شبهات وردود

زعم الشيعة مخالفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل السنة في طلاق الثلاث

الشبهة السابعة والسبعون

زعم الشيعة: مخالفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للسنة في طلاق الثلاث

 

محتوى الشبهة:

يزعم علماء الرافضة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالف الشرع في مسألة طلاق الثلاث، وابتدع في المسألة لما جعله نافذًا ثلاثًا، قال التيجاني: "ثم كانت خلافة عمر بن الخطاب نتيجة حتمية لذلك الاجتهاد؛ إذ أن أبا بكر اجتهد برأيه، وأسقط الشورى التي كان يستدل بها هو نفسه على صحة خلافته، وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي أُمور المسلمين، فأحل ما حرم الله ورسوله، وحرم ما أحل الله ورسوله"، ويقول في الهامش موضحًا كلامه: "كقضية إمضائه الطلاق الثلاث،صحيح مسلم باب الطلاق الثلاث، سنن أبي داوود (1/344)"([1]).

وهو يشير إلى ما رواه مسلم وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: كان طلاق الثلاث في زمن النبي صلى الله عليه وزمن خلافة أبي بكر وشطرًا من خلافة عمر-رضي الله عنهما-، يعتبر واحدةً، ثم لما رأى عمر بن الخطاب تساهل الناس في هذا الأمر العظيم، رأى أنه من المصلحة الشرعية إنفاذ الطلاق ثلاثًا تأديبًا وزجرًا وردعًا، قال ابن القيم: "وَلَكِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَهَانُوا بِأَمْرِ الطَّلَاقِ، وَكَثُرَ مِنْهُمْ إيقَاعُهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ فَرَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ عُقُوبَتَهُمْ بِإِمْضَائِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَوْقَعَهُ جُمْلَةً بَانَتْ مِنْهُ الْمَرْأَةُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحَ رَغْبَةٍ يُرَادُ لِلدَّوَامِ لَا نِكَاحَ تَحْلِيلٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِيهِ، فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ كَفُّوا عَنْ الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ هَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُمْ فِي زَمَانِهِ"([3]).

ثانيًا: قول ابن عباس: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، إخبارًا عن تغير فعل الناس لا عن تغير الحكم الشرعي، أي: أن الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يطلقون إلا تطليقة واحدة، فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه صاروا يطلقون الثلاث دفعة فأمضاه عمر عليهم؛ لإحداثهم لهذه البدعة.

فالحديث إخبار عن تغير حال الناس، وليس إخبارًا عن تغير تشريع ثابت.

قال الباجي: "مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُوقِعُونَ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَدَلَ إيقَاعِ النَّاسِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ أَحْدَثُوا فِي الطَّلَاقِ اسْتِعْجَالَ أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ كَانَ حَالُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَهُ، مَا عَابَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ"([4]).

وقال الزرقاني: "وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُوقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ثَلَاثًا كَانَ يُوقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ الثَّلَاثَ أَصْلًا، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا نَادِرًا، وَأَمَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا"([5]).

ثالثًاً: ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُعتبر من السياسة الشرعية لا من التشريع، وبينهما فَرْق، لذلك أقرّه الصحابة في وقته، ولم ينكروا عليه بدعوى أنه شرع حكمًا جديدًا، أو ناقض حكم الله تعالى، قال ابن القيم: "فَهَذَا مِمَّا تَغَيَّرَتْ بِهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَعَلِمَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حُسْنَ سِيَاسَةِ عُمَرَ وَتَأْدِيبِهِ لِرَعِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَوَافَقُوهُ عَلَى مَا أَلْزَمَ بِهِ، وَصَرَّحُوا لِمَنْ اسْتَفْتَاهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بُيِّنَ لَهُ، وَمَنْ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ جَعَلْنَا عَلَيْهِ لَبْسَهُ، وَاَللَّهِ لَا تَلْبِسُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ مِنْكُمْ، هُوَ كَمَا تَقُولُونَ"([6]).

رابعًا: ورد في كتب الرافضة ما يدل على أن المستخف بأمر الطلاق المتساهل فيه، تحسب له ثلاثًا، فقد روى الطوسي بإسناده عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه ‌السلام قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا؟ قال: إن كان مستخفًا بالطلاق ألزمته ذلك"([7]). والحديث قال عنه المجلسي: "مجهول، أو حسن"([8]).

فهل يقول الرافضة أن جعفر الصادق شرع حكمًا، أو خالف السنة في الطلاق؟ أم أن هذا من باب السياسة الشرعية لتأديب الناس وردعهم؟

خامسًا: ورد في كتب الرافضة أن طلاق الثلاث مطلقًا يقع ثلاثاً، فقد روى الطوسي بإسناده عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْبَقْبَاقِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "فَقَالَ لِي: ارْوِ عَنِّي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ"([9]).

والحديث حكم عليه المجلسي بقوله: "الحديث التاسع والمائة: موثق".

 ثم حاول إيجاد مخرج له؛ لأنه يخالف ما يقول به علماء الرافضة فقال:" قوله عليه السلام: فقد بانت منه أي: بثلاث فيحمل على التقية، أو على ما إذا كان المطلق مخالفًا، ويحتمل أن يكون المراد وقوع الطلاق والبينونة به، فيكون موافقًا لما مر من مذهب الشيخ وسائر الأخبار"([10]).

وما ذكره المجلسي مجرد احتمالات بعيدة يأباها النص، فلا يمكن أن يحمل على التقية، أو على ما إذا كان المطلق من المخالفين بقرينة قوله: "أرو عني"، فما الداعي أن يروى عنه هذا الأمر، ويشاع ويذاع إن لم يكن صحيحًا في نفس الأمر؟

سادساً: إن كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حسب زعم الرافضة خالف الشرع في أمر الطلاق، وخالف قول الله تعالى قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، فما جوابهم عما رواه الكليني بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطلاق الذي لا يحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فقال: أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي وأردت أن أطلقها، فتركتها حتى إذا طمثت وطهرت طلقتها من غير جماع وأشهدت على ذلك شاهدين، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها، وتركتها حتى إذا طمثت وطهرت، ثم طلقتها على طهر من غير جماع بشاهدين، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها حتى إذا طمثت وطهرت طلقتها على طهر بغير جماع بشهود وإنما فعلت ذلك بها أنه لم يكن لي به حاجة"([11]).

فالإمام الباقر كان يطلق هذه المرأة، ثم يراجعها ليطلقها بعد ذلك مرة أخرى، ويعترف بأنه لم يكن له فيها حاجة، مع أنه كان بالإمكان أن يطلقها في الأولى وتعتد ثم تبين منه بينونة صغرى ويفترقان، فلماذا كان يراجعها بعد الطلاق وهو لا ينوي أصلاً إبقائها؟ أليس في هذا إضرار بالمرأة ومخالفة للنص القرآني {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، والحديث حسنه المجلسي في (مرآة العقول) ([12]).

والإشكال الكبير في هذا الحديث جعل أحد علماء الرافضة يذهب إلى أنه موضوع مكذوب، قال التستري: "والدليل على وضعه أنه تضمن أن الباقر عليه السلام عمل ما هو منزه عن عمل مثله، فإن ما فيه ضرار نهى الله تعالى عنه...، ويدل على وضعه أيضًا سوى ما مرّ ما ذكر فيه من العلة من قوله (وإنما فعلت ذلك بها؛ لأنه لم يكن لي بها حاجة)، فكان يكفيه طلاق واحد، فالمرأة إذا لم ترد الرجل فليس بيدها نزع نفسها، وأما الرجل فإذا لم يرد المرأة جعل الله ذلك له نزعها منه بطلاق واحد"([13]).

فالباقر بحسب رواية الكافي، والتي حسنها المجلسي خالف الشرع في أمر الطلاق، وخالف السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يتجرأ الرافضة على الطعن فيه؟

والحمد الله رب العالمين

 

([1]) ثم اهتديت (167).

([2]) صحيح مسلم (2/1099، برقم 1472).

([3]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3 /35).

([4]) المنتقى شرح الموطأ (4 /4).

([5]) شرح الزرقاني على الموطأ (3/254).

([6]) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3 /35).

([7])تهذيب الأحكام (8 / 59).

([8]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار (13/120).

([9]) تهذيب الأحكام (8/ 59).

([10]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار (13 /120).

([11]) الكافي (6 /76).

([12]) مرأة العقول (21/ 128).

([13]) مستدرك الأخبار الدخيلة (3/ 307-308).


لتحميل الملف pdf

تعليقات