الشبهة الأولي
الطعن في نسب عمر بن الخطاب
من طعونات الشيعة الإمامية في الفاروق طعنهم في نسبه، واتهامه أنه أُتي من سفاح وزنا، واعتمدوا في هذا على كلام لهشام بن السائب الكلبي صاحب المثالب، قال ابن طاووس: "ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في أصل خليفتهم، وإن جدته صهاك الحبشية ولدته من سفاح يعنى من زنا، ثم يروون: أن ولد الزنا لا ينجب، ثم مع هذا التناقض يدعون أنه أنجب ويكذبون أنفسهم، ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفة، ثم شهدوا أنه ولد الزنا.
فمن روايتهم في ذلك: ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبى -وهو من رجالهم- في كتاب (المثالب)، فقال ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح: روى هشام عن أبيه قال: كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءت بـ(نفيل جد عمر بن الخطاب)"().
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: نسبه الصحيح كما ورد في الكتب المعتمدة، هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي أبو حفص.
وأمه: حنتمة بِنْت هاشم بْن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بِنْت هشام بْن المغيرة، فعلى هَذَا تكون أخت أَبِي جهل، وعلى الأول تكون ابْنَة عمه- قَالَ أَبُو عُمَر: ومن قَالَ ذَلِكَ- يعني بِنْت هشام- فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أَبِي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وَإِنما هِيَ ابْنَة عمهما، لأن هشامًا وهاشما ابني المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة، وهشام والد الحارث، وأبي جهل، وكان يُقال لهاشم جد عُمَر: ذو الرمحين.
وقَالَ ابْنُ منده: أم عُمَر أخت أَبِي جهل. وقَالَ أَبُو نعيم: هِيَ بِنْت هشام أخت أَبِي جهل، وَأَبُو جهل خاله. ورواه عَنِ ابْنِ إِسْحَاق. وقَالَ الزُّبَيْر: حنتمة بِنْت هاشم فهي ابْنَة عم أَبِي جهل- كما قَالَ أَبُو عُمَر- وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا.()
وكان من أشرف قريش وَإِليه كانت السفارة فِي الجاهلية، وذلك أن قريشًا كانوا إِذَا وقع بينهم حرب أَوْ بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرا، وَإِن نافرهم منافر، أَوْ فاخرهم مفاخر، رضوا بِهِ، بعثوه منافرًا ومفاخرًا ().
فهل يعقل أن قريشًا التي تهتم بأنسابها غاية الاهتمام تجعله سفيرًا ومفاخرًا، وهو مطعون النسب؟
ثانيًا: ليس هناك في كلام الكلبي المتقدم أيّ إشارة إلى أنّ أمّ عمر بن الخطاب قد أتت به من الزنا، بل غاية ما في النصّ: أنّ جدّ عمر بن الخطاب، وهو نفيل، كانت أمّه صهاك، فليس في كلام الكلبي أيّ شيء حول ولادة عمر نفسه من الزنا. على فرض التسليم، وإلا (صهاك) مجرد أسطورة نقلتها لنا كتب الرافضة ومن شابههم.
قال علي النمازي الشاهرودي: "صهاك الحبشيّة: هي أمة لعبد المطلب، فزنى بها نفيل فولدت الخطاب (والد عمر)، فوهبها عبد المطلب له بعد ما زنى بها، كما قاله زبير بن العوام ونقله سليم بن قيس.. فلما كبر الخطّاب زنى بأمّه الصهاك فولدت بنتا اسمها حنتمة. فلما كبرت عند من أخذها صغيرة خطبها الخطاب فولدت عمر"().
ومصدر كلام النمازي كما هو ظاهر كتاب (سليم بن قيس)، وهذا المصدر لا قيمة تاريخية له، وهو الموافق لرأي السيّد الخوئي في هذا الكتاب حيث يقول: "والصحيح أنّه لا طريق لنا إلى كتاب سُليم بن قيس المرويّ بطريق حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عنه، وذلك فإنّ في الطريق محمّد بن علي الصيرفي أبا سمينة، وهو ضعيفٌ كذاب"().
ومما يدل على تهافت قصة صهاك هذه، أننا لو قارنّا النصوص الواردة في شأنها، تجد أنّ صهاك مرةً أمة لهاشم بن عبد مناف، وأخرى أمةً لعبد المطلب، ومرّة هي أمّ عمر، وأخرى هي جدّته، ومرّة حملت بنفيل جدّ عمر، وأخرى حملت بالخطاب والد عمر، ففي المنقولات التاريخية هنا تهافتات تستحقّ التوقّف على أقل تقدير، إن لم نَقُل أن اضطرابها دليل على كذبها وتهافتها.
ثالثًا: لم يرشدنا الكلبي المتوفى عام 206 هـ إلى مصدر كلامه سوى والده محمّد بن السائب (146هـ). أما هشام فضعيف جدا، بل اتهم بالكذب، قال الذهبي: "وَلِهَذَا اسْتشْهد هَذَا الرافضي بِمَا صنفه هِشَام الْكَلْبِيّ فِي ذَلِك، وَهُوَ من أكذب النَّاس، وَهُوَ شيعي يرْوى عَن أَبِيه وَعَن أبي مخنف، وَكِلَاهُمَا مَتْرُوك كَذَّاب. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي هَذَا الْكَلْبِيّ مَا ظنت أَن أحدًا يحدث عَنهُ، إِنَّمَا هُوَ صَاحب سمر وَنسب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك"().
وعلماء الرافضة ينسبونه إليهم، قال أغا بزرك الطهراني: "هشام بن محمد بن السائب الكلبي النسابة كذا عبر النجاشي عنه، وقال إنه كان يختص بمذهبنا"().
وقال أبو القاسم النراقي: "هشام بن محمَّد بن السائب، أبو منذر، السائب، العالم بالأيّام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختصّ بمذهبنا"().
فكيف يقال بعد هذا أنه من رجال أهل السنة كما قال ابن طاووس؟!!!
وهشام ينقل الكلام عن أبيه محمد بن السائب، وهو مثله في الضعف أو أشدّ، قال فيه ابن معين: ليس بثقة. وقال الجوزجاني وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك. وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه"().
رابعًا: حاول بعضهم الاستناد إلى بعض القصص التي حصل فيها زواج بين بعض الأبناء وبين زوجات آبائهم، أو وراثة زوجة الأب في ضمن التركة بحيث تصل إلى الابن، وهذا شيء آخر غير الزنا، كما هو واضح؛ لأنّ التحريم نزل في الكتاب الكريم، وأجاز الإبقاء على ما سلف من نكاح ما نكح الآباء من قبل، أو إبطال أنكحة الجاهليّة، وإلا يلزم أن نتكلّم عن نسب أهل فارس، فإنّ المجوس كانت تجيز نكاح الأخ لأخته، فهل يجوز في شرع الله ودينه أن نتحدّث عن نسب ملايين المسلمين من أهل فارس بأنّهم أولاد زنا.
فقد جاء عن عبد الله بن سنان قال: قذف رجل رجلاً مجوسيًا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: مه، فقال الرجل: إنه ينكح أمه وأخته، فقال: ذلك عندهم نكاح في دينهم"().
بل الطعن في أنساب العرب في الجاهلية بمثل هذه الأمور يلزم منه الطعن في نسب رسول الله ، قال ناصر مكارم الشيرازي: "وفيه إشارة إلى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في الظاهر ولد في الجاهلية من غير المسلمين؛ وإن كان في اعتقادنا- في الواقع- مولوداً من الموحّدين المطهّرين والمطهّرات، فلو نسب الزنا إلى أولاد جاهلية العرب، دخل ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً"().
خامساً: لو كان عمر بن الخطاب ابن زنا، وكان هذا أمراً معروفاً، وصل بالاشتهار إلى الكلبي وغيره، لكان من الطبيعي أن يستخدم بقوّة من طرف مشركي قريش ضدّه للتشويه عليه بعد إسلامه، في مناخ ثقافة عربية تعنى بالأنساب، وتهتمّ بها أشدّ الاهتمام. بل لقد كان مناسباً أن يثار هذا الأمر ضدّه من قبل كلّ المخالفين له، بعد وفاة النبي ،
فكيف لم ترد هذه النصوص والحكايات عند أشدّ معارضيه، كالرافضة إلا في كتب مبعثرة ومتأخّرة زمناً فاقدة للأسانيد والمصادر الموثوقة، وكثير منها وجادات؟! ولماذا لم نجدها في الكتب الأربعة، أو في كتب الصدوق والمفيد والسيد المرتضى وغيرهم؟!
سادساً: كتاب (مثالب العرب) الذي يستدل به علماء الإمامية على قولهم هذا، هو نفسه الذي يقول أن عمار بن ياسر ابن زنا أيضًا، قال الكلبي: "باب أولاد الزنا الذين شرفوا من العرب ... و عمار بن ياسر مولى لأبي حذيفة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم، وأمّه سمية أمة لهم، وابنه محمد بن عمار اتّهمه المختار بن أبي عبيدة بامرأته أمّ ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري فقتله، وكانت تحت عمار ابنة سعيد بن حريث اخي عمرو بن حريث"().
فهل يقبل الرافضة أيضا أن عمار بن ياسر ابن زنا، كما قبلوا كلام الكلبي في نسب الفاروق؟
سابعاً: يكفي عمر بن الخطاب القرشي شرفًا أن النبيّ تزوج ابنته، وهو تزوج أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم،
أيقبل الرافضة أن يكون من هذا حاله صهرا لرسول الله ولعلي بن أبي طالب؟.
لتحميل الملف pdf