بعد يوم واحد من لقاء وزيري خارجية العراق وإيران في ميونيخ، و "استعراضهما سبل التعاون في مجال التحقيق" حول قضية مقتل الجنرال الإيراني الإرهابي قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، غادر نائب المدعي العام العراقي، ضاري جابر فرهود، إلى إيران للقاء مسؤولين قضائيين فيها، بحسب وكالة إرنا الإخبارية الإيرانية.
وبعد أن وجد النظام الإيراني نفسه عاجزا عن الرد على مقتل سليماني، اتجه إلى مناورة جديدة تحفظ ماء وجه خامنئي، حيث تعمل طهران على تشكل لجنة قانونية مشتركة مع بغداد لبحث سبل "مقاضاة الولايات المتحدة" على مقتل السفاح سليماني حسبما نشر موقع الحرة .
وتحاول طهران إقناع بغداد أن مقتل سليماني السفاح يأتي ضمن "التكاليف الباهظة التي تحملتها إيران جراء وقوفها مع الشعب العراقي"، بحسب مساعد وزير العدل الإيراني محمود عباسي الذي التقى نائب المدعي العام العراقي.
ويقول خبير القانون الدولي العراقي سامي محمد، لـ"موقع الحرة" إن "اللجوء للقانون أمر جيد دائما، وهو أفضل من اللجوء إلى القوة".
لكن محمد يستدرك أن إيران ستكون الخاسرة إذا ما لجأت للقانون الدولي لأن "الولايات المتحدة تقول إنها تمتلك أدلة على تورط سليماني الذي كان يزور العراق، وفصائل الحشد باستهداف منشآت ومصالح أميركية في العراق، على الرغم من الاتفاقيات مع الحكومة العراقية".
وكانت لإدارة الأميركية قد دعت العراق في أكثر من مناسبة إلى القيام بمهامه التي ينص عليها القانون الدولي والمتعلقة بحماية المنشآت الدبلوماسية والمصالح الأميركية في البلاد، خاصة أن وجود القوات الأميركية تم بطلب من الحكومة العراقية.
وتعتبر بغداد وطهران سليماني "الضيف الرسمي" للعراق، حيث كان يجري زيارات دورية لبحث سبل مواجهة الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اجتاحت شوارع المدن العراقية للمطالبة برحيل الطبقة السياسية وإنهاء النفوذ الإيراني.
ووبالنسبة للعراق، فإن اللجوء إلى القانون الدولي في مقتل سليماني قد يعرضه لمسؤوليات، حيث يقول محمد: أن العراق "سيجد نفسه مطالبا بدفع تعويضات للولايات المتحدة عن استهداف ضيفها سليماني وقواتها الأمنية الممثلة بالحشد، للمصالح الأميركية الموجودة في العراق بصورة رسمية وشرعية".
ونشر البيت الأبيض الجمعة الرسالة التي قدمها إلى الكونغرس الأميركي لشرح الأسباب التي دفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب لقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وجاء في الرسالة أن ترامب أمر بالضربة التي قتلت سليماني الشهر الماضي ردا على هجمات وقعت في الماضي استهدفت المصالح الأميركية وعرضت أرواح المواطنين للخطر.
ولكن هذا لا يبدو أنه يهم إيران، التي تعتبر إن الضربة "عمل خطير ارتكبته الإدارة الأميركية في وضع كان فيه سليماني ضيفا رسميا على العراق كدولة مستقلة ذات سيادة"، بحسب ما نقلته وكالة إرنا عن عباسي.
ويقول الصحفي العراقي سلام كويش "لا أعتقد إن سليماني كان يزور العراق بصفة رسمية أو اعتيادية، ولا أتصوره يدخل من بوابة المطار الرسمية مثل غيره من المسؤولين ويستخدم جواز سفره أو يقام له استقبال رسمي".
ويضيف كويش لـ"موقع الحرة" أن سليماني كان يلعب دورا سلبيا في العراق في حياته، ويبدو إن إيران مستمرة باستخدامه بنفس الاتجاه حتى بعد مقتله".
ويقول الصحفي العراقي أحمد السهيل في حديث مع "موقع الحرة" إن "إيران باتت تعمل بشكل صريح في العراق كمنطقة نفوذ معلنة، ليس الآن بل منذ تشكيل حكومة عبد المهدي (المستقيلة)، وعودة العقوبات الأميركية، وتريد ارسال رسالة إلى أميركا بانها أحكمت سطوتها على السياسية العراقية بشكل عام".
ويضيف السهيل "هي تستغل كل الملفات الممكنة، سواء ملف مقتل سليماني أو أي ملف آخر"، مبينا قوله: "كانت خارطة نفوذ إيران تتعلق ببعض القوى الشيعية، وباستطاعتها جمع أغلبية داخل الشيعة فقط، لكنها بعد نجحت في توسيع هذا النفوذ حتى بات يشمل قوى سنية عديدة وبعض القوى الكردية".
ونقلت وكالة إرنا عن المدير العام لحقوق الإنسان والتعاون الدولي بوزارة العدل العراقية كامل أمين هاشم، قوله بأنه "يمكن متابعة إجراءات الإدارة الأميركية بشأن اغتيال اللواء سليماني وأبو مهدي المهندس في المحاكم الأوروبية ومجلس الأمن، كما أن هذا العمل إجرامي ويمكن مقاضاته بموجب القانون المحلي الأميركي".
لكن السهيل يعتقد إن "كل تلك القضايا التي تركز عليها طهران لا تخرج عن إطار دفع الولايات المتحدة للعودة للمفاوضات".
ويؤكد لا "أعتقد أنها ذاهبة باتجاه تصعيد أو صدام مباشر، بل إنها تريد استخدام كل ما يمكن في سياق إعادة اميركا للمفاوضات، والتي تبدو متعنتة وتتصرف من مركز قوة ولم تعد تصغي للتهديدات الإيرانية".
وقتل سليماني في الثالث من يناير الماضي بضربة لطائرة أميركية بدون طيار استهدفت موكبه قرب مطار بغداد الذي وصله قادما من سوريا.
وقتل مع سليماني، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي الإرهابي أبو مهدي المهندس ومجموعة من مسؤولي التشريفات وضباط في الحرس الثوري الإيراني.
وتسببت الضربة برفع مستوى التوتر في المنطقة خشية الرد الإيراني على مقتل أهم ضباطها والمسؤول عن إدارة ميليشياتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وردت إيران على مقتل سليماني عبر إطلاق صواريخ باليستية استهدفت قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم جنودا أميركيين، وتسببت تلك الضربات في إصابة عشرات الجنود الأميركيين بآثار ارتجاجات في المخ، لكن لم تسفر عن مقتل أحد.