ضمن سلسلة حلقاته المتخصصة في السيرة النبوية المطهرة، قدم الباحث في الشأن الشيعي، الدكتور رامي عيسى، الحلقة الثالثة عشرة من سيرة سيد الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، مسلطاً الضوء على أحداث "العهد المكي" وتحديداً تفاصيل الهجرة الثانية إلى الحبشة والموقف التاريخي الذي جمعه بالملك النجاشي.
أكبر معجزة في مواجهة تعنت قريش
استهل الدكتور رامي عيسى حلقته بالتذكير بما تناوله في الحلقة الماضية حول المعجزات التي طلبها مشركو قريش من النبي صلى الله عليه وسلم، موضحاً أن الله تبارك وتعالى لو استجاب لطلباتهم ولم يؤمنوا بعدها لنزل بهم العذاب الأليم.
وأكد الباحث أن القرآن الكريم يظل هو المعجزة الكبرى التي نزلت على المشركين ورغم ذلك استمروا في غيهم.
الهجرة الثانية: الفرار بالدين من بطش المشركين
انتقل الباحث للحديث عن الهجرة الثانية إلى الحبشة، والتي انطلقت بقيادة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه جماعة من الصحابة، بعد أن عاودت قريش اضطهاد المؤمنين وأغرت القبائل بمضاعفة الأذى والفتنة.
وأشار عيسى إلى أن عدد المهاجرين في هذه الرحلة بلغ ثلاثة وثمانين رجلاً (في حال احتساب عمار بن ياسر لوجود خلاف تاريخي في ذلك) أو اثنين وثمانين رجلاً، بالإضافة إلى ثماني عشرة امرأة.
مؤامرة عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة
سرد الدكتور عيسى تفاصيل تعقب قريش للمهاجرين، حيث بعثت برجلين "جلدين" هما عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي رحمه الله لمحاولة استرداد المسلمين.
واستشهد الباحث بما رواه الإمام أحمد في مسنده بسند حسن عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، التي وصفت النجاشي بأنه "خير جار"، حيث أمنوا على دينهم وعبدوا الله دون أذى.
وقد كشف الخبر عن "خطة قريش" التي اعتمدت على تقديم الهدايا والمنح لبطارقة الملك والنجاشي نفسه، وكان أبرزها "الأدم" (الجلود)، لكسب تأييدهم قبل أن يتحدث المسلمون إلى الملك.
وحاول الوفد القرشي إقناع البطارقة بأن المهاجرين "غلمان سفهاء" فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في النصرانية، وجاءوا بدين "مبتدع".
موقف النجاشي التاريخي: "لا هايم الله إذن لا أسلمهم"
في مشهد درامي يعكس العدل والأنفة، رفض النجاشي طلب وفد قريش تسليم المسلمين دون سماع روايتهم، رغم تأييد البطارقة لطلب عمرو بن العاص ورفيقه. وقالت أم سلمة في روايتها: "فغضب النجاشي ثم قال: لا هايم الله إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم".
خطبة جعفر بن أبي طالب: دستور الإسلام الأول
أوضح الدكتور رامي عيسى أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه كان هو المتحدث باسم المسلمين أمام النجاشي وأساقفته.
ووصف جعفر في كلمته حال الجاهلية قبل الإسلام، من عبادة الأصنام وأكل الميتة وقطيعة الأرحام، وصولاً إلى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرفوا نسبه وصدقه وأمانته.
وأكد جعفر أمام الملك أن الإسلام أمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهى عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات.
وبين أن سبب خروجهم إلى الحبشة هو الفتنة والتعذيب الذي تعرضوا له ليردوهم إلى عبادة الأوثان.
الترقب للحلقة القادمة
اختتم الدكتور رامي عيسى الحلقة عند لحظة فاصلة، حينما طلب النجاشي من جعفر بن أبي طالب أن يقرأ شيئاً مما جاء به النبي عن الله، فقرأ عليه آيات من سورة مريم.
ووعد الباحث مشاهديه بالكشف عن موقف النجاشي وتأثره بهذه الآيات في الحلقة القادمة من سلسلة السيرة النبوية.
لتحميل الملف pdf