الشبهة السابعة والخمسون
إنكار الشيعة لحديث: "لو كان نبي بعدي لكان عمر"
محتوى الشبهة:
مما استنكره الرافضة: مما ورد في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب"، ورأوا أن هذا الحديث مما يخالف العقل والدين.
قال محمد المظفر:" يطلب منّا أن نروي ما يخالف العقل والدين، كالأخبار القائلة: «لو لم أبعث لبعث عمر» و« لو كان نبيّ بعدي لكان عمر»، المستلزمة لجواز بعثة من سبق منه الكفر"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الحديث الأول: "لو لم أبعث لبعث عمر"، الحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل"([2]) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخه" ([3])، وابن الجوزي في "الموضوعات"([4]): حدثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي، حدثنا مصعب بن سعيد أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن واقد، حدثنا حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر".
قال ابن عساكر: "وهذا بهذا اللفظ غريب، والمحفوظ ..."، ثم ذكر اللفظ الأول.
وهذا إسناد ضعيف جداً فيه:
عبد الله بن واقد الحراني وهو متروك الحديث، كبر فساء حفظه، وكان يدلس.
مصعب بن سعيد أبو خيثمة: وهو صدوق يخطئ، له مناكير، ويدلس.
ومتنه شاذ غير محفوظ.
أما الحديث الثاني: فقد أخرجه الترمذي بسنده عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب". قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان. والحديث فيه مقال وكلام بين أهل العلم، منهم من ضعفه كالإمام أحمد وغيره([5])، ومنهم من حسنه.([6])
ثانيًا: على فرض صحة الحديث، فإن فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه، وقد كان لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه فَضائلُ ومناقِبُ كثيرةٌ في الإسلامِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لو كان نَبِيٌّ بعدي"، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ النُّبوَّةَ قد خُتِمَتْ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّه آخِرُ الأنبياءِ، أما قوله: "لكان عُمَرَ بنَ الخطَّابِ"، أي: لكان أَوْلى النَّاس بها عُمَرُ؛ لِما كان له مِن عظيمِ فضلٍ وقوَّةٍ في الحقِّ، وفِقْهٍ بمُرادِ الشَّارعِ؛ فقد ثبَت عنه رضي الله عنه: أنَّه قد وافَق القُرآنَ في أكثرَ مِن مرَّةٍ، وله مِن الفضائلِ غيرها الكثيرُ.
ولا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، يقول اللكهنوي نقلا عن الخان: "ومضافاً إلى سخافة مضمون هذه الجملة وركاكتها، والتي لا يمكن إطلاق لفظ الحديث عليها، فإنّه يُبطل ترتيب هذه الطائفة لفضل الخلفاء، إلاّ أن يختلقوا لأبي بكر: (لو كان فيهما الهة لكان فلان)"([7]).
وهذا غير لازم، فمثل هذه الأمور لا تنبني على المقاييس أو التقديرات العقلية؛ فلو قدر أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر، وإذاً لهيأ الله لذلك أسبابه، ولجعل عمر رضي الله عنه أهلاً لذلك، ولكمل خصاله لتتأهل إلى مقام النبوة.
وأما تخصيص عمر رضي الله عنه بالذكر، قال المناوي رحمه الله: "قال ابن حجر: خص عمر بالذكر: لكثرة ما وقع له في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها، ووقع له بعده عدة إصابات"([8]).
ثالثًاً: يصور الرافضة أن استنكارهم لهذه الروايات فيه حفظ لمقام النبوة، في حين أننا نجدهم جعلوا من الأئمة أنبياء بالمعنى، وإن لم يطلقوا عليهم اللفظ، بعد أن عجزوا عن التفريق بين مقام النبوة والإمامة.
قال المجلسي: "ولا نعرف سبباً لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين بين النبوة والإمامة"([9]).
وهذا يثبت أن الأئمة أنبياء في المعنى والحقيقة، وقال علي الميلاني: "كان لعلي ولفاطمة وللحسنين سهم في تقدّم الإسلام، كان علي شريكاً لرسول الله في رسالته"([10]).
رابعاً: روى الرافضة في كتبهم نفس الحديث، لكنهم جعلوه في شأن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد روى الحر العاملي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: هل فيكم من قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولو كان نبيّ بعدي لكنته يا علي غيري؟"([11]).
وقال الخميني: "قال شيخنا وأستاذنا في المعارف الإلهية، العارف الكامل شاه آبادي، أدام الله ظله على رؤوس مريديه: لو كان علي عليه السلام ظهر قبل رسول الله صلى الله عليه وآله لأظهر الشريعة كما أظهر النبي صلى الله عليه وآله ولكان نبياً مرسلاً، وذلك لاتحادهما في الروحانية والمقامات المعنوية والظاهرية "([12]).
خامساً: ورد في كتب الرافضة أن المؤمن الفقيه الحليم كاد أن يكون نبيًّا، فقد روى الكليني بسنده عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه (عليهما السلام) قال: رفع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوم في بعض غزواته فقال: من القوم؟ فقالوا: مؤمنون يا رسول الله، قال: وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء"([13]).
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) دلائل الصدق لنهج الحق، محمد حسن المظفر (6/ 100).
([2]) "الكامل" (5/324).
([3]) "تاريخ ابن عساكر" (44/114).
([4]) "الموضوعات" (1/320).
([5]) المنتخب من علل الخلال (191).
([6]) انظر: الصحيحة، للألباني (327). صحيح وضعيف سنن الترمذي، الألباني (8/186).
([7]) شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص، حامد الهندي اللكهنوي (ص468).
([8]) فيض القدير، المناوي (5/325).
([9]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (2/290).
([10]) محاضرات في الاعتقادات، عليّ الميلاني (1/49).
([11]) إثبات الهداة، الحر العاملي (3/89).
([12]) مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، الخميني (ص 163).
([13]) الكافي، الكليني (2/48). وقال المجلسي عن الحديث: " الحديث الرابع: صحيح". مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (7 /297).
لتحميل الملف pdf