الشبهة السادسة والخمسون
قول عمر بن الخطاب: لست أُبالي إلى أيّ النّاس نكحت وأيّهم أنكحت
محتوى الشبهة:
من الشبهة التي أثارها الرافضة حول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، محاولين بذلك نفي أي فضيلة له بزواجه من أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنه، أنه ما كان يهتم بأمر النسب أساسًا.
قال علي الشهرستاني: "فالمعروف عن عمر أنّه كان لا يعير أهمّيّةً إلى من ينتسب إليه، فيأخذ من كلّ أحد ويعطي لكلّ أحد، وقد اشتهر قوله: "ما بقي فيَّ شيء من أخلاق الجاهليّة إلّا أنِّي لست أُبالي إلى أيِّ المسلمين نَكَحْتُ وأيّهنّ أُنْكِحْتُ"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: هذا الأثر أخرجه ابن سعد في (الطبقات) بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "مَا بَقِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمَرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلا أَنِّي لَسْتُ أُبَالِي إِلَى أَيِّ النَّاسِ نَكَحْتُ وَأَيِّهِمْ أَنْكَحْتُ"([2]).
وهذا الأثر ضعيف بسب الانقطاع بين محمد بن سيرين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال ابن الملقن في تعليل حديث رواه محمد بن سيرين عن عمر: "وَهَذَا مُنْقَطع، مُحَمَّد لم يدْرك عمر"([3]).
قال الذهبي: "عَنْ أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ: وُلِدَ أَخِي مُحَمَّدٌ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ. قَالَ الحَاكِمُ: هَكَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: عُمَرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عُثْمَانَ. قُلْتُ: الثَّانِي أَشْبَهُ"([4]).
فسواء ولد في آخر خلافة عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فالحكم واحد، وهو انقطاع الأثر.
ثانيًا: هذا الأثر المنقطع لا يقاوم ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنه أراد أن يلتقي نسبه مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، من خلال الزواج بحفيدته أم كلثوم.
قال الطهراني:" فقد كان النكاح برضا عليّ، وكان العباس مصيبا في وساطته، وكان عمر محمودا على رغبته...أجل استبان مما ذكرناه أن زواج عمر بأم كلثوم أمر تاريخي مسلم به ولا يمكن إنكاره"([5]).
فعمر رضي الله عنه كان محمودًا على رغبته في ارتباط نسبه مع النسب الشريف.
ثالثًاً: فهم بعض المرضى من لفظة (أنكحت) معنى باطلاً، بسبب حقدهم وجهلهم بلسان العرب.
فإن النكاح يطلق ويراد به الزواج، وهذا ورد في كتاب الله في مواضع.
قال الله تعالى: { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [سورة البقرة:221]
وهذا ظاهر من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأثر، فلا نطيل في بيانه.
رابعًا: لو كان المقصود هو المعنى الباطل الذي يتوهمه بعض الجهلة، فكيف يرضى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكون صهره وزوج ابنته من كان هذا حاله؟
والحمد الله رب العالمين
وصلي اللَّهُم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) زوج أم کلثوم الزواج اللغز، علي الشهرستاني (ص121).
([2]) الطبقات الكبرى، ابن سعد (3/219).
([3]) البدر المنير، ابن الملقن (6/397).
([4]) سير أعلام النبلاء، الذهبي (4/607).
([5]) معرفة الإمام، محمد الحسين الطهراني (15/263).
لتحميل الملف pdf