الشبهة التاسعة
زعم الشيعة أن عائشة رضي الله عنها كانت ترفع صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
محتوى الشبهة:
قال محسن الخياط: "رَفع صوتِها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم!! [قال الإمام أحمد] حدثنا أبو نُعيم، حدثنا يونس، حدثنا العيزار بن حُريثٍ، قال: قال النعمان بن بشير: استأذن أبو بكرٍ على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: واللهِ لقد عرفتُ أنّ عَليّاً أحَبُّ إليكَ من أبي، مرّتين أو ثلاثاً، فاستأذن أبو بكرٍ، فدخلَ، فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة، ألا اسمعُكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم...
تعليق الأرناؤوط: إسناده حسن"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: الدافع لأم المؤمنين رضي الله عنها على ما فعلت هو الغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر طبيعي بين كل الأزواج.
ثانيًا: حصل قريب من هذا بين عليّ وفاطمة رضي الله عنهما حسب ما نقلته لنا كتب الرافضة.
قال المجلسي: "وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خط المصنف، مكتوبا على هامشها، بعد إيراد خطبتها صلوات الله عليها ما هذا لفظه: وجد بخط السيد المرتضى علم الهدى الموسوي قدس الله روحه؛ أنه لما خرجت فاطمة من عند أبي بكر ـ حين ردها عن فدك، استقبلها أمير المؤمنين فجعلت تعنفه، ثم قالت: اشتملت ... إلى آخر كلامها"([2]).
وقال التبريزي: "قولها (عليها السلام): (ومنك حاميًا)، أي: الله يقبل عذري أيضا في إساءتي إليك، وإيذائي إياك بالمخاطبة الخشنة، والمكالمة الغليظة في حال حمايتك عني، والحماية عن الرجل الدفع عنه.
[وفي بعض النسخ]: عذيري الله منك عاديًا ومنك حاميًا، أي: الله يقبل العذر، أو يقيمه من قبلي في إساءتي إليك حال صرفك المكاره، ودفعك الظلم عني، أو حال تجاوزك الحد في القعود عن نصري، أي: عذري في سوء الأدب وأنك قصرت في إعانتي والذب عني"([3]).
فهذه فاطمة تعنف زوجها رضي الله عنهما؟ فهل هذا يليق بمعصومين؟ وهل هذا التعنيف واللوم والتوبيخ كان برفع صوت أم لا؟
ثالثًا: رفع الصوت إن كان وجد من الصديقة عائشة رضي الله عنها، فقد وجد من علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفع الصوت، والراوي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه
روى الطحاوي بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "لَمَّا أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى أَقْدَمَ ابْنَةَ حَمْزَةَ، وَقَالَ: "أَنَا أَحَقُّ بِهَا تَكُونُ عِنْدِي؛ تَجَشَّمْتُ السَّفَرَ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي".
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "أَنَا أَحَقُّ بِهَا تَكُونُ عِنْدِي، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم"، وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "أَنَا أَحَقُّ بِهَا، لِي مِثْلُ قَرَابَتِكَ، وَعِنْدِي خَالَتُهَا، وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ"، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ". قَالَ عَلِيٌّ: فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِينَا قُرْآنٌ لِرَفْعِنَا أَصْوَاتَنَا"([4]).
فهل هذا يكون قادحا في عليّ رضي الله عنه أيضًا؟
رابعًا: إن كان رفع الصوت دليلا على سوء الأدب، فقد ورد في كتب الرافضة ما يدل على الثقة الجليل عندهم "زرارة بن أعين" رفع صوته في حضرة الإمام الباقر، ومع ذلك برر علماء الرافضة فعلته، واعتذروا له باعتذارات شتى.
فقد روى الكليني بسنده عن زرارة قال:" دخلت أنا وحمران - أو أنا وبكير - على أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار؟ قلت: التُرَّ ([5]) فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عز وجل: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}، أين المرجون لأمر الله؟ أين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ أين أصحاب الأعراف أين المؤلفة قلوبهم؟!!
وزاد حماد في الحديث قال: فارتفع صوت أبي جعفر (عليه السلام) وصوتي حتى كان يسمعه من على باب الدار.
وزاد فيه جميل، عن زرارة: فلما كثر الكلام بيني وبينه، قال لي: يا زرارة حقًّا على الله ألا يدخل الضلال الجنة"([6]).
فهذه الرواية تبين أن زرارة كان يجادل الإمام، بل وصل به الحال أن رفع صوته بحضرته حتى كان يسمعه من على باب الدار.
يقول المجلسي عن الحديث: "الحديث الثالث: حسن كالصحيح".
(فارتفع صوت أبي جعفر عليه السلام): هذا مما يقدح به في زرارة ويدل على سوء أدبه، ولما كانت جلالته وعظمته ورفعة شأنه وعلو مكانه مما أجمعت عليه الطائفة، وقد دلت عليه الأخبار المستفيضة، فلا يعبأ بما يوهم خلاف ذلك.
ويمكن أن يكون هذه الأمور هو في بدو أمره قبل كمال معرفته، أو كان هذا من طبعه وسجيته ولم يمكنه ضبط نفسه، ولم يكن ذلك لشكه وقلة اعتنائه، أو كان قصده معرفة كيفية المناظرة في هذا المطلب مع المخالفين، أو كان لشدة تصلبه في الدين وحبه لأئمة المؤمنين، حيث كان لا يجوز دخول مخالفيهم في الجنة"([7]).
فبعد أن اعترف المجلسي أن الرواية دالة على سوء أدب زرارة مع الإمام الباقر، حاول الاعتذار لفعله وذكر جملة من الاحتمالات.
وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني: "قوله (على سوء أدب زرارة وانحرافه) أما سوء الأدب فهو كذلك، وأما الانحراف فلا يدل كلامه عليه؛ إذ رب محب يطيش فيخرج عن الأدب لا عن الحب، وليس كل أحد معصومًا عن الزلل. أما رأيت ولدًا باراً بوالديه قد يتفق عند الغضب أن يخشن الكلام، ويهجر الوالد، ثم يندم من قريب ويعتذر، وروي من ابن عباس أشد من ذلك بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان تابعًا وليًّا له من أول عمره إلى آخره بعد ذاك العتاب وقبله، بل يدل هذا الحديث على أن زرارة مفرطًا في الولاية مبالغا فيه زائدا متجاوزًا عن الحد الذي كان يرضى به الإمام (عليه السلام)، وكان يرى أن كل متخلف عن أهل البيت كافر وردعه عنه الإمام (عليه السلام) بأن المستضعفين من الضلال في الجنة"([8]).
فالمحقق وإن نازع في دلالة الحديث على انحراف زرارة، لكنه لم يجد بدًا من الاعتراف بقلة أدبه.
لكنه حاول التبرير لفعل زرارة، والعجيب أنه جعل قلة الأدب هذه دليلاً على المدح، وعلامة على فرط المحبة والولاية لأهل البيت.
وما أجمل ما قال: (وليس كل أحد معصوما عن الزلل)؛ وهذا عين ما نقوله في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زوجاته الطاهرات رضي الله عنهم جميعًا.
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
-[1] الافصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسنن والصحاح، محسن الخياط (2/55).
-[2] بحار الأنوار، المجلسي (29/311).
-[3] اللمعة البيضاء، التبريزي الأنصاري (ص735).
-[4] شرح مشكل الآثار، الطحاوي (8 /93).
[5]- أي أنهم يضعون ميزاناً لتولي الناس والبراءة منهم وهو ما هم عليه من التشيع فمن استقام معهم عليه فهو ممن يتولونه ومن مال عنه وعدل فهو ممن يتبرئون منه، كائنا من كان.
-[6] الكافي، الكليني (2/382.(
-[7] مرآة العقول، المجلسي (11/107(.
-[8] شرح أصول الكافي، الملا صالح المازندراني (10/54).
لتحميل الملف pdf