زعمت الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه قد شرب الخمر، واستدلوا على ذلك بروايات، يقول أحمد العاصمي: «المعروف في روايات الحفّاظ أنّ الذي شرب الخمر ثمَّ ناح على قتلى بدر كان أبا بكر؛ قال البزّار في مسنده: وجدت في كتابي بخطّي عن أبي كريب؛ عن يونس بن بكير؛ عن مطر بن ميمون [قال]: حدّثنا أنس بن مالك قال: كنت ساقي القوم تينًا وزبيبًا خلطناهما جميعًا؛ وكان في القوم رجلٌ يقال له أبو بكر؛ فلمَّا شرب قال:
أحيّي أمَّ بكر بالسلام
وهل لك بعد قومك من سلام؟
يحدّثنا الرسول بأن سنحيا
وكيف حياة أصداء وهام؟
[قال:] فبينا نحن كذلك والقوم يشربون؛ إذ دخل علينا رجل من المسلمين فقال: ما تصنعون؟ إنَّ اللّه تبارك وتعالى قد نزّل تحريم الخمر.. الحديث»([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: رواية البزار ضعفها البزار نفسه، وضعفها الهيثمي الذي نقلها عنه.
قال البزار بعد روايته للحديث: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نعلمُهُ، يُرْوَى عَن أَنَس بهذا اللفظ إلَّا من هذا الوجه، ومطر بن ميمون الكوفي قد حدث عَن أَنَس بأحاديث، وعَن غيره»([2]).
وقال الهيثمي بعد سوق الرواية: «وَفِيهِ مَطَرُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَهُو ضَعِيفٌ»([3]).
ومطر بن ميمون متروك، قال ابن الجوزي: «مطر بن مَيْمُون الْمحَاربي الإسكاف سمع أنس بن مَالك وَعِكْرِمَة، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مَتْرُوك، مطر بن مَيْمُون الْمحَاربي، وَهُو ابْن أبي مطر الإسكاف، أَبُو خَالِد، يروي عَن أنسٍ وَعِكْرِمَة، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَنِ الْأَثْبَات، لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ»([4]).
وعليه فالرواية ضعيفة.
ثانيًا: رواية مسند البزار أوضحت أن المقصود بأبي بكر رجل من كنانة وليس الصديق، وهذا نصها: «وجدت في كتابي بخطي، عَن أبي كُرَيب عن يُونُس بن بكير، عن مطر بن ميمون، حَدَّثنا أنس بن مالك قال: كنت ساقي القوم تينًا وزبيبًا خلطناهما جميعًا، وَكان في القوم رجل يقال له: أَبْو بَكْر رجل من كنانة، فلما شرب قال:
أحيي أم بكر بالسلام
وهل لك بعد قومك من سلام؟
يحَدَّثنا الرسول بأن سنحيا
وكيف حياة أصداء وهام؟
فبينما نحن كذلك والقوم يشربون؛ إذ دخل علينا رجل من المسلمين فقال: ما تصنعون؟ إن الله تبارك وتعالى قد نزل تحريم الخمر، فأرقنا الباطية وكفأناها، ثُمَّ خرجنا فوجدنا رَسُولَ اللَّهِ ق قَائِمًا على المنبر يقرأ هذه الآية ويكررها: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ {المائدة:91}.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نعلمُهُ يُرْوَى عَن أَنَس بهذا اللفظ إلَّا من هذا الوجه، ومطر بن ميمون الكوفي قد حدث عَن أَنَس بأحاديث، وعَن غيره»([5]).
وهذا الشعر ثبت في صحيح البخاري أنه من قول أبي بكر شداد بن الأسود.
فعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ا تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ القَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ: [البحر الوافر]
وَمَاذَا بِالقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ
وَمَاذَا بِالقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
مِنَ القَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الكِرَامِ
تُحَيِّينَا السَّلَامَةَ أُمُّ بَكْرٍ
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ؟
يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟»([6])
ولذلك قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللَّيْثِيُّ، وَهُو شَدَّادُ بْن الْأَسْوَدِ:
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ؟
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ؟
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
مِنَ الشِّيزَى تُكَلَّلُ بِالسَّنَامِ؟
وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ
مِنَ الْحَوْمَاتِ وَالنَّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ
مِنَ الْغَايَاتِ وَالدُّسُعِ الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ
أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنِّدَامِ
وَإِنَّكَ لَو رَأَيْتَ أَبَا عَقِيلٍ
وَأَصْحَابَ الثَّنِيَّةِ مِنْ نَعَامِ
إِذًا لَظَلِلْتَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ
كَأُمِّ السَّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ
يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا
وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟([7])
وعليه فليس هو الصديق .
ثالثًا: الروايات الصحيحة في ذلك لم تذكر أبا بكر الصديق، ولذلك فإن من نقل أن أبا بكر كان معهم نصَّ على أنه منكر.
قال الحافظ ابن حجر: «وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبَاتِ مَا أَوْرَدَهُ ابنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا فِيهِمْ، وَهُو مُنْكَرٌ مَعَ نَظَافَةِ سَنَدِهِ، وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا غَلَطًا، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ شُعْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَرَّمَ أَبُو بَكْرٍ الْخَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَشْرَبْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَيَحْتَمِلُ -إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا- أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ زَارَا أَبَا طَلْحَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ يَشْرَبَا مَعَهُمْ»([8]).
وقال الحكيم الترمذي: «وَمِمَّا تنكره الْقُلُوب حَدِيثٌ رَوَوْهُ عَن عَوْفٍ، عَن أبي القموص قَالَ: شرب أَبُو بكر ا الْخمرَ، يَعْنِي: من قبل نزُول تَحْرِيمهَا، فَقعدَ ينوح قَتْلَى بدرٍ وينشدُ أبياتًا، فَبلغ رَسُول الله ق ذَلِك، فَخرج حَتَّى أَتَاهُ فَرفع عَلَيْهِ شَيْئا فِي يَده، فَقَالَ أَبُو بكر: أعوذ بِاللَّه من غضب الله وَغَضب رَسُوله، فَنزلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ {المائدة:90} الْآيَة.
فَهَذَا مُنكر من القَوْل وَالْفِعْل، وَقد أعاذ الله الصديقين من فعل الْخَنَا وأقوال أَهله وَإِن كَانَ قبل التَّحْرِيم، فقد كَانَ أَبُو بكر بِمَكَّة مَعَ رَسُول الله ق قبل أَن يُهَاجر، وَقد وسم بالصديقية؛ لِأَنَّهُ كَانَ هُو وَعُثْمَان مَعَ رَسُول الله ق على حراء، فَرَجَفَ بهم الْجَبَل، فَقَالَ رَسُول الله ق: «اسكن حراء؛ فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي وصديق وشهيد».
وَعَائِشَة أعلم بأبيها من أبي القموص، فَهِيَ تنكر هَذَا وَتكذب أَهله، فَعَن عَائِشَة قَالَت: مَا قَالَ أَبُو بكر وَلَا عُثْمَان بَيت شعر فِي جَاهِلِيَّة وَلَا فِي إِسْلَام، وعنها أَيْضًا أَنَّهَا كَانَت تَدْعُو على من يَقُول إِن أَبَا بكر قَالَ هَذِه القصيدة، وأولها: (تحيا بالسلامة أم بكر ... وَهل لي بعد قومِي بِالسَّلَامِ) إِلَخ ثمَّ قَالَت: وَالله مَا قَالَ أَبُو بكر بَيت شعر فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي الْإِسْلَام، وَلَقَد ترك أَبُو بكر وَعُثْمَان شرب الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمَا ارتاب أَبُوبكر فِي الله مُنْذُ أسلم، وَلكنه كَانَ تزوج امْرَأَة من بني كنَانَة ثمَّ من بني عَوْف، فَلَمَّا هَاجر أَبُو بكر طَلقهَا، فَتزَوج بهَا ابْن عَمَّتهَا أَبُو بكر بن شعوب الْكِنَانِي الشَّاعِر، فَقَالَ هَذِه القصيدة يرثي بهَا كفار قُرَيْش الَّذين قتلوا ببدر، فحملها النَّاس أَبَا بكر من أجل امْرَأَته أم بكر الَّتِي طَلقهَا»([9]).
وتفسير ابن مردويه لم يصل إلينا حتى نبحث في الإسناد وعلله لنحكم عليه، وقد راجعت رسالة ماجستير بعنوان (مرويات ابن مردويه في التفسير من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة المائدة) من أول كلامه عن الآية ٩٠ من سورة المائدة إلى الآية ٩٣ فلم أعثر على تلك الرواية([10]).
رابعًا: حتى لو تنزَّلنا جدلًا وقلنا بوجود الصديق يومَها في المجلس، ثم تنزلنا أكثر وقلنا بشربه الخمر، فإن هذا لا يعاب عليه كونه لم يفعل إلا مباحًا يومها، ولا يعاب المرء على فعل مباح، وكل من قرأ روايات الحادثة جزم أن ذلك كان قبل نزول التحريم.
فعَنْ أَنَسٍ قال: «كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ق مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ {المائدة:93} الآيَةَ»([11]).
وعليه فقد كان الشرب قبل التحريم، وغاية المدح لهؤلاء الأكارم أنهم بمجرد أن نزل التحريم أنهم أراقوا الخمر، وما ثبت عن واحد منهم قط أنه شرب الخمر بعد التحريم، وهذا مما يجعلنا نعرف الفرق بيننا وبين أصحاب محمد ق، خاصة هؤلاء الأكابر الذي ألفُوا الخمر قبل تحريمها، فلما نزل التحريم تركوها طاعة لله تعالى، فمن يعيب عليهم ذلك كمن يعيب على كافر أسلم بأنه كان كافرًا، وأنه سيدخل النار بسبب كفره القديم، وهذا لا يقوله إلا جاهل أو حاقد، بل مما يمدح عليه الإنسان ترك ما ألفه في جاهليته، وعليه فما أوردوه من شبهة انقلب مدحًا بفضل الله تعالى.
خامسًا: لو شغَّب أحدهم وكابر وقال: بل كان الشرب بعد التحريم لقلنا: وهل ثبت أن النبي ق حدَّهم في الخمر أم لا؟ فإن قالوا: لا، فقد انتهت الشبهة؛ إذ إن النبي ق قد ثبت عنه أنه جلد في الخمر، ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ق أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْو أَرْبَعِينَ»، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُوبَكْرٍ»([12]).
قلت: وقد فعله أبو بكر، أي أقام الحد على شارب الخمر أيضًا، فإن قالوا: جلدهم، قلنا: هاتوا الدليل؟ ودونه خَرْطُ القتاد.
سادسًا: من العجب اتهام الصديق بذلك وجعله قدحًا فيه، وفي نفس الوقت يعترفون أن كبار رواة الأحاديث عندهم كانوا يشربون الخمر، ومع ذلك اعتذروا لهم ولم يروا أن ذلك قدحًا في عاداتهم أودينهم، ففي «اختيار معرفة الرجال» المعروف برجال الكشي للطوسي([13])، رووا أن الصادق ترحَّم على شارب الخمر، فعن فضيل الرسان ... قال: «فسمعت نحيبًا من وراء الستر، فقال: من قال هذا الشعر؟ قلت: السيد ابن محمد الحميري، فقال: (رحمه الله)، قلت: إني رأيته يشرب النبيذ، فقال: (رحمه الله)، قلت: إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق، قال: تعني الخمر؟ قلت: نعم، قال: (رحمه الله) وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي».
وقد ثبت أن أبا حمزة الثمالي كان يشرب الخمر، ومع ذلك فهو في غاية الوثاقة عندهم.
قال المامقاني: «وتلخيص المقال أنّ أبا حمزة الثمالي في غاية الجلالة والوثاقة، وكفى بتوثيق الصدوق في المشيخة، والنجاشي تارة في ترجمته، وأخرى في ترجمة ابنه علي، والشيخ في الفهرست، وابن داود، والعلَّامة في الخلاصة»([14]).
فكل ألفاظ التفخيم والتعظيم هذه مع قولهم بشربه للخمر، ومع ذلك فقد اعتذروا له بكل أنواع الأعذار، قال المامقاني: «وعلى تقدير الصحّة يمكن أن يكون أبو حمزة ما كان يعرف حرمته، يومِئُ إليه سؤال أصحابه عنه عن حرمته، كما ورد في كتب الأخبار، ومنه هذا الخبر.
أو أنّه كان يشرب لعلّة كانت فيه باعتقاد حلِّه لأجلها، كما سيجيء قريب منه في ابن أبي يعفور.
أو كان يشرب الحلال منه، فنمّوا إليه ويكون استغفاره من سوء ظنّه بعامر، ولعلّه هو الظاهر؛ إذ لا دخل لعدم تحريشه في الاستغفار عن شربه! فتأمّل.
أو كان استغفاره من ارتكابه بجهله.
أو بظهور خطأ اجتهاده.
أو كان ذلك قبل وثاقته؛ فيكون حاله في أخباره حال أحمد بن محمد بن أبي نصر.. ونظائره من الأجلّة الذين كانوا فاسدي العقيدة ثم رجعوا»([15]).
ولذلك قالوا: إنه حتى لو شرب الخمر فإن الله غفور رحيم، والإمام سيشفع له، ففي البحار: «إن رجلًا من المنافقين قال لأبي الحسن الثاني : إن من شيعتكم قومًا يشربون الخمر على الطريق، فقال: الحمد لله الذي جعلهم على الطريق فلا يزيغون عنه. واعترضه آخر فقال: إن من شيعتك من يشرب النبيذ، فقال: قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يشربون النبيذ، فقال الرجل: ما أعني ماء العسل وإنما أعني الخمر. قال: فعرق وجهه، ثم قال: الله أكرم من أن يجمع في قلب المؤمن بين رسيس الخمر وحبنا أهل البيت، ثم صبر هنيهة وقال: فان فعلها المنكوب منهم فإنه يجد ربًّا رؤوفًا، ونبيًّا عطوفًا، وإمامًا له على الحوض عروفًا، وسادةً له بالشفاعة وقوفًا، وتجد أنت روحك في بَرَهُوت ملوفًا»([16]).
بل إن شرْبَ الخمر كان سمة ظاهره عند الشيعة، فقد روى شيخهم ابن بابويه القمي في العلل رواية طويلة وفيها: «قُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ مِنْ شِيعَتِكُمْ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ويَقْطَعُ الطَّرِيقَ ويُخِيفُ السُّبُلَ ويَزْنِي ويَلُوطُ ويَأْكُلُ الرِّبَا ويَرْتَكِبُ الْفَوَاحِشَ ويَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ والصِّيَامِ والزَّكَاةِ ويَقْطَعُ الرَّحِمَ ويَأْتِي الْكَبَائِرَ، فَكَيْفَ هَذَا، ولِمَ ذَاكَ؟! فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، هَلْ يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أُخْرَى أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ومَا هُوَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، وأَجِدُ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ومُنَاصِبِيكُمْ مَنْ يُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ ومِنَ الصِّيَامِ ويُخْرِجُ الزَّكَاةَ ويُتَابِعُ بَيْنَ الْحَجِّ والْعُمْرَةِ ويَحْرِصُ عَلَى الْجِهَادِ ويَأْثَرُ عَلَى الْبِرِّ وعَلَى صِلَةِ الْأَرْحَامِ ويَقْضِي حُقُوقَ إِخْوَانِهِ ويُوَاسِيهِمْ مِنْ مَالِهِ ويَتَجَنَّبُ شُرْبَ الْخَمْرِ والزِّنَا واللِّوَاطَ وسَائِرَ الْفَوَاحِشِ فَمِمَّ ذَاكَ؟ ... فَإِذَا عُرِضَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ كُلُّهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: أَنَا عَدْلٌ لَا أَجُورُ، ومُنْصِفٌ لَا أَظْلِمُ، وحَكَمٌ لَا أَحِيفُ ولَا أَمِيلُ ولَا أَشْطُطُ، أَلْحِقُوا الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ الَّتِي اجْتَرَحَهَا الْمُؤْمِنُ بِسِنْخِ النَّاصِبِ وطِينَتِهِ، وأَلْحِقُوا الْأَعْمَالَ الْحَسَنَةَ الَّتِي اكْتَسَبَهَا النَّاصِبُ بِسِنْخِ الْمُؤْمِنِ وطِينَتِهِ، رُدُّوهَا كُلَّهَا إِلَى أَصْلِهَا»([17]).
وهذا لا شك أنه إغراء للشيعة بشرب الخمر، وأنه لا حد ولا شيء عليهم أبدًا...!!
سابعًا: المتواتر عن الصديق أنه كان من أعقل الناس، فكان المقرب من النبي في الغزوات، وثبت الله به الناس يوم موته، وكسر شوكة أهل الردة في خلافته.
ثامنًا: لو تنزَّلنا وقلنا بأنه شرب الخمر، فإما أنه تاب عن شربه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، أو لم يتب واستمر في شربه، فكيف يعقل أن يختاره النبي ق لأن يخلفه في إمامة الصلاة، واختاره الصحابة رضوان الله عليهم من بعده خليفة عليهم؟!
اقرأ أيضا| طعنهم في نسب الصديق.. رد مفصل على شبهات الشيعة
([1]) هكذا رواه الهيثمي في باب تحريم الخمر برقم: (2923) في كتاب كشف الأستار: (3/352)، العسل المصفى من تهذيب زين الفتى في شرح سورة هل أتى للعاصمي، أحمد بن محمد بن علي (2/136).
([2]) مسند البزار (14/72).
([3]) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/52).
([4]) الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (3/124).
([5]) مسند البزار (14/72).
([6]) صحيح البخاري (5/65).
([7]) سيرة ابن هشام (2/29) ت السقا.
([8]) فتح الباري، ابن حجر (10/37).
([9]) نوادر الأصول في أحاديث الرسول، الحكيم الترمذي (1/248 - 249).
([10]) مرويات ابن مردويه في التفسير من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة المائدة، شريف بن علي بن محمد بن جبريل (ص٣٦٤- ٣٨٢).
([11]) صحيح البخاري، (3/132)، صحيح مسلم (3/1570).
([12]) صحيح مسلم (3/1330).
([13]) تنقيح المقال في علم الرجال، المامقاني (2/570).
([14]) تنقيح المقال في علم الرجال (13/277).
([15]) تنقيح المقال في علم الرجال (13/279).
([16]) بحار الأنوار، المجلسي (27/314).
([17]) علل الشرائع، الصدوق (2/606 – 609).
لتحميل الملف pdf