شبهات وردود

قول عائشة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألست تزعم أنك رسول الله؟"

الشبهة السابعة

قول عائشة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألست تزعم أنك رسول الله؟"

 

محتوى الشبهة:

من الشبهات حول أم المؤمنين رضي الله عنها، ما روي عنها من قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألست تزعم أنك رسول الله؟ أفلا عدلت؟، قال لطف الله الصافي تعليقًا على هذا الحديث: "أفيقاس من يرد على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة بغيرها من أمهات المؤمنين اللاتي لم يحفظ عنهن التاريخ دون ذلك. أتعرف في النساء الصحابيات من المهاجرات، والأنصار من خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمثل هذا الخطاب؟" ([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الحديث أخرجه أبو يعلى في (مسنده) من طريق سلمة بن الفضل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "وَكَانَ مَتَاعِي فِيهِ خَفٌّ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ نَاجٍ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ بَطِيءٍ يَتَبَطَّأُ بِالرَّكْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَوِّلُوا مَتَاعَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلِ صَفِيَّةَ، وَحَوِّلُوا مَتَاعَ صَفِيَّةَ عَلَى جَمَلِ عَائِشَةَ حَتَّى يَمْضِيَ الرَّكْبُ .

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا لَعِبَادِ اللَّهِ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم!! قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّه؛ إِنَّ مَتَاعَكِ كَانَ فِيهِ خَفٌّ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، فَأَبْطَأَ بِالرَّكْبِ، فَحَوَّلْنَا مَتَاعَهَا عَلَى بَعِيرِكِ، وَحَوَّلْنَا مَتَاعَكِ عَلَى بَعِيرِهَا.

 قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ أَفَلَا عَدَلْتَ؟ وَسَمِعَنِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ فِيهِ غَرْبٌ -أَيْ: حِدَّةٌ- فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَلَطَمَ وَجْهِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْلًا يَا أَبَا بَكْر، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْغَيْرَى لَا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلَاهُ" ([2]).

والحديث ضعيف، فيه علتان:

الأولى: عنعنة محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث إلا أنه مدلس، ويدلس عن الضعفاء والمجهولين، وقد عنعن.

قال ابن حجر: "محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، صاحب المغازي، صدوق، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما"([3]).

الثانية: سلمة بن الفضل الأبرش، وهو ضعيف، كثير الخطأ. قال ابن حبان: "يُخَالف ويخطىء"([4])، وقال ابن حجر: "صدوق كثير الخطأ"([5]).

 

ثانيًا: لو ثبت الحديث لكان يمكن حمله على غير المتبادر إلى الذهن؛ لأن كلمة (زعم) ليست خاصة بالتعبير عن الأمر المشكوك فيه، وإنما يستعملها العرب بمعنى: قال وأخبر.

ويدل على ذلك ما جاء في (صحيح مسلم)، من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ: صَدَقَ"([6]).

قال النووي: "وَقَوْلُهُ (زَعَمَ رَسُولُكُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ): فَقَوْلُهُ زَعَمَ وَتَزْعُمُ، مَعَ تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاه: دَلِيلٌ عَلَى أَنْ (زَعَمَ): لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا فِي القول المحقق، والصدق الذي لا شك فِيهِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ ...

وَقَدْ أَكْثَرَ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ إِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ، مِنْ قَوْلِهِ: زَعَمَ الْخَلِيلُ، زَعَمَ أَبُو الْخَطَّابِ؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ: الْقَوْلَ الْمُحَقَّقَق. وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٍ، عَنِ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ" ([7]).

وقال أيضا: "وروينا في الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: زعم جبريل كذا، وروينا في مسند أبي عوانة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: زعمنا أن سهم ذي القربى لنا، فأبى علينا قومنا، أي: قلنا واعتقدنا.

وروينا في حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة، وزعم أن علينا الزكاة، وزعم كذا وكذا" الحديث. وزعم في كل هذا بمعنى: قال، وليس فيها تشكك، وقد أكثر سيبويه رحمه الله تعالى في كتابه الذي هو قدوة أهل العربية من قوله زعم الخليل كذا، وزعم أبو الخطاب وهما شيخاه، ويعني: بزعم قال" ([8]).

ثالثاً: إن كان الزعم مطلقًا يراد به التشكيك والتكذيب، فهذا زرارة إذن يشكك في صدق جعفر الصادق.

روى الكليني بسنده عنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: "سَأَلَ زُرَارَةُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -عليه‌ السلام- عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّعَالِبِ وَالْفَنَكِ وَالسِّنْجَابِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوَبَرِ؟ فَأَخْرَجَ كِتَاباً زَعَمَ أَنَّهُ إِمْلَاءُ رَسُولِ اللهِ صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم: «أَنَّ الصَّلَاةَ فِي وَبَرِ كُلِّ شَيْ‌ءٍ حَرَامٍ أَكْلُهُ، فَالصَّلَاةُ فِي وَبَرِهِ وَشَعْرِهِ وَجِلْدِهِ وَبَوْلِهِ وَرَوْثِهِ وَكُلِّ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ فَاسِدَةٌ، لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الصَّلَاةُ حَتّى تُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا أَحَلَّ اللهُ أَكْلَهُ» ([9]). قال عنه المجلسي: "الحديث الأول: حسن" ([10]).

فهل زرارة شكك في صدق جعفر الصادق أو كذّبه؟ أم المراد بالزعم معنى آخر؟

 

رابعاً: ورد في كتب الرافضة أن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعدل، وأنت نبي؟ فلم يترتب أي تكفير، أو مطعن على قولها هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل أخبرت الرواية أنها اختارت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية التخيير.

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إن زينب بنت جحش قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: لا تعدل وأنت نبي، فقال: تربت يداك إذا لم أعدل فمن يعدل؟! فقالت: دعوت الله يا رسول الله ليقطع يدي؟ فقال: لا، ولكن لتتربان، فقالت: إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله تسعًا وعشرين ليلة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فأنف الله عز وجل لرسوله فأنزل {وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} الآيتين، فاخترن الله ورسوله فلم يك شيئًا، ولو اخترن أنفسهن لبن"([11]). وقال عنه المجلسي: "الحديث الخامس: موثق" ([12]).

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد

وعلى آله وأصحابه أجمعين

 

[1]- صوت الحق ودعوة الصدق، لطف الله الصافي، (ص 53).

[2]- مسند أبي يعلى الموصلي (8/ 129).

[3]- طبقات المدلسين، ابن حجر (ص51).

[4]- الثقات، ابن حبان (8/287).

[5]- تقريب التهذيب، ابن حجر (ص2505)، والحديث ضعفه البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"، (3/154)، والعراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1/391) ، وقال المعلمي اليماني في "الأنوار الكاشفة"، (1/245): "حديثٌ منكر"، وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة"، (2985).

[6]- صحيح مسلم (1/ 41).

[7]- شرح صحيح مسلم، النووي (1/170).

[8]- تهذيب الاسماء واللغات، النووي، (3 / 134).

[9]- الکافی، الكليني، (6/392).

[10]- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي، (15/ 308).

[11]- الكافي، الكليني، (6 / 139).

[12]- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول-المجلسي (21/ 232).


لتحميل الملف pdf

تعليقات