شبهات وردود

شبهة اتهام أم المؤمنين عائشة بأنها كانت تستضيف الرجال الأجانب في بيتها

شبهة اتهام أم المؤمنين عائشة بأنها كانت تستضيف الرجال الأجانب في بيتها

 

محتوى الشبهة

من الشبهات التي يرددها الرافضة، محاولين بذلك الطعن في زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، اتهامها بأنها كانت تستضيف الرجال الأجانب في بيتها.

قال ياسر الحبيب: "والذي علم من سيرة عائشة أنها كانت تستدخل على نفسها الرجال وتستضيفهم في بيتها بعد استشهاد رسول الله، وكأنهم لها أخلاء، فيمكثون عندها ويبيتون، بل ويجنبون وتعلمهم كيف يحكون المني الذي رأوه في ثيابهم بدلا من غسله...

وبعد هذه الروايات التي تكشف عن واقع دنيء، يحق للمرء أن يتساءل: ماذا كان يفعل أولئك الرجال الأجانب في بيت عائشة؟ وما الداعي لأن تدعوهم وتستضيفهم على هذا النحو المريب، وهي بعد في حكم المعتدة أبدًا؛ إذ يحرم عليها الزواج؟". ([1])

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: هذه الشبهة تدل على المستوى المتدني في فهم النصوص عند القوم، فقولنا (نزل بعائشة ضيف)، لا يسلتزم أن الضيف نزل في بيتها أو حجرتها، لأنه من عادة العرب عندما ينزل بهم شخص لا يعني بالضرورة أنه دخل بيتهم، بل قد ينزل بمكان آخر مخصص ومعدّ لاستقبال الضيوف.

 وهذا كان هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في استقبال ضيوفه؛ فالذين كانوا ينزلون على النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزلهم في المسجد، وأما بيته صلى الله عليه وسلم فهو غرفة لكل امرأة من نسائه عليه الصلاة والسلام، فكان ينزل أضيافه في المسجد، أو ينظر في مَن يضيف النازلين به من أصحابه، ويعده بالأجر عند الله، فيضيفه من يشاء الله عز وجل من أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه"([2]).

 والذي يؤكد هذا المعنى:

ثانيًا: الحديث رواه مسلم بسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ، فَرَأَتْنِي جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَبَعَثَتْ إِلَيَّ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ؟ قَالَ قُلْتُ: رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ، قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: "فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ يابِسًا بِظُفُرِي"([3]).

ومن قرأ الحديث بتجرد وإنصاف، فهم المقصود، وعلم أن هذا الرجل الكوفي الذي أتى المدينة طلبًا للعلم، لم ينزل في بيت عائشة رضي الله عنها، وإنما نزل ضيفًا عندها، وهذا لا يلزم أن يكون في نفس البيت.

قال الشيخ عبد الكريم الخضير: "ليس معنى أنه كان ضيفاً عندها أنه نام معها في غرفتها إنما في ضيافتها، ولا يلزم أن يكون في منزلها إنما نزل في ضيافتها؛ لأن مثل هذا الخبر قد يتلقفه من يتلقفه من الذين يتبعون الشبهات والشهوات، فيستدل به على أن المرأة وإن كانت بمفردها في البيت يمكن أن ينزل بها رجل ضيف، هذا الكلام ليس بصحيح، قال عبد الله بن شهاب الخولاني: كنت نازلاً على عائشة يعني ضيف عندها فاحتلمت في ثوبي، وهنا يقول: فأمرت له بملحفة، ولا يمنع أن ينسبه إلى نفسه؛ لأنه قد تغطى به، والنسبة تكون لأدنى ملابسة، فاحتلمت في ثوبي فغمسته في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها فبعثت إلي عائشة كل هذا يدل على أن عائشة ليست بحضرته وليس بحضرتها"([4]).

فقوله (رأتني جارية لعائشة) دليل أنه لم يكن معها في نفس البيت، وإلا لرأته هي أيضا مثل الجارية.

وأصرح من هذا قوله (فبعثت إليّ عائشة) فكيف تبعث إليه وهما في نفس البيت أو الغرفة كما فهمه هذا المخذول ومن كان على شاكلته؟

وجاء في لفظٍ للحديث عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: نَزَلَ بِعَائِشَةَ ضَيْفٌ، فَأَمَرَتْ لَهُ بِمِلْحَفَةٍ لَهَا صَفْرَاءَ، فَنَامَ فِيهَا، فَاحْتَلَمَ، فَاسْتَحَى أَنْ يُرْسِلَ بِهَا، وَفِيهَا أَثَرُ الِاحْتِلَامِ، قَالَ: فَغَمَسَهَا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا"([5]).

فالإرسال دليل على أنه لم يكن معها في نفس المكان كما هو واضح لكل ذي عقل.

ثالثاً: كيف يعقل أن أم المؤمنين رضي الله عنها، زوج النبيّ الكريم، تبيت رجلاً أجنبيًّا في بيتها، وعلى مرأى ومشهد من الصحابة الكرام، ولا منكر منهم عليها؟ وهل يعقل أن تفعل هذا، وهي قد تحرجت من إدخال عمها من الرضاعة إلى بيتها؟

روى البخاري بسنده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ، فَجَاءَ رَسُولُ الله فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ"([6]).

فمن أبت أن تدخل عمّها من الرضاعة إلى بيتها وتحرّجت من ذلك، يمكن لها أن تدخل رجلا أجنبيا؟

رابعًا: أما استنكار بعضهم إخبار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذا الحكم للرجال، فمن أسخف ما يكون.

‏فهي أخبرت بذلك طاعة لله، فهو سبحانه قال مخاطباً لهن (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34]

فالله أمرهن أن يخبرن وأن يعلمن الناس ما يتلى في بيوتهن من القرآن والسنة النبوية؛ لأنهما علم شرعي يُنقل للأمة.

‏ولا شك أن عائشة رضي الله عنها عندما تخبره بهذا فهي تكون بكامل حجابها لأنه ليس من محارمها، وأخبرت أنها كانت تفعل ذلك في ثوب رسول الله ﷺ، وهذا إشارةٌ إلى إقْرارِ رسولِ الله ﷺ لفعلِها.

وهذا التعليم من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم لهذه الأحكام الخاصة، نجده كذلك في مصادر وكتب الرافضة.

فقد روى شيخهم الصدوق أن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلَبِيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنِ الْحَائِضِ مَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا مِنْهَا قَالَ تَتَّزِرُ بِإِزَارٍ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتُخْرِجُ سُرَّتَهَا ثُمَّ لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ.

وَذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ ع أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تَقُولُ‌ إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يَأْمُرُنِي إِذَا كُنْتُ حَائِضاً أَنْ أَتَّزِرَ بِثَوْبٍ ثُمَّ أَضْطَجِعَ مَعَهُ فِي الْفِرَاشِ"([7]).

فهل سيعيب الرافضة على أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها بتعليم هذا الحكم الشرعي للناس، والأخبار عن هذا الأمر الخاص الذي كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

خامسًا: الرافضة الذين يستنكرون مثل هذه الرواية والتي بيّنا سابقا أنه لا إشكال فيها، وإنما الخلل في أفهامهم السقيمة، هم أنفسهم يروون في كتبهم أن الرجل الأجنبي يدخل على فاطمة رضي الله عنها ويرى منها مالا يجوز له رؤيته.

فقد روى ابن طاووس بسنده عن سلمان الفارسي قَالَ: "خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي يَوْماً بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (ع) ابْنُ عَمِّ الرَّسُولِ (ص)، فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ جَفَوْتَنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ص)؟ فَقُلْتُ: حَبِيبِي أَبَا الْحَسَنِ مِثْلُكُمْ لَا يُجْفَى، غَيْرَ أَنَّ حُزْنِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص طَالَ، فَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْ زِيَارَتِكُمْ. فَقَالَ (ع) لِي: يَا سَلْمَانُ ايتِ مَنْزِلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ (ص)، فَإِنَّهَا إِلَيْكَ مُشْتَاقَةٌ، تُرِيدُ أَنْ تُتْحِفَكَ بِتُحْفَةٍ قَدْ أُتْحِفَتْ بِهَا مِنَ الْجَنَّةِ. قُلْتُ لِعَلِيٍّ (ع): قَدْ أُتْحِفَتْ فَاطِمَةُ (ع) بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْجَنَّةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص)؟ قَالَ: نَعَمْ بِالْأَمْسِ. قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: فَهَرْوَلْتُ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ (ع) بِنْتِ مُحَمَّدٍ (ص)، فَإِذَا هِيَ جَالِسَةٌ وَعَلَيْهَا قِطْعَةُ عَبَاءٍ إِذَا خَمَّرَتْ رَأْسَهَا انْجَلَى سَاقُهَا، وَإِذَا غَطَّتْ سَاقَهَا انْكَشَفَ رَأْسُهَا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ اعْتَجَرَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا سَلْمَانُ جَفَوْتَنِي بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي ص؟ قُلْتُ: حَبِيبَتِي لَمْ أَجْفُكُمْ... (([8])) "

فسلمان رجل أجنبي عن فاطمة رضي الله عنها، فكيف جاز له الدخول عليها في غياب زوجها على مثل هذه الحال؟

سادسًا: ورد في كتب الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه أنام عليًّا رضي الله عنه في لحاف واحد مع زوجته عائشة رضي الله عنها.

قال محمد كاظم القزويني: "في التاسع من (البحار) نقلا عن (كتاب مناقب ابن شهر آشوب) وكتاب (الاحتجاج) وغيرهما عن أمير المؤمنين قال: وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا لحاف غيره، فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا...إلخ.

هذا الحديث كما تراه يدل على شدة ثقة النبي بعلي، وكثرة اختصاصه به، واطمئنانه به، وكثيرًا ما تحدث هذه القضايا في العوائل المحافظة على الحجاب والغيرة نظراً لنزاهة الأفراء وطهارة القلوب، فكيف بالمعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟"([9]).

فهل يعقل أن يترك النبيّ صلى الله عليه وسلم وحاشاه زوجته مع رجل أجنبي في لحاف واحد؟

والأدهى أن القزويني يعترف بحصول مثل هذا الأمر في العوائل المحافظة، فليت شعري إن كان هذا حال العوائل المحافظة، فما حال غيرها؟

وقال نعمة الله الجزائري: "أما قوله بأن عليًّا كان يدخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم في كل حين فهو حق؛ لأن عليًّا عليه السلام كان له من المحرمية بالنسبة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي عنه عليه السلام قال: كنت في بعض الغزوات فحممت ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم سوى لحاف واحد، وكانت معه زوجته عائشة فأنامني معه ومع زوجته تحت ذلك اللحاف، ولما قام إلى صلاة الليل ثنى بعض اللحاف بيني وبين زوجته"([10]).

ولا ندري من أين جاءت هذه المحرمية لعليّ رضي الله عنه مع زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى يدخل عليهم في أي وقت أراد، بل ينام معهن في لحاف واحد، عياذًا بالله.

سابعاً: أفتى زعيم الحوزة الشيعية السابق أبو القاسم الخوئي بجواز أن تنام المرأة مع رجل أجنبي في نفس الغرفة بوجود محرم معها. فقد سئل: "ما حكم المرأة التي تنام في غرفة واحدة مع محرم لها وغير محرم لها؟

الجواب: يجوز ذلك، ولا بأس به، والله العالم" (([11])).

 

([1]) الفاحشة الوجه الآخر لعائشة، ياسر الحبيب، (ص 842-844).

([2]) شرح رياض الصالحين: أحمد حطيبة (62/ 6)، بترقيم الشاملة.

([3])  صحيح مسلم: كتاب الطهارة، باب حكم المني (1/ 239)، رقم الحديث: 290.

([4]) شرح سنن الترمذي: عبد الكريم الخضير (24/18)، بترقيم المكتبة الشاملة.

([5])  مصنف ابن أبي شيبة (1/ 83)، رقم الحديث: 920.

([6])  صحيح البخاري: كتاب النكاح، بَابُ مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ (7/38)، رقم الحديث: 5239.

([7]) من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق (1/ 99).

([8]) مهج الدعوات ومنهج العبادات، السيد بن طاووس، (ص 6).

([9]) الإمام علي من المهد إلى اللحد، محمد كاظم القزويني، (ص 144).

([10]) الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري، (1/ 53).

([11])  رابط الفتوى: http://www.al-khoei.us/fatawa1/?id=2294


لتحميل الملف pdf

تعليقات