الشبهة الرابعة
زعم الرافضة أن عائشة رضي الله عنها سقت السّمّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
محتوى الشبهة:
استغل الرَّافِضَة قصة سقي عَائِشَة وحفصة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الدواء في مرضه، فقالوا: سقتاه السُّمَّ، وهذا هو نص الرواية الصحيح عن عَائِشَة رضي الله عنها، قالت: «لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: "لاَ تَلُدُّونِي"، قَالَ: فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي" قَالَ: قُلْنَا: كَرَاهِيَةٌ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاّ لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلاّ العَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ"([1]).
قال ياسر الحبيب معلقًا على هذه الواقعة: "إن جميع دلائل ومؤشرات الجريمة تحوم حول عائشة ومن أعانها من نساء النبي صلى الله عليه وآله على وضع هذه المادة الغريبة في فمه الشريف، وغني عن القول أنّ أقربهن إليها ليست إلا حفصة، وبذا تكون هذه جميعًا قرائن على صدق ما جاء عن الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام في بيان سبب استشهاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم".
وإنا لو دققنا النظر في مجريات الأيام والساعات الأخيرة من حياته الشريفة، لانتبهنا إلى أن التدهور الصحي المتسارع له قد بدأ بعد عملية (اللدود) هذه مباشرة، حتى أنه توفي في اليوم التالي"([2]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: أن اللَّدُود: هو الدواء الذي يُصبُّ في أحَدِ جانبي فمِ المريض([3])، فكيف عَرَف الرَّافِضَة مكوِّنات الدواء الذي وضعَتْه عَائِشَة للنبي صلى الله عليه وسلم؟!
ثانيًا: أنَّ مَن نقَلَ هذه الحادثة هو عَائِشَة رضي الله عنها فكيف تنقل قتْلَها لنبيِّها، وزوجها، وحبيبها صلى الله عليه وسلم؟!
ثالثاً: السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة في الطعام الذي قُدِّم للنبي صلى الله عليه وسلم كُشِفَ أمرُه من الله تعالى، وأخبرتِ الشاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنّها مسمومة، فلماذا لم يحصل معه صلى الله عليه وسلم الأمر نفسه في السُّمِّ الذي وضعته عَائِشَة في فمه؟!
رابعاً: لم يُعطَ الدواءُ للنبي صلى الله عليه وسلم من غير عِلّة، بل أُعطِيَه مِن مَرضٍ ألَم به.
خامساً: لم يُعطَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الدواء إلاَّ بعد أن تشاورَ نساؤه رضي الله عنهنَّ في ذلك الإعطاء.
سادساً: لا ننكر أن يكون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مات بأثَر السُّم! لكن أيُّ سُمٍّ هذا؟ إنَّه السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في طعام دَعَتْه لأكْله عندها، وقد لفَظَ صلى الله عليه وسلم اللُّقمة؛ لإخبار الله تعالى بوجود السُّم في الطعام، فأخبرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه أنّه يجد أثرَ تلك اللُّقمة على بَدَنه، ومِن هنا قال مَن قال من سلف هذه الأُمة: إنَّ الله تعالى جمع له بين النبوَّة والشهادة.
قال الصدوق: "واعتقادنا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه سمُّ في غزوة خيبر، فما زالت هذه الأكلة تعاده حتى قطعت أبهره فمات منها"([4]).
قال الشهيد الثاني: "الخبر المستفيض أو المتواتر بأكل النبيّ صلّى اللّه عليه وآله من الذراع المسموم الذي أهدته اليهوديّة إليه صلّى اللّه عليه وآله، وأكل منه هو وبعض أصحابه، فمات رفيقه وبقي يعاوده ألمه في كلّ أوان إلى أن مات منه صلّى اللّه عليه وآله".([5])
وقال الاسترابادي: "ومنها: كلام الشاة المسمومة المهداة من اليهوديّة بخيبر، حيث دعا أصحابه إليه فوضع يده، ثمّ قال: «ارفعوا فإنّها تخبرني بأنّها مسمومة» وقد كان صلى الله عليه وآله تناول منها قليلا قبل أن كلّمته، ليعلم أنّه مخلوق وعبد. وصار ذلك سبب الشهادة مع عوده كلّ سنة"([6]).
فهذه النصوص وغيرها تبين أن سبب شهادة النبيّ صلى الله عليه وسلم هو السمّ الذي سقته إياه اليهودية عام خيبر، وليس زوجاته وحاشاهن من ذلك.
سابعاً: من الواضح في الرواية أنَّ نساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يفْهَمنَ مِن نَهْي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعدم لَدِّه أنَّه نهْي شرعي، بل فهِموا أنَّه من كراهية المريض للدواء، وفَهْمُهم هذا ليس بمستنكرٍ في الظاهر، وقد صرَّحوا بأنهم وإن لم يكنْ لهم عذرٌ عند النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الأصْلَ هو الاستجابة لأمرِه، صلى الله عليه وسلم قد أخطأوا في تشخيص دَائه صلى الله عليه وسلم؛ لذا فقد ناوَلوه دواءً لا يُناسب عِلَّته.
قال ابن حجر: "وإنَّما أنْكَرَ التداوي؛ لأنه كان غير ملائم لدائه؛ لأنهم ظنّوا أنَّ به "ذات الْجَنْب"، فداووه بما يلائمها، ولم يكنْ به ذلك؛ كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى"([7]).
ثامناً: النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يوضع الدواء نفسه في فم كل من كان في الغرفة، إلا العباس t، فلماذا مات هو صلى الله عليه وسلم منه، ولم يموتوا هم؟! وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان من باب التأديب ليس إلا.
قال الطحاوي: "فإن قال قائل: فهل كان ما أمر أن يُفعل قصاصاً ممن أمر أن يفعل ذلك به مما فعلوه به؟ قيل له: قد يحتمل أن يكون ذلك كان منه على العقوبة، والتأديب، حتى لا يَعُدن إلى مثله، ومما يدل على أن ذلك ليس على القصاص: أنه لم يَأمر أن يُلدُّوا بمقدار ما لَدُّوه به من الدواء؛ لأنه لو كان قصاصاً: لأمر أن يُلدوا بمقدار ما لَدوه به، لا بأكثر منه"([8]).
وقال الحافظ ابن حجر: "والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم؛ لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديباً، لا قصاصاً، ولا انتقاماً"([9]).
والحمد الله رب العالمين.
[1]- أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته، (6/14)، رقم (4458)، وكتاب الطيب، باب اللدود، (7/ 127)، رقم (5712)، وكتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل، (9/ 8)، رقم (6897)، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب كراهة التداوي باللدود، (4/ 1733)، رقم (2213).
[2]- الفاحشة، ياسر الحبيب، (ص789-790).
[3]- ينظر: تهذيب اللغة، (14/ 49)، والفائق في غريب الحديث، (3/ 85)، ولسان العرب، (3/ 390.(
[4]- الاعتقادات، الصدوق، (ص 97).
[5]- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، (11/459).
[6]- البراهين القاطعة، محمد جعفر الاسترآبادي، (3/ 43).
[7]- فتح الباري، (8/ 147.(
[8]- شرح مشكل الآثار (5/ 198).
[9]- فتح الباري، (8/147).
لتحميل الملف pdf