أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

الرد على شبهة الشيعة: كان النبي يلبسُ مِرط عائشة

قالت الشيعة: روَى مسلمٌ عن سَعِيدِ بْن العَاص، أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النبِيِّ  وَعُثْمَان حَدَّثَاهُ أَن أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَن عَلَى رَسُولِ اللهِ  وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ، لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِن لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَن عُمَرُ، فَأَذِن لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انصَرَفَ، قَالَ عُثْمَان: ثُمَّ اسْتَأْذَنتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: «اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي، ثُمَّ انصَرَفْتُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَان؟ فقَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِن عُثْمَان رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِني خَشِيتُ، إِن أَذِنتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَلَّا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ»([1]).

وخلاصة اعتراضات الرافضة على هذه الرواية ثلاثة أمور: 

1- أين الحياء في مقابلة الضيوف في ثياب النساء؟!

2- كيف يبلس النبي صلى الله عليه وسلم ثوب زوجته؟!

3- كيف يأمر النبيُّ  أمَّ المؤمنين ل بأن تجمع عليها ثيابها، بينما تركها لما دخل عمر؟!

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: النبي ق منبع الحياء، فلا يأتي بنقيضه.

 بلغ النبي الغاية في الحياء، فهو الذي قال: «لِكُلِّ دِين خُلُقٌ، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»([2]) وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ا قَالَ: «كَان النبِيُّ  أَشَدَّ حَيَاءً مِن العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا»([3]).

فكيف لمريض أن يقول بعد هذا: إنه كشف ما لا يجوز كشفه، أو كان على هيئة لا ينبغي أن يكون عليها؟!

ولقد عصم الله نبيه من التعري حتى قبل البعثة النبوية، فعن عَمْرِو بْن دِينارٍ أنه سَمِعَ جَابِرَ بْن عَبْدِ اللهِ يقولُ: «لَمَّا بُنيَتِ الكَعْبَةُ، ذَهَبَ النبِيُّ  وَعَبَّاسٌ يَنقُلَان الحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنبِيِّ : اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ، يَقِيكَ مِن الحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْناهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: «إِزَارِي إِزَارِي» فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ»([4]).

فهذه رعاية الله لنبيه حتى قبل البعثة، فما بالك بما بعدها؟!

إذًا فالحال التي كان عليها رسول الله  ليس فيها ما يخل بالحياء أو يخرم المروءة، وهو أعلم الناس وأدراهم بعرف زمانه، وما الذي يخرم الحياء والمروءة من عدمه.

ثانيًا: عدم التكلف دلالة على القرب والمودة:

فِعْل النبي ق مع أبي بكر وعمر أصهاره وأقرب أصحابه إليه، دليل على أنه يتعامل معهما بلا تكلف، وهذا دليل حب وقرب، والمرء يتكلف مع صاحبه على حسب قربه منه، وكلما رُفع التكلف -دون خرم للحياء- دلَّك على قرب الصاحب لصاحبه ومحبته له، وفعل النبي مع عثمان إنما هو من باب الفضل لا الواجب، رعايةً لحال عثمان الذي تستحي منه الملائكة، فخشي النبي أن يمنع الحياءُ عثمان من طلب حاجته، فظهر من هذا أن النبي ق يراعي أحوال أصحابه دون أن يخرم حياء أو يرتكب محرمًا، وحاشاه .

وكذلك فإن الشيعة تقول: إن مجرد ستر القضيب والبيضتين هو في نفسه ستر للعورة، فقد روى الكليني بسنده عن أبي الحسن  قال: «العورة عورتان: القبل والدبر، فأما الدبر فمستور بالإليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة»([5]).

ومنه يظهر من جهلهم بمذهبهم ما لا يخفى على كل مبصر.

ثالثًا: من كان بيته من الزجاج فلا يقذف الناس بالحجارة.

أما الشيعة فعندهم من الطوَامِّ في ذلك الكثير، فإنهم يزعمون أن الإمام المعصوم الخامس محمدًا الباقر، كان يدخل الحمام ويكشف عورته أمام الناس!

فعن عبيد الله الدابقي قال: «دخلت حمَّامًا بالمدينة... فقلت: لمن هذا الحمَّام؟ فقال: لأبي جعفر محمد بن علي، فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم.

فقلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل يبدأ فيطلي عانته، وما يليها، ثم يلف على طرف إحليله، ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يومًا من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته، يقصد عورته المغلظة»([6]).

قال الآراكي: «والحجم بمعنى الهيئة الحاصلة من لف الجسم بخرقة غليظة، أو بنورة كذلك؛ بحيث يرى كالكومة لا دليل على لزوم ستره»([7]).

رابعًا: المرط هو الكساء.

أما كون النبيّ ق لبس مرط عائشة ، فمعنى المرط: هو الكساء أو الثوب مطلقًا، وليس مختصًّا بالنساء، قال ابن منظور: «والمِرْط: كُلُّ ثَوْبٍ غَيْرِ مَخِيط»([8])، وقال الجوهري: «والمِرْطُ بالكسر: واحد المروطِ، وهي: أكسيةٌ من صوف أو خَزٍّ كان يؤتزر بها»([9]).

فهذا كساء أشبه بالملحفة أو الغطاء العام، وبالتالي فهو كساء مشترك، ليس فيه أي معلم حتى تتميز به النساء عن الرجال، ولمزيد من البيان نذكر حديث الكساء المعروف من حديث أم المؤمنين عائشة.

روى الإمام مسلمٌ عَن صَفِيَّةَ بِنتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «خَرَجَ النبِيُّ ق غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِن شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَن بْن عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْن فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: [ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] {الأحزاب:33}»([10]).

فهذا نص واضح يعرفنا أن الْمِرْط لباس لا يختص بالمرأة؛ وإنما يأتزر به الرجل وتتلفع به المرأة، ويُتخذ كغطاء لهما، وأيضًا فإن اللبس في قوله: «لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ» كلمة تطلق في اللغة على اللبس المعروف، وعلى مجرد الافتراش كذلك، وعلى غير ذلك.

قال الحافظ ابن حجر: «قَوْلُهُ: «مِن طُولِ مَا لُبِسَ» فِيهِ أَن الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنعِ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ؛ لِعُمُومِ النهْيِ عَن لُبْسِ الْحَرِيرِ»([11]).

وقال ابن رجب الحنبلي: «وقوله: «قَدِ اسوَدَّ من طولِ مَا لُبِس» يدل على أن لبس كل شيء بحسبه، فلبس الحصير: هو بسطه واستعماله في الجلوس عليه»([12]).

فهنا مجرد افتراش للشيء ومع ذلك سمى لبسًا، وبالتالي فاللبس الوارد في الحديث، إنما هو مجرد التحاف، كما يلتحف الرجل بثوب مشترك بينه وبين أبنائه أو زوجته وهو يجلس معهم، وليس المقصود اللبس المعروف عند الإطلاق.

فظهر من هذا أن المرط ثياب لا يخص المرأة، وإنما يلبسه الرجل والمرأة بلا إشكال شرعًا ولا عرفًا، ونسبته إلى عائشة ل في الحديث إنما كان لغالب استعمالها له.

خامسًا: يجوز للرجل أن يلبس لبس المرأة عند الشيعة.

إننا لو سلمنا جدلًا للشيعة أن مِرط عائشة يعني أنه لبس عائشة، فقد جاء في كتب الشيعة ما يدل على جواز لبس الرجل ثوب المرأة، فروى الكليني بإسناده عن العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد الله  عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها، قال: نعم إذا كانت مأمونة»([13]).

وقال الحلي: «يجوز أن يصلي الرجل في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة؛ لعدم المانع»([14]).

وقال أيضًا: «مسألة: قال الشيخ : يجوز للرجل أن يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة، وعد ابن البراج في المكروه ثوب المرأة للرجل، وأطلق لنا: الأصل براءة الذمة من كراهة وتحريم»([15]).

وقال الخوئي: «قال : إني لأكره أن يتشبه بالنساء، وفي رواية أخرى: كان رسول الله  ينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها، فإنه يستفاد منهما تحريم التشبه في اللباس.

وفيه: أنه ليس المراد من التشبه في الروايتين مجرد لبس كل من الرجل والمرأة لباس الآخر، وإلا لحرم لبس أحد الزوجين لباس الآخر لبعض الدواعي كبرد ونحوه، بل الظاهر من التشبه في اللباس المذكور في الروايتين هو أن يَتَزَيَّا كل من الرجل والمرأة بزي الآخر، كالمطربات اللاتي أخذن زي الرجال، والمطربين الذين أخذوا زي النساء، ومن البدهي أنه من المحرمات في الشريعة، بل من أخبث الخبائث وأشد الجرائم وأكبر الكبائر.

على أن المراد في الرواية الأولى هي الكراهة؛ إذ من المقطوع به أن جَرَّ الثوب ليس من المحرمات في الشريعة المقدسة.

وقَدْ تجَلَّى مما ذكرناه أنه لا شك في جواز لبس الرجل لباس المرأة لإظهار الحزن، وتجسم قضية الطَّفّ، وإقامة التعزية لسيد شباب أهل الجنة، وتوهم حرمته لأخبار النهي عن التشبه ناشئ من الوساوس الشيطانية، فإنك قد عرفت عدم دلالتها على حرمة التشبه»([16]).

وممن تخفَّى في زي النساء من الشيعة: أيوب بن السيد محسن بن محمد ابن فلاح الموسوي المشعشعي، وأخوه السيد علي([17]).

اقرأ أيضا| رامي عيسى يتحدى شيعي: اذكر دليلا واحدًا من القرآن على عصمة "الزهراء"؟

سادسًا: وللجواب على اعتراضهم على قوله ق لعائشة: «اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» نقول: إنه أمْرٌ لها بأن تأخذ المرط (الغطاء الجامع بينهما فوق الملابس) الذي عليه، وليس في الحديث أي شيء يوحي بأنها ل كانت متكشفةً وحاشاها، بل حاشا رسول الله أن يسكت على منكر، وبالتالي فالأمر إنما هو لأخذ المرط الذي على رسول الله ؛ لأجل أن يعتدل النبي  في جلسته فقط.

فإن كان جمع المرأة للثوب ابتذالًا كما فهم الرافضي، فما يقول في الأجنبي الذي دخل على فاطمة في غياب زوجها فرآها متكشفة فقالت له: «جَفَوْتَني» فرد عليها «حبيبتي أأجفاكم؟»!!

فقد روى المجلسي في (بحار الأنوار) رواية طويلة وفيها: «قال عليّ : يا سلمان، ائت منزل فاطمة بنت رسول الله فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة، قلت لعليٍّ : قد أتحفت فاطمة  بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله؟ قال: نعم بالأمس، قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة  بنت محمد ، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها، وإذا غطت ساقها انكشف رأسها، فلما نظرت إلي اعتجرت ثم قالت: يا سلمان، جفوتني بعد وفاة أبي ق، قلت: حبيبتي أأجفاكم؟»([18]).

وقد صحح المجلسي هذه الرواية في كتابه «حلية المتقين في الآداب والسنن والأخلاق»؛ حيث قال: «والتمسوا من هذا العبد الحقير أن يكتب رسالة في بيان محاسن الآداب، المستوحاة من الطريقة الصحيحة والمستقيمة للنبي ق والأئمة الطاهرين بالأسانىد المعتبرة، فتوكلت على الله وحررت هذه الرسالة ببضاعتي القليلة لينتفع بها المؤمنون»([19]).

([1]) صحيح مسلم (4/1866).

([2]) موطأ مالك (2/905)، وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3/5).

([3]) صحيح البخاري (4/190)، صحيح مسلم (4/1809).

([4]) صحيح البخاري (5/41).

([5]) الكافي (6/512).

([6]) الكافي، الكليني (6/508).

([7]) شرح نجاة العباد، آخوند ملا أبو طالب الأراكي (1/158).

([8]) لسان العرب، ابن منظور (7/402).

([9]) الصحاح تاج اللغة، وصحاح العربية (3/1159).

([10]) صحيح مسلم (4/1883).

([11]) فتح الباري، ابن حجر (1/490).

([12]) فتح الباري، ابن رجب (3/15).

([13]) الكافي، الكليني (1/402)، وصححه المجلسي في مرآة العقول (15/317).

([14]) تذكرة الفقهاء (2/510).

([15]) مختلف الشيعة، الحلي (2/91).

([16]) مصباح الفقاهة، الخوئي (1/338).

([17]) أعيان الشيعة (3/525).

([18]) بحار الأنوار، المجلسي (43/66) (92/37) (94/226) (95/37)، ومنازل الآخرة والمطالب الفاخرة، عباس القمي (ص299)، ونفس الرحمن في فضائل سلما»، النوري الطبرسي (ص337)، ومهج الدعوات (ص7).

([19]) حلية المتقين في الآداب والسنن والأخلاق، المجلسي (ص14)، ثم ذكر الرواية في (ص389).


لتحميل الملف pdf

تعليقات