شبهات وردود

زعم الشيعة أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: قد فسوت!

الشبهة الواحدة والستون

زعم الشيعة: أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: قد فسوت

 

محتوى الشبهة:

قال القمي الشيرازي: "ومن عجائب رواياتهم أن عمر فسى على المنبر، وأخبر به المسلمين، لقلة حيائه، وعدم انفعاله. ذكر عبد الله بن مسلم من رواتهم المتعصبين في (المجلد الأول) من كتاب (عيون الأخبار)، أن عمر قال على المنبر: "ألا إني قد فسوت، وها أنزل لأعيد الوضوء"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: القصة وراها ابن قتيبة الدينوري قال: "المدائني قال: بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر إذ أحسّ من نفسه بريح خرجت منه، فقال: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ مَثَلْت بَيْنَ أَنْ أَخَافَكُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ أَنْ أَخَافَ اللَّهَ فِيكُمْ، فَكَانَ أَنْ أَخَافَ اللَّهَ فِيكُمْ أَحَبَّ إلَيَّ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ فَسَوْتُ، وَهَا أَنَا نَازِلٌ أُعِيدُ الْوُضُوءَ"([2]).

وهذه القصة غير ثابتة لأمرين:

1- لا نعرف لها إسناداً عن المدائني.

2- الانقطاع بين المدائني وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال الذهبي في ترجمة المدائني: "ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائة"([3]).

وعليه فالقصة ضعيفة، لا يحتج بها.

ثانيًا: على فرض التسليم بها، يكون الأمر حصل اضطرارًا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا عمدًا، فنزل من المنبر؛ ليعيد الوضوء، وهذا ما يفهم من قوله: (فكان أن أخاف الله فيكم أحبّ إليّ).

وهذا أمر طبيعي يحصل لكل البشر، فأين وجه الشناعة والقبح فيه؟

ثالثًاً: أهل الفطر السوية، والقلوب السليمة، يفهمون من هذا فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهضمه لنفسه، وزجرها عن الكبر.

قال الماوردي: "وَرُبَّمَا أَحَسَّ ذُو الْفَضْلِ مِنْ نَفْسِهِ مَيْلًا إلَى الْمُرَاءَاةِ، فَبَعَثَهُ الْفَضْلُ عَلَى هَتْكِ مَا نَازَعَتْهُ النَّفْسُ مِنْ الْمُرَاءَاةِ فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي فَضْلِهِ، كَاَلَّذِي حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَحَسَّ عَلَى الْمِنْبَرِ بِرِيحٍ خَرَجَتْ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ مَثَلْت بَيْنَ أَنْ أَخَافَكُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ أَنْ أَخَافَ اللَّهَ فِيكُمْ، فَكَانَ أَنْ أَخَافَ اللَّهَ فِيكُمْ أَحَبَّ إلَيَّ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ فَسَوْتُ، وَهَا أَنَا نَازِلٌ أُعِيدُ الْوُضُوءَ. فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ زَجْرًا لِنَفْسِهِ لِتَكُفَّ عَنْ نِزَاعِهَا إلَى مِثْلِهِ"([4]).

لكن القوم انتكست فطرهم، وانقلبت أفهامهم؛ حيث يرون المنقبة مثلبة.

رابعًا: إن كان فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، مستقبحًا ومستنكرًا، فماذا يقولون في فعل زرارة الذي ضرط في لحية الإمام بلا حياء ولا خجل.

روى الكشي بسنده عن زرارة، قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن التشهد. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قلت: التحيات الصلوات. قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت قلت: إن لقيته لأسألهنه غداً، فسألته من الغد عن التشهد. فقال کمثل ذلك، قلت: التحيات والصلوات. قال: التحيات والصلوات، قلت ألقاه بعد يوم لأسألنه غداً، فسألته عن التشهد فقال کمثله، قلت: التحيات والصلوات. قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته، وقلت لا يفلح أبدا"([5]).

فما حكم زرارة الثقة الجليل عند القوم، الذي ضرط في لحية الإمام وأيهما أعظم الفساء على المنبر؟!! أم الضراط في لحية المعصوم؟!!!

وحتى يخرج علماء الرافضة من هذه الورطة، حاول بعضهم تحريف متن الرواية، لكنه تحريف سخيف للغاية.

فقد ذكر الرواية التستري بلفظ: "عن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه  عن التشهّد؟ فقال: أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ فلمّا خرجت قلت: إن لقيته لأسألنّه غداً، فسألته من الغد عن التشهّد، فقال كمثل ذلك، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ قلت: ألقاه بعد يوم لأسألنّه غدا، فسألته عن التشهّد، فقال كمثله، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ فلمّا خرجت ضرطت في لحيتي! وقلت: لا يفلح أبدا!"([6]).

وهذا التحريف من أسخف ما يكون، فكيف يعقل أن الإنسان يضرط في لحية نفسه؟

خامسًا: أيهما أشنع وأقبح، هذا الأمر الذي وقع من عمر رضي الله عنه على فرض ثبوته، أم شخص يسب امرأة بأقبح الأوصاف، وأشنع العبارات في المسجد؟

روى المفيد بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: كنا وقوفاً "على أمير المؤمنين  بالكوفة، وهو يعطي العطاء في المسجد، إذ جاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين أعطيت العطاء جميع الأحياء ما خلا هذا الحي من مراد لم تعطهم شيئًا"، فقال: اسكتي يا جريئة، يا بذية، يا سلفع، يا سلقلق، يا من لا تحيض كما تحيض النساء.."([7]).

وفي رواية: "يا التي على هنها شيء بين مدلى"([8]).

فهل يجوز أن تصدر هذه الكلمات القبيحة في المسجد وأمام الناس جميعا؟

وأيهما أقبح؟ انتقاض الوضوء على المنبر- وهو أمر غير اختياري-، أم التفحش بالقول في المسجد؟

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي (ص 575).

([2]) عيون الأخبار، ابن قتيبة الدينوري (1/267).

([3]) سير أعلام النبلاء، الذهبي (10/400).

([4]) أدب الدنيا والدين، الماوردي (ص106).

([5]) رجال الکشي، الطوسي (ص159).

([6]) قاموس الرجال، محمد تقی شوشتري (4/433).

([7]) الاختصاص، الشيخ المفيد (ص304-305).

([8]) بحار الأنوار، المجلسي (41/293).


لتحميل الملف pdf

تعليقات