قالت الرافضة: «إن عائشة ل كانت فاحشة -حاشاها من تطاول الأراذل- واستدلوا بما أخرجه مسلم في «صحيحه» من حديث مَسْرُوقٍ، عَنها أنها قَالَتْ: «أَتَى النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُناسٌ مِن الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فقَالَ: «وَعَلَيْكُمْ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ، لَا تَكُوني فَاحِشَةً» فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمُ الَّذِي قَالُوا؟ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»»([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولًا: الحديث فيه منقبة لأم المؤمنين المنتصرة لرسول الله
عجبًا لمن يعمد إلى فضيلة ظاهرة، فيها محبة واضحة للنبي ودفاعٌ عنه ضد اليهود وتطاولهم؛ حيث لم تصبر ل على الضيم، فردت الظلم عن النبي ، وهذا فيه غاية المدح لها.
قال النووي: «فِيهِ الِانتِصَارُ مِن الظَّالِمِ، وَفِيهِ الِانتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّن يُؤْذِيهِمْ»([2]).
فمن ينتصر لرسول الله ممدوحٌ لا مذموم عند أهل الإسلام.
ثانيًا: الفاحشة كلمة ذات معان تُعلَم من مقتضى السياق
كلمة الفاحشة تُفهم حسب السياق، فقد تطلق الفاحشة على الكفر، وقد تطلق على الزنا، وغير ذلك، وأصل الفحش في اللغة: «يطلق على كل شيء جاوز قدره، فهو فاحش»([3]).
فالذي فعلته أم المؤمنين هو أنها ردت على اليهود الذين قالوا للنبي : «السَّامُ عَلَيْكَ»، فردت عليهم بقولها: «بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ» وفي رواية: «وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنةُ»([4])، فكان الفُحشُ في تجاوز القدر في الرد، فالأمر ليس فيه فحش من ناحية الألفاظ، وإلا فقد قال الله تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ] {المائدة:64} فهنا رد الله عليهم قولهم، وزاد عليه اللعنة، وهذه الزيادة ليست فحشًا، إنما سياق الكلام قد اقتضى الشدة.
وقد يكون الموقف موقف دعوة، مع مجرد دعاء منهم على النبي يستوجب رده عليهم بمثل ما قالوا فقط، فالزيادة في مثل هذا الموقف لا تكون في موضعها، وتسمى في عرف اللغة فحشًا، وقد بيَّن لها النبي أن التجاوز في الرد مضاد للرفق الذي أُمرنا به، فَقَالَ : «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِن اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»»([5]).
إذًا الموقف ليس إلَّا تعليمًا للأمة أن يردوا على المعتدي بنفس اعتدائه، لا بزيادة عليه، وإلا كانت هذه الزيادة فحشًا.
ثالثًا: إن كان فِعْل عائشة ل فحشًا، ففِعْلُ فاطمة نقمة وعذاب، وأبو جعفر وعلي طَعَّانان فَحَّاشان لا محالة.
تسمية الشيعة أم المؤمنين عائشة بأنها -عياذًا بالله- فاحشة ليس إلا تطاولًا على المقام الرفيع لأم المؤمنين، ومن قبلها على مقام رسول الله الذي رضي بأن يعيش معها ويمس جلدُه جلدَها...، فهل يرضى النبي أن يعاشر مَن هذا حالها؟! وقد أبى أن يصاحب دابة ملعونةً في سفر؟! فكيف بمن يتخذها زوجة تطهو له طعامه، وتغسل له ثيابه، وتقوم على شؤونه الخاصة ؟!
ولو التزم الرافضة ذلك لوجب عليهم أن يسموا فاطمة : «نقمةً أو عذابًا»، فعن سلمان الفارسي : «أنه لما استخرج أمير المؤمنين من منزله، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمدًا بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله على رأسي، ولأصرخن إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي؟ قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي، إن الله -تبارك وتعالى- بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا»([6]).
وقال لها عليٌّ : «يا بنت رسول الله! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين، إلى أن قال: فكوني -يا سيدة النساء- رحمة على هذا الخلق المنكوس، ولا تكوني عذابًا»([7]).
فيجب على الرافضة تسمية فاطمة (نقمةً) أو (عذابًا)؛ لأنها فعلت شيئًا فيه ذلك، فنهاها عليٌّ عنه، وأمرها بضده.
وقد جاء عن علي بن أبي طالب في كتب الشيعة، أنه كان يجلس في المسجد فيطعن في الأعراض، ويفحش في الرد ولا يلين للناس.
فقد روى الكليني بسنده عَن زُرَارَةَ قَالَ: «كَان أَبُو جَعْفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَذَكَرَ بَني أُمَيَّةَ وَدَوْلَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنمَا نرْجُو أَن تَكُون صَاحِبَهُمْ، وَأَن يُظْهِرَ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى يَدَيْكَ، فَقَالَ: مَا أَنا بِصَاحِبِهِمْ، وَلَا يَسُرُّني أَن أَكُون صَاحِبَهُمْ، إِن أَصْحَابَهُمْ أَوْلَادُ الزِّنا، إِن اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمْ يَخْلُقْ مُنذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ سِنين وَلَا أَيَّامًا أَقْصَرَ مِن سِنينهِمْ وَأَيَّامِهِمْ، إِن اللهَ يَأْمُرُ الْمَلَكَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْفَلَكُ فَيَطْوِيهِ طَيًّا»([8]).
أليست كلمة أولاد الزنا فحشًا في القول؟!
وساق الصفار بسنده عن الأصبغ بن نباته قال: «كنا وقوفًا على رأس أمير المؤمنين بالكوفة وهو يعطى العطا في المسجد؛ إذ جاءته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، أعطيت العطاء جميع الأحياء إلا هذا الحي من مراد لم تعطهم شيئًا، فقال لها: اسكتي يا جرية، يا بذية، يا سلفع، يا سلقلق، أو يا من لا تحيض كما تحيض النساء، قال: فولت، ثم خرجت من المسجد، فتبعها عمرو بن حريث...»([9]).
وفي رواية أخرى قال: «فنظر إليها فقال لها: يا سلفع، يا جريئة، يا بذية، يا مذكرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شيء بَيِّن مدلى»([10]).
فإن لم يكن هذا فحشًا فليس في الدنيا فحشٌ، فهل يرضى الشيعة أن يسموا علي بن أبي طالب (الفاحش)؟!
على أننا نبرئ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الفحش والبذائة، فوالله ما كان فاحشًا ولا بذيئًا، فرضي الله عن أم المؤمنين، وعن أصحاب نبينا أجمعين.
اقرأ أيضا|"عائشة لبست ثوبًا منهيًّا عنه وهي مُحرِمة".. رد واضح بالأدلة على شبهة الشيعة
([1]) صحيح مسلم (4/1706).
([2]) شرح النووي على مسلم (14/147).
([3]) زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (1/327).
([4]) صحيح البخاري (8/12).
([5]) صحيح البخاري (8/12).
([6]) الأسرار الفاطمية، محمد فاضل المسعودي (ص353).
([7]) مأساة الزهراء (ع)، جعفر مرتضى (2/296).
([8]) الكافي، الكليني (8/341).
([9]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار (ص377 – 378).
([10]) بحار الأنوار، المجلسي (41/293 – 294).
لتحميل الملف pdf