أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم قول عائشة بوجود أخطاء في رسم القرآن

جاء في موسوعة الأسئلة العقائدية: «علماء المذاهب الأربعة نقلوا في كتبهم عدّة روايات تدلُّ على التحريف، منها: وقد سئلت عائشة عن اللحن الوارد في قوله تعالى: [إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ] {طه:63}، وقوله عزّ من قائل: [وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ] {النساء:162}، وقوله جلّ وعزّ: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ] {المائدة:69}.

فقالت: هذا من عمل الكتَّاب، أخطأوا في الكتاب، وقد ورد هذا الحديث بمعناه بإسناد صحيح على شرط الشيخين»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا: الرواية لا تصح.

رُوي هذا الأثر عن هشام بن عروة مِن طريقين:

1- أبو معاوية الضرير: أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، وسعيد بن منصور في تفسيره، والفراء في تفسيره، والطبري في تفسيره، وابن أبي داود في المصاحف([2]).

2- علي بن مسهر: أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة([3]).

وهذا الإسناد ساقط لعلتين:

الأولى: أبو معاوية الضرير: قَال ابن نمير: «كان أبو معاوية لا يضبط شيئًا من حديثه، وضبطه لحديث الأعمش كان يضطرب في غيره اضطرابًا شديدًا»([4]).

وَقال النسَائي: «ثقة في الأعمش»، وَقَال أبو داود: «قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم»([5])، وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: «أَبُو معاويةَ إِذَا جَاز حَدِيثَ الأَعْمَش كثُر خَطؤه، يخطئ عَلَى هِشَام بْن عروة»([6])، وَقَال ابن حجر: «ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره»([7]).

إذًا العلة في هذا الإسناد هي رواية أبي معاوية الضرير العراقي عن هشام، فأهل العلم أثبتوا أن رواية أبي معاوية عن غير الأعمش مضطربة وفيها أوهام.

وعلي بن مسهر: قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: «أما علي بن مسهر، فلا أدري كيف أقول، ثم قال: إن علي بن مسهر كان قد ذهب بصره، وكان يحدثهم من حفظه، وأنكر عليه حديثه عن هشام عن أبيه عن عائشة كان رسول الله ق إذا سمع المؤذن قال: «... وأنا...»، وقال: إنما هو عن هشام عن أبيه مرسل.

وذكر الأثرم أيضًا عن أحمد أنه أنكر حديثًا، فقيل له: رواه علي بن مسهر! فقال: «إن علي بن مسهر كانت كتبه قد ذهبت، فكتب بعد، فإن كان روى هذا غيره وإلا فليس بشيء يعتمد»([8]).

والعلة الثانية أن رواية العراقيين عن هشام بن عروة متكلم فيها:

قَال يعقوب بن شَيْبَة عن هشام: «ثبت، ثقة، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إِلَى العراق، فإنه انبسط فِي الرواية عَن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أن هشامًا يسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عَن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عَن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عَن أبيه، وَقَال عَبْد الرَّحْمَن بْن يُوسُف بن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقًا تدخل أخباره فِي الصحيح. بلغني أن مالكًا نقَم عليه حديثه لأهل العراق»([9]).

 فتحصل من ذلك أن رواية العراقيين عن هشام بن عروة متكلم فيها بمذمة، وهذا الحديث مروي من طرق العراقيين عن هشام بن عروة، فأبو معاوية كوفي، ورواية الكوفيين عن هشام فيها اضطراب.

قال أبو حيان في البحر: «وذكر عن عائشة وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح ذلك عنها؛ لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهور في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره»([10]).

ولو سلمنا -جدلًا- بأن هذه الروايات صحيحة، فإنها مخالفة للتواتر القاطع، ومعارض القاطع ساقط مردود، فلا يلتفت إليها، ولا يعمل بها.

ثانيًا: لو اعتبرنا صحة المنقول -جدلًا- فلا دلالة فيه على قضية التحريف

مجرد قولها ل -إن ثبت-: "إن هذا خطأ من الناسخ" لا يثبت التحريف، ولا تكون هي أصلًا بذلك قائلة بالتحريف؛ وذلك أن وقوع الغلط في الرسم لا يضر القراءة، فما المكتوب بالرسم إلا لمجرد الحفظ، وإلا فالقرآن مأخوذ بالسماع محفوظ بالصدور.

قال الشيخ محمد هادي معرفة – الشيعي-: «ليس وجود أخطاء إملائية في رسم المصحف الشريف بالذي يمسُّ كرامة القرآن:

أولًا: القرآن -في واقعه- هو الذي يُقْرأ، لا الذي يُكتب، فلتكن الكتابة بأي أسلوب، فإنها لا تضرُّ شيئًا ما دامت القراءة باقية على سلامتها الأولى التي كانت تقرأ على عهد الرسول وصحابته الأكرمين.

ولا شك أن المسلمين حافظوا علَى نصّ القرآن بلفظه المقروء صحيحًا، منذ الصدر الأوَّل إلى الآن، وسيبقى مع الخلود في تواتر قطعي.

ثانيًا: تخطئة الكتابة هي استنكار على الكتبة الأوائل: جهلهم أو تساهلهم، وليست قدحًا في الكتاب نفسه الذي [ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] {فصلت:42}.

ثالثًا: إن وجود الأخطاء باقيةً لم تتبدَّل يفيد المسلمين في ناحية احتجاجهم بها على سلامة كتابهم من التحريف عبر القرون؛ إذ إنها أخطاء إملائية لا شأن لها، وكان جديرًا أن تمدَّ إليها يد الإصلاح، ومع ذلك بقيت سليمة عن التغيير؛ تكريمًا بمقام السلف فيما كتبوه، فأجدر بنصّ الكتاب العزيز أن يبقى بعيدًا عن احتمال التحريف، والتبديل رأسًا.

وقلنا آنفًا: إن الحكمة في الإبقاء على تلكم الأخطاء كانت هي الحذر على الكتاب نفسه: ألَّا تمسّه يد سوء بحجّة الإصلاح، ومن ثم أصبحت سدًّا منيعًا دون أطماع المغرضين، وبذلك بقي كتاب الله يشقُّ طريقه إلى الأبدية بسلام»([11]).

ثالثًا: تصريح علماء الشيعة بالتحريف

إذا رجعنا إلى كتب الرافضة، وجدنا علماءهم يصرحون بوقوع التصحيف والتحريف في كتاب الله بمثل ما هو مذكور في الرواية محل الشبهة، فهذه التهمة ليست بجديدة على الرافضة؛ فهم في أصل عقيدتهم يعتقدون أن الأصحاب -رضوان الله عليهم- قد حرفوا القرآن وبدلوه!

جاء في «الكافي» عَن حَمَّادِ بْن عُثْمَان قَالَ: «تَلَوْتُ عِندَ أَبِي عَبْدِ اللهِ [ذَوَا عَدْلٍ]، فقال: «(ذو عدل منكم)، هذا مما أخطأ فيه الكتّاب»»([12])، وعلماء الشيعة مع هذه الرواية بين مصحح، ومحسن، وموثق، ومعتبر([13]).

ومن ذلك قوله تعالى: [قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ {الحجر:41} بفتح الياء في «عليَّ»، فادعى أحد علماء الرافضة أن هذا من التصحيف الذي وقع في كتاب الله، وأن الصواب «علِيٍّ» بالتنوين، أي عليّ بن أبي طالب.

قال المازندراني: «لعله إشارة إلى أن قراءة قوله تعالى في سورة الحجر [هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ] {الحجر:41} بتنوين صراط وفتح اللام في (علي) تصحيف، وأن الحق هو الإضافة وكسر اللام»([14]).

وروى الطبري الشيعي بسنده عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق جعفر بن محمد : «يا مفضل، كيف يقرأ أهل العراق هذه الآية؟ قلت: يا سيدي، وأي آية؟ فقال: قول الله تعالى: «ويستعجل بها الذين آمنوا بها والذين لا يؤمنون مشفقون منها».

فقلت: يا سيدي، ليس كذا نقرأ.

فقال: كيف تقرأ؟

فقلت: [يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ] {الشورى:18} فقال لي: ويحك! أتدري ما هي؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال: والله، ما هي إلا قيام القائم، وكيف يستعجل به من لا يؤمن به؟! والله ما يستعجل به إلا المؤمنون، ولكنهم حرفوها حسدًا لكم، فاعلم ذلك يا مفضل»([15]).

فانظر إلى التلاعب بآيات الله، واتهام الصحب الكرام -رضوان الله عليهم- بتحريف القرآن العظيم!

اقرأ أيضا| زعمهم تحريض عائشة على قتل عثمان بن عفان 

([1]) موسوعة الأسـئلة العقائدية، مركز الأبحاث العقائدية (3/96).

([2]) فضائل القرآن، أبو عبيد (ص287)، وسنن سعيد بن منصور، بداية التفسير، ت الحميد (4/1507)، وتفسير الطبري جامع البيان، ط هجر (7/680)، المصاحف، ابن أبي داود (ص129).

([3]) تاريخ المدينة، ابن شبة (3/1013).

([4]) تاريخ الخطيب (5/245).

([5]) التهذيب (9/139).

([6]) «سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل» (ص147).

([7]) تقريب التهذيب (ص475).

([8]) الضعفاء، العقيلي (3/251)، شرح علل الترمذي (2/583)، الجامع لعلوم الإمام أحمد – الرجال (18/292).

([9]) تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/239).

([10]) البحر المحيط في التفسير (4/134).

([11]) التمهيد في علوم القرآن، محمد هادي المعرفة (1/369).

([12]) الكافي، الكليني (15/474).

([13]) مرآة العقول، المجلسي (26/118)، شرح العروة الوثقى، محمد الجواهري (3/209)، كشف اللثام، المحقق الأصفهاني (1/397)، معجم الأحاديث المعتبرة، محمد آصف محسني (2/385)، البضاعة المزجاة، محمد حسين بن قارىاغدي (3/114)، شرح من لا يحضره الفقيه في روضة المتقين، محمد تقى المجلسي (4/463)، تقريرات الحج، محمد رضا الگلپايگاني (3/42)، فقه الصادق، محمد صادق الروحاني (11/96)، وغيرها كثير.

([14]) شرح أصول الكافي، الملا صالح المازندراني (7/91).

([15]) دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (ص451).


لتحميل الملف pdf

تعليقات