الشبهة السادسة
محتوى الشبهة
قال الشيعة: "أشار النبي صلى الله عليه وسلم نحو مسكن عائشة، وقال: أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ".
قال باقر شريف القرشي: "ولم تحظ عائشة بقليل ولا بكثير من تلك الرعاية وذلك الحنان، بل كان يعاملها معاملة عادية، بل ويزدري بها في كثير من الأحيان، فقد وقف خطيبًا على منبره فأشار إلى مسكنها قائلا: «ها هنا الفتنة، هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان" ([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: هذا الحديث له روايات أخرى كثيرة تبين المقصود الحقيقي منه، قد أخرجها البخاري نفسه وغيره، والواجب علينا جمعها وضمها كلها فإنها كلها صحيحة ثم نفهم بعد ذلك مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله.
فليس المراد من الحديث "عائشة رضي الله عنها" بل المقصود جهة المشرق، فقد كان بيت عائشة جهة المشرق، فلو كانت عائشة المقصودة بذلك لطلقها النبيّ صلى الله عليه وسلم، بل -على العكس -كانت رضي الله عنها أحب الناس إليه.
ويدل على أن الجهة هي المقصودة قول النبي الله صلى الله عليه وسلم: «رَأْسُ الكُفْرِ قِبَل الْمَشْرِقِ»([2]).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا([3]).
وفي رواية عنه: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا»، ثَلاَثًا «حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ».([4])
فليس المقصود بيت حفصة أو بيت عائشة، إنما المقصود جهة المشرق التي كان فيها بيتهما.
وقال سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِىءُ مِنْ هَا هُنَا». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ». وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»([5]).
فيستفاد إذن من مجموع هذه الروايات الصحيحة بأن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق وهي قرن الشيطان ولأن بيت عائشة - رضي الله عنها - كان إلى شرقي مسجده صلى الله عليه وسلم.
أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، حتى أنه لم يقل (أشار إلى مسكن عائشة)، بل قال: (فأشار نحو مسكن عائشة) مما يبين أنه عنى الجهة فقط بخلاف كل الروايات الأخرى والتي فيها قوله (وأشار إلى المشرق)؛ لأن فيها تحديد المقصود تماما، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة ([6]).
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: " نَجْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نَجْدُهُ بَادِيَةَ الْعِرَاقِ وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ مَشْرِقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُ النَّجْدِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ الْغَوْرِ فَإِنَّهُ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا وَتِهَامَةُ كُلُّهَا مِنَ الْغَوْرِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ ". ([7])
وعليه فإن الإشارة كانت للجهة التي ستظهر منها الفتن، والجهة قريبة للرسول صلى الله عليه وسلم وفي وجهه، وأنت لو سألت أحدهم أين جهة القبلة، فسيقول لك : "من هنا" لأن الجهة أمامه، وليست بعيدة عنه، فهو يشير على جهة القبلة ولا يشير على الكعبة نفسها البعيدة عنه، لكن المقصود في النهاية هي الكعبة بلا شك، فكذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أشار إلى جهة المشرق، وقصد أرض الرافضة وهي العراق وإيران .
ويؤكد ذلك كلمة ( نحو )، أي : جهة ، ولم يقل ( إلى عائشة ).
وقد جاء في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: ( أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ ، فَقَالَ : بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ) وفي لفظ ( عند باب عائشة فقال بيده نحو المشرق ) كما في " صحيح مسلم " (2905) ، فظهر أن المراد الجهة ، وأما الحجرات فليست مقصودة لذاتها
ثانيًا: ورد في كتب الرافضة ما يدل على هذا المعنى، وهو إرادة جهة المشرق.
روى الكليني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:" خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة... ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس"([8]).
قال المجلسي: "قوله صلى الله عليه وآله: «من حيث يطلع قرن الشمس»، قال الجوهري: قرن الشمس أعلاها، وأول ما يبدو منها في الطلوع، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس، أي: في شرقي المدينة"([9]).
وعليه فبالتحاكم لكتب الرافضة، وجدنا أن قرن الشيطان الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العراق وإيران ، وهما مشرق المدينة، ومن المعلوم أن روايات الرافضة تَتَتَبَّع كل نقيصة لأصحاب نبينا مذكورة في التاريخ، فيصنعون منها روايات على ألسنة أهل البيت، ولكننا وجدنا أن الرافضة لا يملكون رواية واحدة ولو بلا إسناد تقول بأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها هي المقصودة صراحة بقرن الشيطان كما زعم الرافضة.
ثالثاً: كلام الرافضة لا يعني إلا أحد شيئين: إما أن يقولوا أن ّالنبي صلى الله عليه وسلم عنى بتلك الإشارة عائشة نفسها، أو يقولوا أنه صلى الله عليه وسلم قصد مسكنها نفسه، فإن قالوا الأول فبطلانه واضح من معرفة التراكيب اللغوية التي في الحديث، وإنها لا تستعمل إلا للإشارة لمكان معين لا لشخص، كقوله (مِنْ حَيْثُ)، وقوله (هَاهُنَا الْفِتْنَة) يشير إلى مكان تستوطن فيه الفتنة.
وإن قالوا الثاني: وهو أنه صلى الله عليه وسلم أراد مسكنها نفسه ـ فلا يمكن أن يكون كذلك طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقّر السكن فيه، ويتردد إليه كل يوم فيه نوبة عائشة رضي الله عنها، بل كان يتردد إليه أكثر من بيوت زوجاته الأخريات بمقدار الضعف فإن لعائشة رضي الله عنه في القسم يومان: يومها ويوم سودة بنت زمعة رضي الله عنها التي وهبته لها لعلمها بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها.
وأكثر من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في سكرات موته يحب أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها دون بيوت سائر زوجاته، وبقي هناك حتى توفي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها ودفن فيه.
روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:" أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، وكان يقول: أين أنا غداً؟ فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذنّ له".([10])
وبعض علماء الرافضة أقرّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يمرّض في بيت عائشة رضي الله عنها لمكانتها في قلبه.
قال القمي الشيرازي: "حتى مرض رسول الله صلى الله عليه وآله المرض الذي توفي فيه، فكانت فاطمة وعلي يريدان أن يمرضاه في بيتهما، وكذلك كان أزواجه كلهن، فمال الى بيت عائشة بمقتضى المحبة القلبية التي كانت لها دون نسائه... ولم يكن له إلى غيرها من الزوجات مثل ذلك الميل إليها، فتمرض في بيتها، فغبطت على ذلك"([11]).
قال أبو الوفا بن عقيل: "انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عن البهيم فضلا عن الناطق"([12]).
فلم يبقَ من القول مجالاً إلا أن يقولوا إنما عنى به مسكن عائشة رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إن قالوه فإنما ينادوا على أنفسهم بالويل والثبور، إذ إن مسكن عائشة رضي الله عنه تحول بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبره الشريف ولم يعد بيتا لها حتى ينسب إليها، وكيف يستجيز عاقل على أن يرضى الله تعالى لحبيبه وعبده محمد صلى الله عليه وسلم أن يدفن في مكان هو مطلع الفتنة على حدّ زعم الرافضة؟
قال جعفر الخليلي: "وهناك إجماع على أن الرسول الأعظم كان قد دفن في بيت عائشة، حيث قبر الخليفتان الأولان أيضًا"([13]).
وإن المرء ليتعجب من آيات الله تعالى أن جعل مسكن عائشة رضي الله عنها مكانا يمرض فيه عبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعله مدفنا له وقبرا، ثم يتم ذلك بأن دفن إلى جواره صاحباه ووزيراه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
رابعاً: إذا أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن تعتقد أمته أن قرن الشيطان هي فلانة ! فهل تكون العقيدة بإشارات قد تحتمل معاني كثيرة؟! بل كما ذكرنا فإن كل عربي يفهم أنها لا تحتمل إلا معني الجهة لا غير ذلك، فلفظ الحديث "فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ" فهنا الإشارة واضحه لكل عربي أنها للجهة لا للبيت نفسه ولو قصد البيت لقال "وأشار إلى بيت عائشة " وهذا نص قاطع في أن الإشارة للجهة لا للبيت، فهل بمثل هذا يكون البيان لعقيدة ضلت الأمة -عند الرافضة- بسببها ؟!
خامساً: هل يتخيل العقل الرافضي أن الوحي قد خرج من معقل الشيطان ومنبع الفتنة ؟! بماذا يجيب الرافضي على سؤال النصراني لو طرح عليه السؤال التالي؟ أين يرقد نبيكم الآن؟ فهل يكون جوابه: في المكان الذي يطلع منه قرن الشيطان؟!
لا حاجة لنا إلى دين يكون مدخل النبي ومخرج الشيطان فيه واحداً.!
فبماذا يجيب الرافضة على هذا الإلزام الذي يكشف الطعن في الدين كله، بقرآنه ونبيه من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعا؟!
روى المجلسي في "عين الحياة: "بسند معتبر عن أبي عبدالله انّه قال : قال لي أبي : يا بنيّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن لا يملك لسانه يندم"([14]).
وروى أيضا في نفس المصدر ": "بسند معتبر عن رسول الله انّه قال : أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة"([15]).
فليهنأ الرافضة وتقر أعينهم بالطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه.
سادساً: إذا كان الأمر كما ذكر الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في أرض هي قرن الشيطان فلماذا أراد الحسن بن علي أن يدفن فيها كما هو وارد في كتب السنة والشيعة.
فقد جاء في أسد الغابة في سياق الكلام عن الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه: " ولما حضرته الوفاة أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فلقد كنت طلبت منها فأجابت إلى ذلك فلعلها تستحي مني فإن أذنت فادفني في بيتها وما أظن القوم يعني بني أمية إلا سيمنعونك فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد فلما توفي جاء الحسين إلى عائشة في ذلك فقالت: نعم وكرامة"([16]).
وفي تاريخ دمشق: "أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تأذن له أن يدفن مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيتها فقالت نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن ادفن فيه وأنا اؤثرك به"([17]).
وقد جاء في كتب الشيعة أن الحسن أوصى الحسين في مرض موته قائلا: "وَأَنْ تَدْفِنَنِي مَعَ جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَإِنِّي أَحَقُّ بِهِ وَ بِبَيْتِهِ مِمَّنْ أُدْخِلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَ لَا كِتَابٍ جَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِهِ.."([18]).
فيلزمكم من ذلك أن الحسن أراد أن يدفن في قرن الشيطان وكفى بها مثلبة.
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين
[1]- حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، (1/366).
[2]- صحيح البخاري (4/127)، صحيح مسلم، (1/ 72).
[3]- صحيح مسلم، (4/ 2229).
[4]- صحيح البخاري، (9/ 53).
[5]- صحيح مسلم، (4/ 2229).
[6]- أمنا عائشة، شحاتة صقر، (ص 89-91).
[7]- فتح الباري، ابن حجر، (13/ 47).
[8]- الكافي، الكليني، (8/ 70).
[9]- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي، (25/164).
[10]- صحيح مسلم، (1/ 312).
[11]- الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين، محمد طاهر القمي، (ص 619).
[12]- استدراكات عائشة على الصحابة، (ص 30 .(
[13]- موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي (3/ 199).
([14]) عين الحياة (١/٣٦٧).
([15]) المرجع السابق (١/٣٦٨)
([16]) أسد الغابة (1 / 261).
([17]) تاريخ دمشق (13 / 289).
([18]) الأمالي - ط دار الثقافة المؤلف : الشيخ الطوسي (1 / 160).
لتحميل الملف pdf