الشبهة الثانية والثلاثون
زعم الشيعة: ظهور اللواط في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
محتوى الشبهة:
روى الخرائطي بسنده عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَوَّلُ مَا اتُّهِمَ بِالْأَمْرِ الْقَبِيحِ يَعْنِي عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، اتُّهِمَ بِهِ رَجُلٌ، فَأَمَرَ عُمَرُ شَبَابَ قُرَيْشٍ أَنْ لاَ يُجَالِسُوهُ"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: هذا من تحامل الرافضة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقط، وإلا ما وجه الشبهة في كون رجل يتهم بهذا الأمر في زمن عمر رضي الله عنه؟ هل يلام ويحاسب على تصرفات غيره؟
ومعلوم أن هذا الفعل القبيح كان منتشرًا زمن نبي الله لوط صلى الله عليه وسلم، فهل يتهمه الرافضة أيضاً؟ أو يجعلون هذا من القوادح فيه؟
ثانيًا: هذا الرجل الذي اتهم بهذا الأمر، أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهجره وعدم مجالسته، وهذا سدًا لذريعة الشر والفساد، وهذا من حسن سياسته.
قال محمد رشيد رضا: "وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: أَوَّلُ مَنِ اتُّهِمَ بِالْأَمْرِ الْقَبِيحِ -تَعْنَى عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ- رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَأَمَرَ عُمَرُ بَعْضَ شَبَابِ قُرَيْشٍ أَلَّا يُجَالِسُوهُ. أَيْ لِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ"([2]).
فمنع من مجالسته لمجرد اتهامه بهذا الفعل، حسمًا لمادة الفساد، ولو ثبت عنه ذلك الفعل لأقام عليه الحد.
ثالثًا: نقارن بين ما فعل عمر رضي الله عنه، وما ورد في كتب الرافضة من تصرف علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع من وقع في هذا الفعل القبيح من شيعته وأتباعه.
ذكر هاشم البحراني رواية عجيبة تحت عنوان: "المحبّ الذي لم تحرقه النار".
نقلا عن كتاب عيون المعجزات بسنده إلى عمّار بن ياسر أنّه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسًا في دار القضاء، فنهض إليه رجل يقال له صفوان بن الأكحل، وقال: أنا رجل من شيعتك وعليّ ذنوب، وأريد أن تطهّرني منها في الدنيا لأرتحل إلى الآخرة وما عليّ ذنب. فقال (عليه السلام): قل لي بأعظم ذنوبك ما هي؟ فقال: أنا ألوط الصبيان.
فقال: أيّما أحبّ إليك ضربة بذي الفقار، أو أقلب عليك جدارًا، أو أضرم لك نارًا؟ فإنّ ذلك جزاء من ارتكب ما ارتكبته. فقال: يا مولاي احرقني بالنار.
فقال (صلى اللّه عليه وآله): يا عمّار اجمع له ألف حزمة من قصب، فأنا أضرمه غدا بالنار، وقال للرجل: امض وأوص. قال: فمضى الرجل وأوصى بما له وعليه، وقسّم أمواله بين أولاده، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ثمّ أتى باب حجرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بيت نوح (عليه السلام) شرقي جامع الكوفة، فلمّا صلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنجانا به اللّه من الهلكة.
قال: يا عمّار ناد في الكوفة: اخرجوا وانظروا كيف يحرق عليّ رجلا من شيعته بالنار. فقال أهل الكوفة: أليس قالوا: إنّ شيعة عليّ ومحبّيه لا تأكلهم النار؟! وهذا رجل من شيعته يحرقه بالنار، بطلت إمامته، فسمع ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال عمّار: فأخرج الإمام الرجل وبنى عليه ألف حزمة من القصب، وأعطاه مقدحة من الكبريت، وقال له: اقدح واحرق نفسك، فإن كنت من شيعة عليّ وعارفيه ما تمسّك النار، وإن كنت من المخالفين المكذّبين فالنار تأكل لحمك، وتكسر عظمك. قال: فقدح النار على نفسه واحترق القصب وكان على الرجل ثياب كتّان أبيض لم تعلقها النار ولم يقربها الدخان، فاستفتح الإمام، وقال: كذب العادلون باللّه وضلّوا ضلالاً بعيدًا، وخسروا خسرانًا مبينًا. ثمّ قال: أنا قسيم الجنّة والنار، شهد لي بذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) في مواطن كثيرة.([3]) .
فهل نتهم علياً رضي الله عنه بظهور فاحشة اللواط في زمنه وخاصة أن هذا الرجل كان من شيعته؟ ثم لماذا لم تحرقه النار وهو قد فعل هذا الأمر القبيح؟
وروى الكليني بسنده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَال: "بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ أَوْقَبْتُ عَلى غُلَامٍ، فَطَهِّرْنِي.
فَقَالَ لَهُ: يَا هذَا، امْضِ إِلى مَنْزِلِكَ لَعَلَّ مِرَارًا هَاجَ بِكَ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ عَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَوْقَبْتُ عَلى غُلَامٍ، فَطَهِّرْنِي.
فقَالَ لَهُ: يَا هذَا، امْضِ إِلى مَنْزِلِكَ لَعَلَّ مِرَارًا هَاجَ بِكَ، حَتّى فَعَلَ ذلِكَ ثَلَاثاً بَعْدَ مَرَّتِهِ الْأُولى.
فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ لَهُ: يَا هذَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَكَمَ فِي مِثْلِكَ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ، فَاخْتَرْ أَيَّهُنَّ شِئْتَ. قَالَ: وَمَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِكَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، أَوْ إِهْدَاءٌ مِنْ جَبَلٍ مَشْدُودَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، أَوْ إِحْرَاقٌ بِالنَّارِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيُّهُنَّ أَشَدُّ عَلَيَّ؟ قَالَ: الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ.
قَالَ: فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: خُذْ لِذلِكَ أُهْبَتَكَ
فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ، فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي تَشَهُّدِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي قَدْ أَتَيْتُ مِنَ الذَّنْبِ مَا قَدْ عَلِمْتَهُ ، وَإِنِّي تَخَوَّفْتُ مِنْ ذلِكَ، فَجِئْت إِلى وَصِيِّ رَسُولِكَ وَابْنِ عَمِّ نَبِيِّكَ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُطَهِّرَنِي، فَخَيَّرَنِي بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنَ الْعَذَابِ، اللهُمَّ فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ أَشَدَّهَا، اللهُمَّ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ذلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِي، وَأَنْ لَا تُحْرِقَنِي بِنَارِكَ فِي آخِرَتِي، ثُمَّ قَامَ وَهُوَ بَاكٍ حَتّى جَلَسَ فِي الْحُفْرَةِ الَّتِي حَفَرَهَا لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، وَهُوَ يَرَى النَّارَ تَتَأَجَّجُ حَوْلَهُ».
قَالَ: «فَبَكى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، وَبَكى أَصْحَابُهُ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: قُمْ يَا هذَا، فَقَدْ أَبْكَيْتَ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةَ الْأَرْضِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَابَ عَلَيْكَ، فَقُمْ وَلَا تُعَاوِدَنَّ شَيْئاً مِمَّا قَدْ فَعَلْتَ"([4]).
ويلاحظ على هذه الرواية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد أسقط الحد عن هذا الرجل الذي صدر منه هذا الفعل القبيح لمجرد أنه كان من شيعته وأتباعه، فهل يجوز للإمام أن يعطل حدود الله تعالى؟
والحديث قال عنه المجلسي: "الحديث الأول: حسن"([5]).
وقد حاول الفيض الكاشاني أن يجيب عن هذا الاعتراض وتعطيل الإمام لحد الله فقال: "إن قيل كيف جاز لأمير المؤمنين (ع) أن يعطل حدًا من حدود اللَّه بعد رفع القضية إليه وثبوت ما يجب به الحد عنده؟
قلنا: قد ورد عنهم (ع) ما يصلح جوابًا لهذا السؤال بعينه، بل وفي مثل هذه القضية بعينها، فقد روى الحسن بن علي بن شعبة رحمه اللَّه بإسناده عن أبي الحسن الأخير (ع) فيما كتب في جواب مسائل يحيى بن أكثم، حيث سأله عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد، فكتب (ع) وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه إن لم يقم عليه بينة وإنما تطوع بالإقدار من نفسه فإنه إذا كان للإمام الذي من اللَّه أن يعاقب عن اللَّه كان له أن يمن عن اللَّه، أما سمعت قول اللَّه عزوجل: { هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ}"([6]).
فيجوز للإمام أن يعطل الحد، وهو مخير مادام ليس هناك بينة سوى الإقرار، وهذا من أغرب ما يكون، فالإقرار سيد الأدلة.
فهل في ظهور هذا الفعل في عهد عمر ما يقدح فيه؟!!
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) مساوئ الأخلاق.
([2]) تفسير المنار، محمد رشيد رضا (8/462).
([3]) مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ودلائل الحجج على البشر (1/258).
([4]) الکافي، الكليني (14/79).
([5]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (23 /306).
([6]) الوافي، الفيض الكاشاني، (15/336).
لتحميل الملف pdf