الشبهة العشرون
زعم الشيعة: عدم علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحكم التيمم
محتوى الشبهة:
من مطاعن الشيعة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولهم أنه جهل حكم التيمم، وقد أورد هذه الشبهة كثير من علمائهم، ومنهم صاحب كتاب (ليالي بيشاور)([1])، وذكرها التيجاني في كتابه (ثم اهتديت)([2])، ومحمد صادق النجمي في كتابه (أضواء على الصحيحين)([3])، وغيرهم.
ملخص ما ذكروه رواية في الصحيحين، وأذكر لفظ مسلم؛ لأنهم كثيرًا ما يذكرونه.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً، فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ، وَكَفَّيْكَ». فَقَالَ عُمَرُ: "اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ"، قَالَ الْحَكَمُ: وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، عَنْ ذَرٍّ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ الْحَكَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ"([4]).
قالوا: ولا يخفى أن فتوى الخليفة بترك الصلاة حين الجنابة مخالفة صريحة لنص القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا مما يدل على جهل الخليفة بحكم التيمم، وعدم إحاطته بالأحكام الشرعية.
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: لا نسلم أن عمر رضي الله عنه جهل حكم التيمم كما يزعم الرافضة، وإنما فهم عمر رضي الله عنه أن التيمم يتعلق بالحدث الأصغر لا الأكبر، فلو جمعنا الآيات لتبين لنا ذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:43]
فالآية بينت أن حكم الجنب هو الغسل {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا}، فيبقى الفهم متعلقًا بما بعد الآية، هل يدخل فيه الجنب أم لا؟، واللمس في الآية محتمل للجماع، ومحتمل للمس العادي من غير جماع، وعليه فالآيات كانت موضع اجتهاد فيما يتعلق بالحدث الأكبر، ولذلك فقد جهل عمار صفة التيمم أيضا بالنسبة للحدث الأكبر، فظن أن قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أنه خاص بالحدث الأصغر فقط، ولذلك تمعّك في التراب، ولم يأت بالتيمم على الوجه الصحيح.
قال ابن عبد البر: "فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَنْ عَمَّارٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَجْزِيهِ إِلَّا الْغُسْلُ بِالْمَاءِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَمَّارٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأن التيمم يكفيه سكت عنه ولن يَنْهَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ بِقَلْبِهِ تَصْدِيقُ عَمَّارٍ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أَذْكُرْهُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ تَكْذِيبُ عَمَّارٍ لَنَهَاهُ لِمَا كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَلَا شَيْءَ أَعْظَمَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَغَيْرُ مُتَوَهَّمٍ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى صَلَاةٍ تُصَلَّى عِنْدَهُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ المسؤول عَنِ الْعَامَّةِ، وَكَانَ أَتْقَى النَّاسِ لِرَبِّهِ، وَأَنْصَحَهُمْ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ"([5]).
ثانيًا: لم ينفرد عمر بهذا الفهم، بل شاركه بعض الصحابة من الفقهاء كابن مسعود، وسبب ذلك: أنه ليس في صريح الآية التيمم من الحدث الأكبر، كما بيّنه ابن الجوزي في (كشف المشكل)، فقال: "وَلَكِن ابْن مَسْعُود رأى أَن الْآيَة لَا تَتَضَمَّن التَّيَمُّم، إِنَّمَا تخْتَص بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر؛ فَلذَلِك لم ير جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذِه الْآيَة: فَمنهمْ من قَالَ: إِنَّمَا دلّت على التَّيَمُّم عَن الْحَدث الْأَصْغَر فَقَط، وهم الْقَائِلُونَ بِأَن اللَّمْس لمس الْيَد. قَالُوا: وَإِنَّمَا استفدنا جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب من حَدِيث عمار، وَيدل عَلَيْهِ أَنه لما تمعك عمار فِي التُّرَاب وَأخْبر رَسُول الله بِفِعْلِهِ قَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول هَكَذَا"، وَعلمه التَّيَمُّم، وَلم يردهُ إِلَى بَيَان الْآيَة، وَلَو كَانَ فِيهَا بَيَان ذَلِك لقَالَ كَمَا قَالَ لعمر فِي شَأْن الْكَلَالَة: "يَكْفِيك آيَة الصَّيف"([6]).
ثالثًا: في هذه الرواية رد قول الرافضة أن عمر كان يفرض حكمه على الناس، بل على رسول الله حيث منعه من الوصية، بل وفيه إقرار لعمار على عمله بالسنة، ولا يعترض على هذا بقول عمر لعمار (اتق الله يا عمار)، فالمقصود: احترز يا عمار فيما تروي، وإنما قاله للتثقيف والتأديب والتنبيه العام إلى اتقاء الله فيما يروي الراوي، وهذا فيه غاية العبرة لمن تتضمن دعوتهم إلى الله كثيرًا من الأحاديث الموضوعة والضعيفة. قوله (نوليك ما توليت) أي: ندعك وما تتقلد، أي: أنه أقر عمار على عمله بالسنة([7]).
رابعًا: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زكى علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "الْعِلْمَ"([8]).
وعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لَوْ كَانَ مِنْ بَعْدِي نَبِيٌّ، لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ)([9]).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ)([10]).
خامسًا: إذا كان الجهل بحكم من الأحكام يزري بصاحبه ويسقطه من درجة العلم والفقه واستحقاق الإمامة، فهذا علي بن أبي طالب في كتب الشيعة يجهل كثيرًا من الأحكام.
ورد في كتب الرافضة أن عليا رضي الله عنه كان يجهل حكم المذي، قال البحراني: "وعن إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: "سألته عن المذي فقال إن عليا (عليه السلام) كان رجلا مذاء واستحيى أن يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمكان فاطمة (عليها السلام) فأمر المقداد ان يسأله وهو جالس فسأله، فقال له ليس بشيء"([11]).
فهذا عليٌّ رضي الله عنه يجهل حكم المذي، ولا يستطيع أحد ان يطعن بعلمه.
بل وجهل أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخٌ لحمزة رضي الله عنه من الرضاعة، وجهل الحكم الفقهي بأنه ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب، روى الكليني في (الكافي): عن أبي عبيدة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا على أختها من الرضاعة، وقال: إن عليا عليه السلام ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وعمه حمزة عليه السلام قد رضعا من امرأة"([12]).
صحح هذه الرواية:
محقق كتاب (ما لا يحضره الفقيه) الشيخ علي أكبر غفاري، قال عنه: حديث صحيح. ومحمد تقي المجلسي في كتابه (روضة المتقين)، ومحمد باقر المجلسي في كتابه (مرآة العقول)، والشيخ يوسف البحراني في (الحدائق النضرة)، والمحقق الحلي في (تذكرة الفقهاء)، والمحقق الاصفهاني في (كشف اللثام)، والسيد محمد بحر العلوم في كتابه (بلغة الفقيه)، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه (أنوار الفقاهة)، والسيد البجنوردي في (القواعد الفقهية)، والسيد صدر الدين العاملي في كتابه (منظومة في الرضاع)([13]).
وقد جهل جعفر الصادق أيضا حرمة قلع الحشيش بمنى؛ قال محمد تقي المجلسي: "ويمكن حمل النهي في غير الداخل على الكراهة، كما يظهر مما رواه الشيخ في الصحيح، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليهما السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بني إن هذا لا يقلع، وإن أمكن حمله على إرادة القطع أو يكون صغيرا غير مكلف وجوزنا الجهل عليهم في الصغر"([14]).
وفي (الكافي) بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ، أَوْ إِيذَائِهِنَّ فِي الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: لَا يُقْتَلْنَ، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَرَآنِي وَ َنَا أُوذِيهِنَّ، فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ لَا تَقْتُلْهُنَّ وَلَا تُؤْذِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئاً"([15]).
في هذه الرواية التصريح بجهل الصادق للحكم الشرعي في حرمة أذية الخطاف، فهل يطعن الرافضة بعلم الإمام الصادق؟!!!
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) (ليالي بيشاور) (1/1023-1025).
([2]) (ثم اهتديت) (1/337).
([3]) (أضواء على الصحيحين ص117).
([4]) صحيح مسلم، (280/1).
([5]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/273).
([6]) كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (1/342). وآية الصيف هي آية الكلالة التي في آخر سورة النساء.
([7]) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/345).
([8]) رواه البخاري في (صحيحه) (6/2571 ح 6605)، وأحمد في (مسنده) (2/288ح 6107).
([9]) رواه أحمد في (مسنده) (5/ 154 ح16952)، والترمذي في (سننه) (5/ 578 ح3686)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" (3686)، وفي (صحيح الجامع) (5284)، وفي "الصحيحة" (327).
([10]) رواه أحمد في (مسنده) (2/ 152 ح5123)، والترمذي في (سننه) (5/ 576 ح3682)، وابن حبان في (صحيحه) (15/ 318 ح 6895)، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي) (3682)، وفي (صحيح الجامع) (1736)، وأحمد شاكر في (مسند أحمد) (7/133).
([11]) تهذيب الأحكام (1/17)، وسائل الشيعة (1/196)، بحار الأنوار (77/225)، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي (1/105)، مشارق الشموس (1/58)، للمحقق الخونساري، الحدائق الناضرة (2/108) للمحقق البحراني، وصرح بصحة سنده في (5/37)، كتاب النوادر، لقطب الدين الراوندي (ص205).
([12]) (الكافي) (ج10/893).
([13]) (ما لا يحضره الفقيه) (3/411)، روضة المتقين (8/236)، مرآة العقول (20/220)، الحدائق النضرة (23/218)، تذكرة الفقهاء (2/614)، كشف اللثام (2/42)، بلغة الفقيه (3/122)، أنوار الفقاهة (2/102)، القواعد الفقهية (4/324)، منظومة في الرضاع (1/100).
([14]) روضة المتقين ( 4 / 166) .
([15]) الكافي، الكليني (6/ 224)، وقال المجلسي عن الرواية في (مرآة العقول): حسن (21/ 370).
لتحميل الملف pdf