في قراءة تاريخية مفصلة للسيرة النبوية العطرة، استعرض الدكتور رامي عيسى، الباحث في الشأن الشيعي، المحطات المؤلمة والملهمة في رحلة النبي محمد ﷺ إلى الطائف، مؤكداً أنها كانت اختباراً عظيماً للصبر والثبات في مواجهة طغيان قريش وعنادها.
خروج النبي ﷺ إلى الطائف: الأسباب والدوافع
استهل الدكتور رامي عيسى حديثه بالدعاء قائلاً: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد".
وأوضح عيسى أنه "لما أوغلت قريش في كفرها وصدها وعنادها، وحاولت أن تطفئ نور الله سبحانه وتعالى، واشتد البلاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد وفاة أبي طالب، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم".
وحول اختيار الطائف تحديداً، أشار الباحث إلى أن النبي ﷺ قصدها "إما لأنها المركز الثاني للقوة والسيادة في الحجاز بعد مكة، أو لأن أخواله صلى الله عليه وسلم من جهة حليمة السعدية من هوازن، وكانوا يعيشون في الطائف".
وأضاف: "فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى الطائف ماشياً على قدميه، ومعه مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه".
لقاء سادة ثقيف وردودهم الصادمة
وعن كواليس اللقاء، ذكر د. رامي عيسى: "فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الطائف، عمد إلى ثلاثة إخوة وهم يومئذ سادة ثقيف ومن أشرافها، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام".
إلا أن ردود أفعالهم كانت قاسية؛ حيث قال أحدهم: "هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك!"، وقال الآخر: "أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟"، بينما قال الثالث: "والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك بالكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك".
رحيل مؤلم وأذى جسدي
وتابع عيسى سرد التفاصيل: "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من نصرة ثقيف وقال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، فلم يفعلوا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عشرة أيام، فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، وآذوه مع ذلك أشد الأذى ونالوا منه ما لم ينله قومه".
وأضاف: "وقالوا له اخرج من بلدنا، ووقف سفهاؤهم صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة رضي الله عنه يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى مكة محزوناً صلى الله عليه وسلم".
دعاء الاستضعاف ونزول ملك الجبال
وفي لحظة التجلي الإلهي، أورد الباحث دعاء النبي ﷺ المشهور: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
وعقب هذا الدعاء، "أرسل الله تبارك وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال يستأمره".
واستشهد عيسى بما أخرجه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألت النبي ﷺ عن أشد يوم مر عليه، فأجابها: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم".
واستطرد: "فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال يا محمد: فقال ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
العودة إلى مكة وجوار المطعم بن عدي
اختتم الدكتور رامي عيسى حديثه بالعودة إلى مكة، حيث دخلها النبي ﷺ "في جوار المطعم بن عدي، ولم ينس رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعروف للمطعم، فقال صلى الله عليه وسلم يوم بدر: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له".
وأوضح عيسى مكانة المطعم بن عدي نقلاً عن الإمام الذهبي: "هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة، وكان يحنو على أهل الشعب ويصلهم في السر، وهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة".
وفي خاتمة حلقته، شوّق الباحث الجمهور قائلاً: "ثم يأتي الإسراء والمعراج، وهذا الذي ستعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تبارك وتعالى فانتظرونا".
اقرأ أيضا| هل نداء «يا حسين» شرك؟.. رامي عيسى يوضح (فيديو)
لتحميل الملف pdf