت فلا يلحق السيستاني به، وحينئذ إن كان عقْدَا الأول والثاني كلاهما في زمان مدة الأول، فالعقدان كلاهما باطل، ويكون الوطء من كليهما شبهة، وعليه فيكون السيستاني مرددًا بينهما، فبالقرعة اختاروا محمد باقر والدًا للسيستاني»([8]).
اقرأ أيضا| زعمهم أن عليًّا أحبُّ إلى النبي من عائشة وأبيها
([1]) الطبقات الكبرى (7/99).
([2]) ميزان الاعتدال (3/504).
([3]) لسان الميزان (6/183)، مصباح الأريب في تقريب الرواة الذين ليسوا في تقريب التهذيب (3/95).
([4]) صحيح البخاري (3/54)؛ صحيح مسلم (2/1080).
([5]) الكامل في التاريخ (3/42).
قال الشيخ عثمان الخميس: «زِيَادٌ لَيْسَ ابْنًا لِعُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، بَلْ كَانَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِزِيَادِ ابْنِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِ سُمَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ سُمَيَّةَ بِالزِّنَا (هُوَ وَلَدُ زِنَا، وَلَا يَضُرُّهُ هَذَا شَيْئًا، فَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ فِيهِ) كَانَ جَاءَهَا بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَالِدُ مُعَاوِيَةَ (وَهَذَا الزِّنَا لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَقَدْ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَالزِّنَا أَهْوَنُ مِنَ الشِّرْكِ)، وَكَانَ زِيَادٌ وَالِيًا مِنْ وُلَاةِ عَلِيٍّ ، وَكَانَ رَجُلًا مُفَوَّهًا خَطِيبًا مُتَكَلِّمًا.
وَمُعَاويَةُ ا أَخْبَرَهُ وَالِدُهُ أَنَّ زِيَادًا هَذَا ابْنُهُ مِنْ سُمَيَّةَ ابْنُ زِنًا صَحِيحٌ، لَكِنْ مِنْ ظَهْرِهِ وَلَم يَكُنْ أَحَدٌ ادَّعَى زِيَادًا، وَلَم يَكُن لِسُمَيَّةَ زَوْجٌ، لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَقُلْنَا: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، هِيَ أَمَةٌ جَامَعَهَا أَبُو سُفْيَانَ فَأَتَتْ مِنْهُ بِزِيَادٍ فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ، وَقَدْ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ إِنْكَارُ ابْنِ عَامِرٍ عَلَيْهِ اسْتِلْحَاقَ زِيَادٍ.
قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا بْنَ عَامِرٍ، أَنْتَ الْقَائِلُ فِي زِيَادٍ مَا قُلْتَ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أَنِّي كُنْتُ أَعَزَّهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَم يَزدْ فِيَّ إِلَّا عِزًّا، وَإِنّي لَمْ أَتَكَثَّرْ بِزِيَادٍ مِنْ قِلَّةٍ وَلَمْ أَتَعَزَّزْ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَكِنْ عَرَفْتُ حَقًّا لَهُ فَوَضعْتُه مَوْضِعَهُ.
وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ اسْتِلْحَاقَهُ زِيَادًا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مِن بَابِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ أَحَدًا؟ أَمْ لَا يَجُوزُ؟
مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُسَمُّونَ زِيَادًا، زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيانَ، فَهَذَا الَّذِي عَابُوا فِيه مُعَاوِيَةَ ا». حقبة من التاريخ (ص٣٣٠- ٣٣١)
([6]) الموسوعة الفقهية الميسرة، محمد علي الأنصاري (4/369).
([7]) فضل المتعة في شيعة آل البيت، الطباطبائي البروجردي (ص137).
([8]) المرجع السابق.
لتحميل الملف pdf