أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم بطلان خلافة الصديق لطلبه الإقالة منها

قال الحلي: «وقال [أبو بكر]: «أقيلوني فلست بخيركم»، فإن كانت إمامته حقًّا، كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن»([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: كما يقال: ثبِّت العرش ثم انقش؛ إذ إن هذا لم يصح قط عن الصديق.

فقد روي في (فضائل الصحابة) للإمام أحمد: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ، فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، قَامَ ثَلَاثًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ أَقَلْتُكُمْ بَيْعَتَكُمْ، هَلْ مِنْ كَارِهٍ؟ قَالَ: فَيَقُومُ عَلِيٌّ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ فَيَقُولُ: وَاللهِ لَا نُقِيلُكَ، وَلَا نَسْتَقِيلُكَ أَبَدًا، قَدَّمَكَ رَسُولُ اللهِ تُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرُكَ؟»([2]).

وفيه أيضًا: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ سَنْدُولَا، ثنا تَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَغْلَقَ بَابَهُ ثَلَاثًا، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيلُونِي بَيْعَتَكُمْ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ عَلِيٌّ: لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، قَدَّمَكَ رَسُولُ اللهِ ق، فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرُكَ؟‏»‏([3]).

وهذه أقوال علماء الجرح والتعديل في تليد بن سليمان:

«قَالَ أَحْمد وَيحيى: «كَانَ كذابا»، وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة: «لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يشْتم عُثْمَانَ أَو أحدًا من الصَّحَابَة، فَهُوَ دجال»، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: «رَافِضِي خَبِيث»، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: «ضَعِيف»([4]).

قال الحافظ ابن حجر: «حَدِيثُ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: أَقِيلُونِي مِنَ الْخِلَافَةِ»، رَوَاهُ أَبُو الْخَيْرِ الطَّالَقَانِيُّ فِي السُّنَّةِ، مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُنْكَرٌ مَتْنًا، ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ سَنَدًا»([5]).

وعليه فهذا الأثر مكذوب، ولا يصح عن أبي بكر .

ثانيًا: طلب الإقالة لو صح عن أبي بكر لكان دليلًا على عدم طمعه وحبه للرياسة والإمامة، بل إن الناس قد أجبروه على قبولها؛ ولذلك في نفس الرواية قال له عَلِيٌّ: «لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، قَدَّمَكَ رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرُكَ؟»([6])

فلم يفهم من أبي بكر أنه لا يصلح للخلافة، كما فهم الشيعة.

وعليه فطلب الإقالة ليس حرامًا، ولا هو دليل على أن صاحبه لا يصلح للإمامة، بل قد يكون زهدًا وتواضعًا، وخوفًا من عدم القيام بحقوقها، وكفى بهذا مدحًا لصاحبه.

ولذلك فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ حَقًّا كَانَتِ اسْتِقَالَتُهُ مِنْهَا مَعْصِيَةً» فَيُقَالُ: إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَوْنَهَا حَقًّا إِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا جَائِزَةً، وَالْجَائِزُ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَإِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا وَاجِبَةً إِذَا لَمْ يُوَلُّوا غَيْرَهُ، وَلَمْ يُقِيلُوهُ، وَأَمَّا إِذَا أَقَالُوهُ وَوَلَّوْا غَيْرَهُ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.

وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَعْقِدُ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، وَيَكُونُ الْعَقْدُ حَقًّا، ثُمَّ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ وَهُوَ لِتَوَاضُعِهِ وَثِقَلِ الْحِمْلِ عَلَيْهِ قَدْ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، وَتَوَاضُعُ الْإِنْسَانِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ»([7]).

وعليه؛ فالتخريج الصحيح -مع فرض صحتها- إنما هو للتواضع لا غير.

ثالثًا: لئن كان طلب الإقالة دليل بطلان الخلافة أو الإمامة، فقد طلب الإقالةَ علي بن أبي طالب .

قال الشريف الرضي: «ومن كلام له لَمَّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان: دَعُوني وَالْتَمِسُوا غَيْرِي؛ فإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْرًا لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ؛ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ، وَإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيرًا، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيرًا!»([8]).

وقال أيضًا: «ومن كلام له  كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة: وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ، وَلَا فِي الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ، وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا‏»‏([9]).

وفي نصٍّ ثالثٍ قال: «وَبَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا، وَمَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الإبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَسَقَطَ الرِّدَاءُ، وَوُطِئَ الضَّعِيفُ، وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ، وَهَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ، وَتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ، وَحَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ»([10]).

فهذا عليٌّ بايعه الناس على الإمامة وهو رفضها، بل وأمرهم بمبايعة غيره، «دَعُوني والتَمِسُوا غَيْري»، ووعد بأنه سيسمع ويطيع لمن يوليه الناس الأمر، وبناء على تأثيرات الشيعة السابقة نقول: إن من يعتذر عن تولي الإمامة ليس بإمام.

ومن هذا الباب أيضًا: ما ذكروه عن السَّجاد أنه كان يقول في دعائه: «وَأَنَا الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمُرَهُ، وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصَاكَ»([11]).

إن حملتم هذا على حقيقته- كما هي معاملتكم للصديق -؛ فقد سقطت عدالة السجاد فضلًا عن إمامته، وإن حملتم ذلك على التواضع فقد مدحتم الصديق..

رابعًا: مع فرض أن يكون قول الصديق معصية، فليس عندنا معصوم بعد رسول الله ، ولكن الإجماع معصوم، فقد أجمعوا على استمراره في الخلافة، فصحت خلافته على كل حال.

اقرأ أيضا| 

([1]) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، الحلي (1/99).

([2]) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، تحقيق وصي الله بن محمد عباس (ص131). قال المحقق في الهامش: «إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، أبو الجحاف لم يلق أبا بكر ولا عليًّا ...».

([3]) فضائل الصحابة أحمد بن حنبل، تحقيق وصي الله بن محمد عباس (ص151). قال المحقق: «إسناده ضعيف جدًّا؛ لأجل تليد، فإنه متروك متهم بالكذب...».

([4]) الضعفاء والمتروكون، النسائي (ص26)، الضعفاء والمتروكين، ابن الجوزي (1/155)، المغني في الضعفاء، الذهبي (1/118).

اقرأ أيضا| طعنهم في بيعة الصديق لقول عمر: «كانت فلتة»

([5]) «التلخيص الحبير» ط العلمية (4/128).

([6]) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل (1/151).

([7]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (5/469).

([8]) نهج البلاغة، الشريف الرضي (1/181 – 182).

([9]) نهج البلاغة، الشريف الرضي (1/184).

([10]) نهج البلاغة، الشريف الرضي (1/222).

([11]) الصحيفة السجادية، ط الهادي (1/78).


لتحميل الملف pdf

تعليقات