زعمهم أن عمر بن الخطاب ابتدع آمين بعد الفاتحة في الصلاة

الشبهة الرابعة

زعمهم أن عمر بن الخطاب ابتدع آمين بعد الفاتحة في الصلاة.

 

محتوى الشبهة:

من افتراءات القوم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه هو الذي ابتدع لفظة (آمين) وزادها في الصلاة بعد قراءة الفاتحة. قال محمد الشيرازي: "العجب كل العجب من أهل السنة، أنهم تركوا شريعة نبيهم وأخذوا بشريعة عمر... وزادوا آمين فيها، وهي كلمة سريانية يهودية"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: التأمين في الصلاة ثابت عندنا في عدة أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، منها:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا)، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: آمِينَ" رواه البخاري([2])، ومسلم([3]).

روى ابن ماجة بسنده عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " تَرَكَ النَّاسُ التَّأْمِينَ!، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. رفع صوته فقال: آمِينَ"([4]).

 قال الدارقطني: إسناده حسن، وقال البيهقي: حسن صحيح، وصححه الألباني فقال: "معناه صحيح، فإن له شاهدًا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح"([5]).

وروى الترمذي من حديث سفيان الثوري بسنده عن وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ: (آمِينَ) وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ"([6]). قال النووي: "إسناده حسن"([7]).

ثانيًا: وردت روايات في كتب الرافضة تدل على مشروعية التأمين، وإن تخبط علماؤهم في توجيهها.

فقد روى الطوسي بسنده عن جميل قال: "سألت أبا عبد الله ’: عن قول الناس في الصلاة جماعة حين تقرأ فاتحة الكتاب آمين قال: ما أحسنها واخفض الصوت بها".

ثم قال: "ولو صح هذا الخبر لكان محمولا على التقية"([8]).

وحمل الرواية على التقية غير ممكن؛ لأن أمر الإمام بخفض الصوت بها، لا يوافق مذهب أهل السنة أساسا، الذين يرون مشروعية واستحباب الجهر بها كما تقدم في النصوص.

قال المجلسي عن الحديث: "الحديث الخامس والأربعون: صحيح ... قوله رحمه الله: "لكان محمولاً ربما يقال: قوله "أخفض" كما قرأه الشيخ ينافي الحمل على التقية، نظرا إلى أنهم لا يخفضون الصوت بها"([9]).

وقال البهبهاني: "وفيه خلاف التقيّة، فكيف يأمره بذلك؟ والعامّة يجهرون غاية الإجهار"([10]).

وعليه فالحمل على التقية باطل؛ لأن أهل السنة لا يخفضون الصوت بها.

وحاول علماء الرافضة إيجاد مخارج أخرى لهذه الرواية، فقال بعضهم أن قول الصادق (ما أحسنها) أن ما نافية، أي: أنه لا يحسنها، ولا يعرفها.

وأن قوله (اخفض الصوت بها) من قول الراوي، أي أن الإمام خفض صوته حين الجواب حتى لا يسمعه الناس؛ لأن المقام مقام تقية.

قال الخوئي: "وأما بناء على كون الكلمة نافية، وأن قوله: (واخفض... الخ) من كلام السائل أراد به أن الامام (ع) اخفض صوته عند الجواب تقية. فهي إذا مطابقة للنصوص المتقدمة، وتخرج عن المعارضة إلى المعاضدة"([11]).

وهذا التأويل لا شك في بطلانه، ومخالفته لظاهر النص وسياقه.

قال محسن الحكيم:" نعم قد يعارضها صحيح جميل: "سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين. قال (ع): ما أحسنها، واخفض الصوت بها".

لكنه يتوقف على قراءة: "ما أحسنها" بصيغة التعجب، لا بصيغة النفي، ولا بصيغة الاستفهام.

وإن كان قد ينفي الأخيرين الأمر في الذيل بخفض الصوت بها. واحتمال كونه من كلام الراوي ـ يعني: أنه (ع) حين قال: " ما أحسنه" خفض صوته بعيد؛ لأن خفض الصوت ثلاثي، وما في النسخة رباعي"([12]).

فاستبعد محسن الحكيم هذا التأويل، واستظهر كون الكلام من جعفر الصادق، ولم يجد بدّا من حمل الرواية على التقية، وقد تقدم بيان ما فيه.

ثالثاً: ذهب بعض علماء الرافضة إلى جواز التأمين بعد الفاتحة استدلالا بهذه الرواية: قال الميرزا أبو القاسم القمي: "ونقل عن ابن الجنيد: الجواز عقيب الحمد وغيرها، وقوّاه بعض المتأخّرين، لصحيحة جميل، قال: سألت أبا عبد الله ’ عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين، قال: «ما أحسنها وأخفض الصوت»([13]).

وقال البحراني: "ونقل عن ابن الجنيد أنه يجوز التأمين عقيب الحمد وغيرها، ومال إليه المحقق في (المعتبر)، ونقله في المدارك عن شيخه المعاصر والظاهر أنه المحقق الأردبيلي كما عبر عنه في غير موضع من الكتاب بذلك"([14]).

فهل ابن الجنيد ومن وافقه يسيرون على سنة عمر بن الخطاب؟ أم فاتهم أن التأمين كلمة سريانية يهودية؟

 

([1]) كتاب الأربعين، محمد الشيرازي (ص 565).

([2]) صحيح البخاري (1/156).

([3]) صحيح مسلم (1/ 306).

([4]) سنن ابن ماجه (1/278).

([5]) انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (2/368).

([6]) سنن الترمذي (2/27).

([7]) المجموع شرح المهذب، النووي (3/369).

([8]) تهذيب الأحكام، الطوسي (2/75).

([9]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، المجلسي (3/525).

([10]) مصابيح الظلام في شرح مفاتیح الشرایع، الوحيد البهبهاني (7/246).

([11]) كتاب الصلاة، الخوئي (4/541).

([12]) مستمسك العروة الوثقى، محسن الحكيم (6/590).

([13]) غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم القمّي (2- ص507).

([14]) الحدائق الناضرة، المحقق البحراني (8/196).


لتحميل الملف pdf

تعليقات