زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه كان يجهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين

الشبهة الثانية والعشرون

زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه كان يجهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين

 

محتوى الشبهة:

قالوا: إن عمر كان يجهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين، وهذا دليل جهل حتى بالأمور المشهورة.

واستدلوا بما رواه مسلم عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: "كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـــ(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، وَ(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر)"([1]).

قال ابن طاووس: "من عجائب الأشياء، سؤال عمر عما قرأ به رسول الله "ص" في يوم عيد ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر من جهله للأمور المشهورة من شريعة نبيهم ... ألا تعجب من قوم يرضون أن يكون خليفتهم على هذه الغفلة والجهالة، إن ذلك من الضلال القبيح"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث: "حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ" قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "العِلْمَ"([3]).

قال ابن حجر: "وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعِلْمُ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتُصَّ عُمَرُ بِذَلِكَ؛ لِطُولِ مُدَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَبِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ قَصِيرَةً، فَلَمْ يَكْثُرْ فِيهَا الْفُتُوحُ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي الِاخْتِلَافِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَسَاسَ عُمَرُ فِيهَا مَعَ طُولِ مُدَّتِهِ النَّاسَ بِحَيْثُ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ"([4]).

وقال أيضًا: "وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ فَضْلَهُ عُمَرَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا حَصَلَ لِعُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ بِحَيْثُ كَانَ لَا يَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ"([5]).

وروى الطبراني: "عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: "وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ عِلْمَ عُمَرَ لَوْ وُضِعَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوُضِعَ سَائِرُ أَحْيَاءِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ لَرَجَحَ عَلَيْهِ عَلْمُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ سُلَيْمَانُ: فَذَكَرْتُهُ، فَقَالَ: لَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: "إِنِّي لَأَظُنُّ عُمَرَ قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ"([6]).

ولا يخفى علم عمر رضي الله عنه بالكتاب والسنة.

 

ثانيًا: رواية مسلم يمكن تخريجها باحتمالات كثيرة، والقَاعِدَةٍ التي ذَكَرهَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: "فِي الْوَقَائِعِ الْفِعْلِيَّةِ وَهِيَ وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال"([7]).

قال القرافي في (الفروق) وهو يشرح القاعدة: "أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهَا سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال ... كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا، وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ"([8]).

قلت: وهنا كلام عمر تردد بين عدة أمور.

يحتمل: أن يكون ذلك اختبارا له كما يختبر الأستاذ تلميذه، ومعلوم أن أبي واقد الليثي مات سنة (68)، وهو ابن (85)([9]).

فيكون النبي صلى الله عليه وسلم توفي، وأبو واقد ابن (٢٧) سنة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان على أقل تقدير ابن (٥٦) سنة فيكون، وهذا السن يرجح أن يكون السؤال من أستاذ إلى تلميذه اختبارًا له هل حفظ أم لا؟

ويحتمل: أن يكون سؤال عمر رضي الله عنه استشهادًا بكلام أبي واقد رضي الله عنه في مجلس قال المباركفوري: "أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك بـ (سبح) و(هل أتاك) فأراد عمر الاستشهاد عليه بما سمعه أيضاً أبو واقد"([10]).

ويحتمل: أنه سأله لتعليم غيره. قال الشيخ عبد الكريم الخضير: "أراد أن يعلم الحاضرين؛ لأن الإنسان قد يَسأل عن شيء وهو يعرفه؛ لتعليم الحاضرين، والأصل في هذا حديث جبريل حينما جاء يعلم الصحابة الدين، ولا مانع أن يكون شخص من طلاب العلم الذين يعرفون حكم الإسبال، فإذا وجد في المجلس أحد من أهل العلم، ودخل مسبلاً يسأل الشيخ يقول له: ما حكم الإسبال، وهل فيه رخصة؟ وهل كذا وكذا؟ من أجل أن يتقرر في ذهن السامع، وهذه مسألة حاصلة واقعة"([11]).

وقال النووي: "أَوْ أَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْمَقَاصِدِ، قَالُوا: وَيَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مَعَ شُهُودِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّاتٍ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ"([12]).

ويحتمل: أنه شك في ذلك فأراد أن يستثبت، "قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ"([13]).

ويحتمل: أنه نسي ولكن هذا بعيد جدا، وجلّ من تكلم في الرواية استبعده، قال الشيخ الخضير: "النسيان وارد؛ لكن العيد يتكرر، ما هو شيء يقع مرة واحدة، ثم ينسى، المسألة احتمال، على كل حال الاحتمال قائم، يكون للتعليم أو للاختبار أو نسي أو شك أو أراد أن يتأكد"([14]).

والاحتمال الأخير أنه لم يعلم بذلك وهذا ما رأيت أحدًا ذكره إلا ونفاه واستبعده.

قال في شرح الزرقاني: "قَالُوا: وَيَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مَعَ شُهُودِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّاتٍ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ"([15]).

وقال المباركفوري: "وأما الاحتمال أنه ما علم بذلك أصلاً، فيأباه قرب عمر منه صلى الله عليه وسلم ... قال العراقي: ويحتمل أن عمر كان غائباً في بعض الأعياد عن شهوده، وأن ذلك الذي شهده أبو واقد كان في عيد واحد أو أكثر. قال: ولا عجب أن يخفى على الصاحب الملازم بعض ما وقع من مصحوبة كما في قصة الاستئذان ثلاثاً"([16]).

وهذه الاحتمالات التي أبعدها كون عمر رضي الله عنه لم يعلم بذلك، بقرينة الإجماع على كونه كان ملازمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، هذه الاحتمالات تُسقط استدلال الرافضة أن مجرد سؤال عمر رضي الله عنه دليل على أنه جهل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين، أو انه كان لا يصليهما.

 

ثالثاً: لو تنزلنا فقلنا إنه نسي، فقد قال الرافضة أن الراوي قد ينسى ما حدث به، ثم يأتي غيره فيحدث عنه ما نسيه هو، ولا يقال عندها أنه لم يحدث بذلك، وعليه فالنسيان شأن بني آدم ولا يؤخذ من ذلك حكم.

يقول حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار): "وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها عمن أخذها عنهم، فقالوا: (حدثني فلان عني أني حدثته بكذا)([17])".

وفي (الكافي): "عن محمد بن الحسين بن يزيد، قال: سمعت الرضا عليه ‌السلام بخراسان وهو يقول: "إنا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب، وورثنا الشكر من آل داود"([18]).

وزعم أنه كان كلمة أخرى ونسيها محمد، بل إن المعصومين عند الشيعة ثبت عنهم النسيان، ومن ذلك:

فقد نسي الحسن أن على زين العابدين إمام حجة؟

 في (الكافي)، وقال عنها المجلسي في (مرآة العقول): صحيح

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن الحسن ’ قال: "وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي"([19]).

وبلا شك فإن زين العابدين كان حيًّا موجودًا في الوقت الذي قال فيه الحسن ذلك، والدليل ما رواه الكليني في (الكافي)، وقال المجلسي عنها في (مرآة العقول): حسن على الظاهر.

   عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين... ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله ومني السلام"([20]).

ومعلوم أن علي بن أبى طالب رضي الله عنه مات سنة 40، وعليّ بن الحسين ولد سنة 38، فيكون حيًّا في وقت إمامة الحسن قطعًا.

فهنا نسي الحسن أن على زين العابدين إمام حجة؟! أو أنه كان لا يعلم بدهيات دين الشيعة.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسي في صلاته، كما روى المجلسي في (ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار)، وقال الحديث السادس والعشرون: موثق([21]).

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: مَنْ حَفِظَ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‌ صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَهَا، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَزَلَ فِي الصَّلَاةِ شَيْ‌ءٌ...".

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نسي فما بال عمر رضي الله عنه لا ينسى؟

ومع ذلك فالتخريج الأولى بالقبول، هو أن عمر رضي الله عنه لم ينس ذلك وإنما كان مُعَلِّماً لغيره بسؤاله لا غير ذلك.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 

([1]) صحيح مسلم، (٦٠٧/٢).

([2]) الطرائف، لابن طاووس (ص475).

([3]) صحيح البخاري (٢٧/١).

([4]) فتح الباري، لابن حجر (٤٦/٧).

([5]) فتح الباري، لابن حجر (٣٩٤/١٢).

([6]) المعجم الكبير، للطبراني، (١٦٢/٩).

([7]) حاشيتا قليوبي وعميرة  (٢٥٩/٣).

([8]) أنوار البروق في أنواء الفروق (١٠٠/٢).

([9]) انظر: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (١٨٢/١٧).

([10]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (١٤٨/٣).

([11]) شرح الموطأ، عبد الكريم الخضير، (30/17). (بترقيم الشاملة).

([12]) شرح الزرقاني على الموطأ، ٦١٨/١.

([13]) شرح النووي على مسلم (١٨٢/٦).

([14]) شرح الموطأ، عبد الكريم الخضير (30/17). (ترقيم الشاملة).

([15]) شرح الزرقاني على الموطأ، (٦١٨/١).

([16]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (١٤٨/٣).

([17]) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار (ص191).

([18]) الكافي (15/690).

([19]) الكافي (1/462)، مرآة العقول (5/357).

([20]) رواه الكليني في (الكافي) (1/297)، والمجلسي عنها في (مرآة العقول) (3/291).

([21]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار (٤/٥٤٩).


لتحميل الملف pdf

تعليقات