قال الفيض الكاشاني: «ثم نظر إلى عائشة وحفصة نظر المغضب، وقال: أما إنكن كصويحبات يوسف، يريد بذلك أن صويحبات يوسف قد كذبن عليه، وأردن مراد الشيطان الغوي من يوسف، فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة بهن؛ حيث كذبن عليه».
إنكاره صلى الله عليه وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكار لاذع، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته؛ لقوله صلى الله عليه وآله لهن: «إنكن صواحب يوسف.»
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: وجه المشابهة هو إظهار بعض ما أردن وإخفاء غيره في بطونهن
كي يتضح المقصود لا بد من إيراد الحديث كاملًا، فقد روى الإمام البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «مروا أبا بكر يصلي بالناس.» قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه، إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلي بالناس» فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا».
فكل ما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يخلفه في الصلاة أبو بكر قالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف، كثير الأسف والحزن، متصل العبرة، إذا بكى لا يتبين الناس قراءته من البكاء، فقال: «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلي بالناس».
(صواحب يوسف): خشيت عائشة أن يتشاءم المسلمون بأبي بكر؛ لأنه هو الذي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادت أن تجنب والدها هذا الشعور، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنكن صواحب يوسف»، أي: تقلن غير الذي في بطونكن.
قال ابن حجر: «والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن، ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحدة، وهي عائشة فقط، كما أن صواحب صيغة جمع، والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك: أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو ألا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد ذلك، فقالت: لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلًا قام مقامه أبدًا... الحديث».
وكلام الحافظ هذا يندفع به استشكال الشريف المرتضى؛ إذ قال: «وقد علمنا أن صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف، ولا مراجعة له في شيء أمرهن به، وإنما افتتن بأسرهن بحسنه».
فالجواب على إشكاله: ما تقدم من كون المراد بصواحب يوسف إنما هي زليخا، وقع منها ما ذكره الحافظ مما هو شبيه بما وقع من أم المؤمنين.
ثانيًا: المعنى عند الشيعة موافق للمعنى عند السنة
قال الطريحي: «و«إنكن صواحب يوسف» أراد تشبيه عائشة بزليخا وحدها، وإن جمع بين الطرفين، ووجهه: أنهما أظهرا خلاف ما أرادتا، فعائشة أرادت ألا يتشاءم الناس به، وأظهرت كونه لا يُسمع المأمومين، وزليخا أرادت أن ينظرن حسن يوسف؛ ليعذرنها في محبته وأظهرت الإكرام في الضيافة».
قال حسين البيرجندي: «وعن النبي صلى الله عليه وآله: «إنكن صويحات يوسف» أراد تشبيه عائشة بزليخا وحدها وإن جمع في الطرفين، ووجهه: أنهما أظهرتا خلاف ما أرادتا؛ فعائشة أرادت ألا يتشاءم الناس به، وأظهرت كونه لا يسمع المأمومين، وزليخا أرادت أن ينظرن حسن يوسف؛ ليعذرنها في محبته وأظهرت الإكرام في الضيافة، أو أراد: أنتن تشوشن الأمر عليَّ كما أنهن يشوشن على يوسف. ويقال: معناه: إنكن صواحب يوسف؛ أي في التظاهر على ما تردن وكثرة إلحاحكن».
ثالثًا: إن كان فعلهن –إظهار البعض وإخفاء الآخر- مذمة فقد فعلته فاطمة.
فِعْلُهن (أي إظهار شيء وإرادة شيء آخر) يشبه ما يقوله الرافضة عن فاطمة الزهراء من أنها اتخذت مطالبتها بأرض فدك ذريعة للمطالبة بإمامة علي بن أبي طالب.
قال المسعودي: «استهدفت الزهراء من مطالبتها الحثيثة بفدك، فسح المجال أمامها للمطالبة بحق زوجها المغلوب على أمره.»
وقال هاشم معروف الحسني: «إن فاطمة الزهراء لم تكن تطالب ببقعة من أرض أو بإرث مادي، بل كانت تطالب بالحق الذي جعله الله لعلي في خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم».
رابعًا: دلالة تعيين النبي صلى الله عليه وسلم للصديق بإمامة المسلمين في حياته.
هذا الحديث يهدم دين الرافضة؛ حيث أنكر النبي صلى الله عليه وسلم المراجعة في تقدم أبي بكر بإمامة المسلمين في الصلاة.
قال ابن تيمية: «فدل هذا على أن تقديم غير أبي بكر في الصلاة من الباطل الذي يذم من يراود عليه، كما ذم النسوة على مراودة يوسف».
اقرأ أيضا| بسؤال واحد.. رامي عيسى ينسف عقيدة الإمامية (فيديو)
ومن باب أولى أن يذم من عارض خلافته أو رأى عدم شرعيتها.
([1]) المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني (8/272).
([2]) موسوعة الأسـئلة العقائدية، مركز الأبحاث العقائدية (1/191).
([3]) صحيح البخاري (1/136).
([4]) فتح الباري، ابن حجر (2/153).
([5]) الشافي في الإمامة، الشريف المرتضي (2/159).
([6]) مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي (2/584).
([7]) بحار الأنوار، المجلسي (28/162).
([8]) غريب الحديث في بحار الأنوار، حسين حسيني البيرجندي (2/338).
([9]) الأسرار الفاطميّة، محمد فاضل المسعودي (ص507).
([10]) سيرة الأئمة الاثني عشر(ع)، هاشم معروف الحسني (1/114).
([11]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (8/564).
لتحميل الملف pdf