شبهات وردود

زعم الشيعة أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله ولا تقل إلا حقًا"

الشبهة التاسعة والعشرون

زعم الشيعة: أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله ولا تقل إلا حقًا"

 

محتوى الشبهة:

قال علي الميلاني: "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المَثَل الأعلى للين العريكة في سيرته الغرّاء، وتلاحظ ذلك جليّاً في عشرته مع عائشة. فبالرغم من إيذائها للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وتجاسرها على مقامه الأعظم كان صلى الله عليه وسلم ليّناً معها، معاشراً عشرة الحسنى قبالها. حتّى أنّها تحاكمت مرّةً مع الرسول- صلى الله عليه وسلم عند أبيها أبي بكر، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلّم: قُل ولا تقل إلّا حقّاً!".([1])

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: هذا الحديث رواه أبو عمر بن حيويه في "الثالث من مشيخته" فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ نَصْرٍ الْفَرَائِضِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخُشُوعِيُّ، سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلامٌ، فَقَالَ لَهَا: (مَنْ تَرْضَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟ أَتَرْضَيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَتْ: لا أَرْضَاهُ؛ عُمَرُ غَلِيظٌ، فَقَالَ: أَتَرْضَيْنَ بِأَبِيكِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.

قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ، فَقَالَ: وَإِنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا، وَمِنْ أَمْرِهَا كَذَا. قَالَتْ: قُلْتُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا. قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَرَثَمَ بِهِ أَنْفَهَا، وَقَالَ: أَنْتِ لا أُمَّ لَكِ، يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ تَقُولِينَ الْحَقَّ وَأَبُوكِ، وَلَا يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! قَالَتْ: فَابْتَدَرَتْ مِنْخَرَاهَا كَأَنَّهَا غَزْلا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: (الْبَيْتَ).

وَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِهَا، فَقَامَتْ هَارِبَةً مِنْهُ، فَلَزِقَتْ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ، لَمَّا خَرَجْتَ، فَإِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِهَذَا)، فَلَمَّا خَرَجَ قَامَتْ فَتَنَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهَا: (ادْنُ مِنِّي). فَأَبَتْ أَنْ تَفْعَلَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهَا: (لَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ هَذَا شَدِيدَةَ اللُّزُوقِ بِظَهْرِي)". ([2])

القصة بهذا التفصيل، خاصة القول المزعوم أن عائشة أم المؤمنين قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله ولا تقل إلا حقا» لا يثبت، لأمرين:

1- مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخُشُوعِيُّ لم أجد له ترجمة.

2- عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ هو من أتباع التابعين، متوفى عام 180هـ، فلم يدرك أحدًا من الصحابة، ولا يمكن أن يسمع عائشة، فهذا الإسناد فيه سقط، فهو خطأ.

وهناك طريق أخرى لهذا الحديث:

قال ابن أبي الدنيا: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ عَائِشَةَ بَعْضُ عِتَابٍ…الخ".([3])

وهذا السند لا يصح أيضا لأمرين:

1- محمد بن الزبير الحنظلي. قال أبو حاتم: ليس بالقوي، في حديثه إنكار. وقال البخاري: منكر الحديث وفيه نظر. وقال ابن حجر: متروك.

2- الانقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعائشة.

ثانيًا: الصحيح في سياق هذه القصة، ما رواه أحمد في مسنده عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: " جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: (أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ)، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: "يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا".([4])

وصححه محققو المسند، وكذا صححه الألباني.([5])

وهذه الرواية الصحيحة ليس فيها هذه اللفظة المنكرة عن عائشة رضي الله عنها.

ثالثًاً: لو صحت الرواية، وكانت مطعنا في عائشة رضي الله عنها؛ لأنها طلبت من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول الحق، فما قولهم فيما ورد في كتبهم أن زينب بن جحش رضي الله عنها، اتهمت النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدم العدل.

فقد روى الكليني بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن زينب بنت جحش قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعدل وأنت نبي، فقال: تربت يداك إذا لم أعدل فمن يعدل؟! فقالت: دعوت الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقطع يدي؟ فقال: لا، ولكن لتتربان، فقالت: إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين ليلة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فأنف الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، فأنزل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [سورة الأحزاب:28-29]. الآيتين، فاخترن الله ورسوله فلم يك شيئاً ولو اخترن أنفسهن لبن".([6])

والحديث قال عنه المجلسي:"موثق".([7])

فهل يحكمون بالكفر على زينب بنت جحش رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وخاصة أنهم يسلمون أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوجها بوحي من الله تعالى.

قال فوزي آل سيف: "نعم، لو ثبت بدليل معتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره الله -من خلال الوحي- بأن يتزوج امرأة أو يتركها، لجهة من الجهات (كما حصل بالنسبة لزينب بنت جحش في قضية زيد بن حارثة)، نقبله ونسلم به لكن هذا هو الاستثناء، وليس الأصل"([8]).

والحمد الله رب العالمين

 

[1]-  أخلاق أهل البيت عليهم السلام- علي الحسيني الميلاني- (ص 156).

[2]-  الثالث من مشيخة ابن حيويه- (ص 16).

[3]-  النفقة على العيال- ابن أبي الدنيا- (2/ 760).

[4]-  مسند أحمد – (30/ 342).

[5]-  سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها- الألباني- (6/ 944).

[6]-  الكافي- الكليني- (6/ 139).

[7]-  مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول-المجلسي- (21/232).

[8]-  أعلام من الأسرة النبوية- فوزي آل سيف- (ص 293).


لتحميل الملف pdf

تعليقات