روى البخاريُّ عن هشامِ بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت عنه : «أُرِيتُكِ فِي الْمَنامِ مَرَّتَيْن، أَرَى أَنكِ فِي سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنهَا، فَإِذَا هِيَ أَنتِ، فَأَقُولُ: إِن يَكُ هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ»([1]).
وروى مسلم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله : «أُرِيتُكِ فِي الْمَنامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَني بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَن وَجْهِكِ فَإِذَا أَنتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِن يَكُ هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ»([2]).
وروى الترمذي وابن راهويه، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: «جَاء بي جبرائيل إلى رسول الله في خرقة حرير خضراء، فقال: «هذه زوجتك في الدنيا والآخرة»([3]).
قالت الشيعة تعليقًا على تلك الأحاديث: «إن أمارات الوضع على هذه الأحاديث لائحة؛ إذ تكفينا هذه التباينات التي صدرت من عائشة، فتارة تزعم أن النبي رآها (مرَّتين) كما في رواية البخاري؛ وأخرى أنه رآها (ثلاث ليال) كما في رواية مسلم! وتارة تزعم أن خرقة الحرير كانت (بيضاء) كما في رواية البخاري ومسلم، وأخرى أنها كانت (خضراء) كما في رواية الترمذي وابن راهويه.
ومن أمارات الوضع على هذا الخبر: ذيله الذي جاء فيه: «فأقول: إن يك هذا من عند الله يُمضه»، ولا معنى لهذه العبارة سوى أن النبي الأعظم ق كان شاكًّا في أن هذه الرؤيا التي رآها كانت من الله أم من الشيطان، فإن كانت من الله فإن الله سيُمضي إرادته فيتحقق الزواج بعائشة، وأما إن لم تكن فلا، ومن المحال أن يشك النبي ق بما يراه في المنام؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، والإجماع قائمٌ على أن رؤيا الأنبياء - -كلها حق، فلا يُعقل أن يشك نبي بذلك، فكيف بسيد الأنبياء ق؟!
وعليه؛ فلو صدَّقنا عائشةَ في خبرها الركيك هذا؛ لفتحنا باب الطعن في نبوة خاتم الأنبياء ق؛ لأن النبي الذي يشك فيما يراه في المنام ليس بنبي، ومهما يكن فإن هذه الأحاديث فاقدة للاعتبار، كونها مروية عن المستفيدة منها»([4]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: اختلاف العدد لا يسقط الخبر.
ظن المعترض بجهله أن اختلاف الرواة في عدد الرؤية يبطل الرواية أو يطعن في الراوي، وهذا لم يقل به أحد قط، لا من السنة ولا من الشيعة؛ إذ نصَّ العلماء على أن الشك أو الوهم إذا وقع من الراوي ولم يَكثر، فلا يكون طعنا في الراوي ولا يبطل الرواية، إلا إذا عارضت نصًّا صحيحًا.
وأما ما ذُكر من أن رواية البخاري اقتصرت على مرتين، ورواية مسلم ذكرت ثلاث مرات، فهذا يرجع إلى يقين المحدث فيما أخذه عن الراوي؛ إذ إن أكثر طرق الحديث قد ذكرت الرؤية مرتين، فاقتصر البخاري على ما تيقنهُ، ولما تيقن مسلم من رواية الثلاث ذكرها، وهذا ما ذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح»؛ حيث قال: «وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عِندَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: (الْمَنامُ ثَلَاثُ لَيَالٍ) فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَهَا؛ لِأَن الْأَكْثَرَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ (مَرَّتَيْن)، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِن رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْن إِدْرِيسَ، وَأَبُو عَوَانةَ مِن رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمِن رِوَايَةِ يُونسَ بْن بُكَيْرٍ وَمِن رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن الْمُخْتَارِ، كُلُّهُمْ عَن هِشَامِ بْن عُرْوَةَ جَازِمِين بِمَرَّتَيْن، وَمِن رِوَايَةِ حَمَّادِ بْن سَلَمَةَ عَن هِشَامٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: «مَرَّتَيْن أَوْ ثَلَاثًا» بِالشَّكِّ، فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُون الشَّكُّ مِن هِشَامٍ، فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْمُحَقَّقِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْن) وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ عِندَهُ بِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمُفَسَّرَةِ، وَحُذِفَ لَفْظُ ثَلَاثٍ مِن رِوَايَةِ حَمَّادِ بْن زَيْدٍ؛ لِأَن أَصْلَ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ»([5]).
وقد جاء لفظ الثلاث أيضًا عند البيهقي([6]).
وعليه؛ فإذا كان أصل الحديث ثابتًا فلا يضره ذلك.
ثانيًا: عدم المعارضة بين المرتين والثلاث.
القاعدةُ أن إثبات الشيء لا ينفِي ما عداه إلا عند المعارضة على وجه التضاد واستحالة الجمع، وذكِرُ الأقل لا ينفي ذكر الأعلى، فإذا علم البخاري وذكر رواية الرؤية مرتين، فلا ينفي ذلك ذكر مسلم لرواية الثلاث، ولعل النبي ق ذكر لأم المؤمنين أنه رآها مرتين، ثم ذكر لها أنه رآها ثلاث مراتٍ، فحدَّثت بهذا مرة، وحدثت بهذا مرة، وهذا يقع كثيرًا، ومعلوم عند أهل العلم.
ومن ذلك مثلًا: حديث الخصائص التي اختص بها النبي ق من دون الأنبياء، ففي بعض الروايات قال ق كما عند البخاري ومسلم: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُن أَحَدٌ مِن الأَنبِيَاءِ قَبْلِي..»([7])، وعند مسلم: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنبِيَاءِ بِسِتٍّ»([8]).
فهل هذا الاختلاف يعني الطعن في الروايات؟! هذا لا يقوله إلا جاهل أحمق.
ومن ذلك أيضًا قوله : «اجْتَنبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»([9]).
فمفهوم العدد هنا: أنه ليس هناك كبائر إلا هذه السبع، وأن ما عداها ليس من الموبقات، غير أنه وردت نصوص تدل بمنطوقها على زيادة الكبائر عن السبع، وأنها لا تنحصر في هذا العدد.
قال الشيخ الشنقيطي: «التَّحْقِيقُ أَنهَا لَا تَنحَصِرُ فِي سَبْعٍ، وَأَن مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِن الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنهَا سَبْعٌ لَا يَقْتَضِي انحِصَارَهَا فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ؛ لِأَنهُ إِنمَا دَلَّ عَلَى نفْيِ غَيْرِ السَّبْعِ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَالْحَقُّ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ»([10]).
قلت: وعليه فذكر العدد (اثنين) في رواية البخاري لا يُفهم منه أن الرؤية كانت مرتين فقط، وهذا عند من ألغى مفهوم العدد وعند من اعتبره، فأما الأولُ فواضحٌ، وأما الثاني فإن من اعتبره استثنى منه ما دلت القرينة اللفظية أو السياقية أو الخارجية على عدم انتفاء الحكم عما عداه، ولفظ مسلم قرينة لفظية تنفي مفهوم العدد عند القائلين به، وبه يثبت المطلوب.
ثالثًا: الكذب في التخريج والإحالات.
قول الرافضي: «وتارة تزعم أن خرقة الحرير كانت (بيضاء) كما في رواية البخاري ومسلم، وأخرى أنها كانت (خضراء) كما في رواية الترمذي وابن راهويه».
7 قلت: هذا كذب على الصحيحين، وخلْط للفظ رواية الترمذي مع روايات البخاري ومسلم، فقد زعمَ الخبيثُ كَذِبًا أن رواية البخاري ومسلم ذكرتا أن الخرقة كانت (بيضاء)؛ مع أن هذا اللفظ أو تحديد اللون بالبياض غير وارد لا في روايات الصحيحين ولا في غيرهما، والعرب تفرق بين لفظ «سرقة حرير» و«خرقة حرير»؛ حيث إن أصل كلمة «سَرقة» هي الجيد من الثياب، كما قال أبو عبيدة في لسان العرب: «هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَصْلُهُ سَرَهْ أَيْ جَيِّدٌ»([11]).
وقد نقل ابن منظور أقوال أهل اللغة، ومنهم أبو عبيدة الذي قال: «إن السرقة من الحرير لا تكون إلا بيضاء»، ولم أجد أحدًا غيره من أهل اللغة قال مثله.
وعليه؛ فالحديث إذا ذكر لفظة «خضراء» كما عند الترمذي عَن عَائِشَةَ: «أَن جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النبِيِّ ق فَقَالَ: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ»»([12]).
فهذا حاكم على رواية الصحيحين المطلَقة، وحاكم على كلام أبي عبيدة، ثم إن أبا عبيدة يحكي عما يعلم من حال الدنيا، أما الرؤيا فكانت تحكي عن سرقة حرير جاء بها جبريل S، فلا يبعد أن تكون مختلفة عما هو معلوم في الدنيا، مع ملاحظة أن لفظ الحديث الذي ذكر اللون الأخضر لم يأت قط بلفظ «سرقة حرير» وإنما قال: «خرقة حرير» والخرقة من الحرير قد تكون بيضاءَ أو خضراءَ أو غير ذلك، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الحرير الأخضر فقال: [ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ] {الإنسان:21} فالعرب إذًا تعرف الحرير الأخضر، بل كانوا يلبسونه كما ذكر ابن عبد ربه: «خرج المأمون في يوم عيد، وقد ركب الجند أمامه، ومعه يحيى بن أكثم يضاحكه ويحادثه؛ وإذ نظر إلى غلام من الجند في غاية الفراهة، عليه ثوب حرير أخضر»([13]).
وقال النحاس: «يقال: هذا سندس أخضر، كما يقال: هذا حرير أخضر»([14]).
وهناك وجه أظهر للجمع بين الروايات، وهو أن جبريل S جاءه بها مرة أو مرتين بسرقة حرير بيضاء، ومرة أخرى بخرقة حرير خضراء.
رابعًا: قوله: «من أمارات الوضع على هذا الخبر ذيله الذي جاء فيه: «فَأَقُولُ: إِن يَكُ هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ» ولا معنى لهذه العبارة سوى أن النبي الأعظم ق كان شاكًّا في أن هذه الرؤيا التي رآها كانت من الله أم من الشيطان».
قلت: فهلَّا قرأ الرافضة قول الله تعالى: «فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ] {يونس:94} فهل كان النبي في شك مما أنزل إليه؟!
أم أن هذا أسلوبُ تجاهُلِ العَارِف الذي يسمَّى عند العرب: «مَزْج الشكِ باليقين»، ومنه قوله تعالى: [ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] {الأنبياء:111} فهنا صورة الشك متحققة، ولكنه ق لم يتشكك في شيء من ذلك قطعًا، ولذلك قال الكِرْمَاني في شرحِه على البخاري: «فعبَّر عما علمه بلفظ الشك ومعناه اليقين، إشارةً إلى أنه لا دخل له فيه، وليس ذلك باختياره ولا في قدرته»([15]).
وقال ابن الملقن: «وهذِه الرؤيا يُحتمل أن تكون قبل النبوة في وقت يجوزُ عليه رؤيا سائرِ البشر، فلما أوحى إليه خلص رؤياه من الأضغاث، وحرسه في النوم كما حرسه في اليقظة، وجعل رؤياه وحيًا، قاله ابن بطال أولًا، ثم قال: ويحتمل أن تكون بعده، وبعد العلم بأن رؤياه وحي، فعبر عما علم بلفظ يوهم الشك ظاهره ومعناه اليقين، وهذا موجود في لغة العرب، أن يكون اللفظ يخالف معناه كما قال ذو الرمة:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
وبين النقا هل أنت أَمْ أُمُّ سالم؟
ولم يشك قطعًا أن الظبيةَ ليست بأم سالم، وكما قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راحِ؟
فعبر عما هو قاطع عليه وعالم به بلفظٍ ظاهرُه الشك، والمسألة عما لا يقطع عليه، فكذلك قوله ق: «إِن كَان هَذَا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ»، وقد علم أنه كان من عنده لا محالة»([16]).
وقال ابن حجر: «قَوْلُهُ: (يُمْضِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُون ذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَإِن كَان بَعْدَهَا فَفِيهِ ثلاثة احْتِمَالَاتٍ:
أَحَدُهَا: التَّرَدُّدُ هَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ؟
ثَانيهَا: أَنه لفظ شكّ لا يرادُ بِهِ ظَاهِرُهُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّحَقُّقِ، وَيُسَمَّى فِي الْبَلَاغَةِ: مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِين.
ثَالِثُهَا: وَجْهُ التَّرَدُّدِ، هَلْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَقِيقَتِهَا، أَوْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ لَهَا تَعْبِيرٌ؟ وَكِلَا الْأَمْرَيْن جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنبِيَاءِ.
قُلْتُ: الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ عَن ابْن الْعَرَبِيِّ، ثُمَّ قَال: «وَتَفْسِيرُهُ بِاحْتِمَالِ غَيْرِهَا لَا أَرْضَاهُ، وَالْأَوَّلُ يَرُدُّهُ أَن السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنهَا كَانتْ قَدْ وُجِدَتْ؛ فَإِن ظَاهِرَ قَوْلِهِ: «فَإِذَا هِيَ أَنتِ» مُشْعِرٌ بِأَنهُ كَان قَدْ رَآهَا وَعَرَفَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْوَاقِعُ أَنهَا وُلِدَتْ بَعْدَ الْبعْثَةِ.
وَيَرُدُّ أوَّلَ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ رِوَايَةُ بن حِبَّان فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ: «هِيَ زَوْجَتُكُ فِي الدُّنيَا وَالْآخِرَةِ» وَالثَّاني بَعِيدٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ»([17]).
قَالَ الطِّيبِيُّ: «هَذَا الشَّرْطُ مِمَّا يَقُولُهُ الْمُتَحَقِّقُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ الْمُدِلُّ بِصِحَّتِهِ، تَقْرِيرًا لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ وَتَحَقُّقِهِ، وَنحْوُهُ قَوْلُ السُّلْطَان لِمَن تَحْتَ قَهْرِهِ: إِن كُنتَ سُلْطَانا انتَقَمَتْ مِنكَ: أَيِ السَّلْطَنةُ مُقْتَضِيَةٌ لِلِانتِقَامِ»([18]).
خامسًا: قوله: «ومهما يكن فإن هذه الأحاديث فاقدة للاعتبار، كونها مروية عن المستفيدة منها».
وهذا جهلٌ عميقٌ([19])؛ فقد رُوي هذا عن ابن عباس ب كما عند أبي نعيم بسنده عَن ابْن عَبَّاسٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى النبِيِّ ق قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِمَكَّةَ نزَلَ جِبْرِيلُ بِصُورَةِ عَائِشَةَ فِي سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ خَضْرَاءَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ عَائِشَةُ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنيَا، وَزَوْجَتُكَ فِي الْآخِرَةِ، عِوَضًا عَن خَدِيجَةَ بِنتِ خُوَيْلِدٍ»([20]).
والرواية عند الطبراني بلفظ: «أَتَى بِهَا جِبْرِيلُ S فِي سَرَقَةٍ حَرِيرٍ قَبْلَ أَن تُصَوَّرَ فِي رَحِمِ أُمِّهَا، فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ عَائِشَةُ بِنتُ أَبِي بَكْرٍ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنيَا وَزَوْجَتُكَ فِي الْجَنةِ، عِوَضًا مِن خَدِيجَةَ بِنتِ خُوَيْلِدٍ وَذَلِكَ عِندَ مَوْتِهَا، فَسُرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ ق وَقَرَّ بِهَا عَيْنا»([21]).
فانتفى التفردُ إذًا، ولو سلمنا بتفرد أم المؤمنين عائشة ل بتلك الرواية لما ضرنا ذلك؛ إذ إنه لا يرُدُّ رواية الصحابة فضلًا عن أكابرهم إلا المبتدعة، فضلًا عن السبئية!
([1]) صحيح البخاري (7/5) (ح5078).
([2]) صحيح مسلم (7/134) (ح2438).
([3]) سنن الترمذي (5/704) (ح3880).
([4]) الفاحشة، ياسر الحبيب (ص226 - 227).
([5]) فتح الباري، ابن حجر (12/400).
([6]) السنن الكبرى، البيهقي (7/137).
([7]) صحيح البخاري (1/95)، صحيح مسلم (1/370).
([8]) صحيح مسلم (1/371).
([9]) صحيح البخاري (4/10)، صحيح مسلم (1/92).
([10]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (7/77).
([11]) لسان العرب (10/156).
([12]) سنن الترمذي، ت شاكر (5/704).
([13]) العقد الفريد (8/123).
([14]) إعراب القرآن (5/67).
([15]) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (24/117).
([16]) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (32/192).
([17]) فتح الباري، ابن حجر (9/182).
([18]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الملا على القاري (9/3991).
([19]) وقد تكرر هذا الجهل مرارًا؛ إذ إنه نفسه قد ساق في (ص229) رواية لا تصح عن أبي هريرة، ومع ذلك كان رَدُّهُ لها لكون أبي هريرة لم يشهد الواقعة، وهذا من الحمق والغباء؛ إذ إن مراسيل الصحابة مقبولة عند كل أحد من أهل العلم.
([20]) معرفة الصحابة، أبي نعيم (6/3209).
([21]) المعجم الكبير، الطبراني (23/130) من طريق بكر بن سهل، ثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي، ثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وعن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، وذا سند واهٍ بمرة؛ فبكر بن سهل، وعبد الغني بن سعيد الثقفي كلاهما ضعيف، وموسى بن عبد الرحمن الصنعاني، قال ابن حبان: دَجَّال يَضَع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، جَمَعَهُ من كلام الكَلْبِي ومُقَاتل.
وقال ابن عدي: منكر الحديث. وقد ذكر له هذا الحديث وغيره، ثم قال: وهذه الأحاديث بواطيل.
لتحميل الملف pdf