الشبهة الحادية عشر
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: لا تكوني فاحشة.
محتوى الشبهة:
قالوا: إن عائشة رضي الله عنها كانت فاحشة -حاشاها من تطاول الأراذل- واستدلوا بما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ «لَا تَكُونِي فَاحِشَةً» فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمِ الَّذِي قَالُوا، قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ"([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: عجباً لمن يعمد إلى فضيلة ظاهرة، فيها محبة واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاع عنه ضد اليهود وتطاولهم، فلم تصبر على الضيم، فردت الظلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه غاية المدح لها رضي الله عنها.
قال النووي: "فِيهِ الِانْتِصَارُ مِنَ الظَّالِمِ، وَفِيهِ الِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ"([2]).
فمن ينتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممدوح لا مذموم عند أهل الإسلام.
ثانيًا: كلمة الفاحشة تُفهم حسب السياق، فقد تطلق الفاحشة على الكفر، وقد تطلق على الزنا، وغير ذلك.
وأصل الفحش في اللغة: يطلق على كل شيء جاوز قدره فهو فاحش([3]).
فالذي فعلته أم المؤمنين رضي الله عنها هي أنها ردت على اليهود الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "السَّامُ عَلَيْكَ"، فردت عليهم بقولها: "بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ" وفي رواية: "وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ"([4]).
فالأمر ليس فيه فحش من ناحية الألفاظ، وإلا فقد قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64]. فهنا رد الله عليهم قولهم، وزاد عليه اللعنة، وهذه الزيادة تكون فحشًا على مقتضى الحال، فقد يكون سياق الكلام يقتضي الشدة، فلا يكون فحشاً كما في الآية التي فيها سب لرب العالمين تبارك اسمه.
وقد يكون الموقف موقف دعوة مع مجرد دعاء منهم على النبي صلى الله عليه وسلم يستوجب رده عليهم بمثل ما قالوا فقط، فالزيادة في مثل هذا الموقف لا تكون في موضعها وتسمى في عرف اللغة فحشًا، وقد بيَّن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن التجاوز في الرد مضاد للرفق الذي أُمرنا به: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ"([5]).
إذًا الموقف ليس إلا تعليمًا للأمة أن يردوا على المعتدي بنفس اعتداءه لا بزيادة عليه، وإلا كانت هذه الزيادة فحشًا.
ثالثًا: تسمية الشيعة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنها -عياذًا بالله- فاحشة ليس إلا تطاولاً على المقام الرفيع لأم المؤمنين ومن قبلها على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رضي بأن يعيش معها ويمس جلده جلدها...الخ، فهل يرضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاشر من هذا حاله؟! وقد أبي أن يصاحب دابة ملعونة في سفر؛ فكيف بمن يتخذها زوجة تطهو له طعامه، وتغسل له ثيابه، ويمس جلده جلدها رضي الله عنها، ولو التزم الرافضة ذلك وجب عليهم أن يسموا فاطمة بأنها "نقمة أو عذاب".
فعن سلمان الفارسي: أنه لما استخرج أمير المؤمنين من منزله، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر، فقالت: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمدًا بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأسي، ولأصرخن إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي؟ قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي: إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في غياشيمنا" ([6]).
وقال لها عليٌّ رضي الله عنه: "يا بنت رسول الله! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين، إلى أن قال: فكوني -يا سيدة النساء- رحمة على هذا الخلق المنكوس، ولا تكوني عذابًا" ([7]).
فيجب على الرافضة تسمية فاطمة (نقمةً)، أو (عذاباً)؛ لأنها فعلت شيئًا فيه ذلك فنهاها عليٌّ عنه، وأمرها بضده.
وقد جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتب الشيعة أنه كان يجلس في المسجد فيطعن في الأعراض، ويفحش في الرد ولا يلين للناس.
فقد روى الكليني بسنده عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: "كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَذَكَرَ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَوْلَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنَّمَا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَهُمْ، وَأَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ عز وجل هَذَا الْأَمْرَ عَلَى يَدَيْكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِصَاحِبِهِمْ، وَلَا يَسُرُّنِي أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُمْ، إِنَّ أَصْحَابَهُمْ أَوْلَادُ الزِّنَا، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ سِنِينَ وَلَا أَيَّاماً أَقْصَرَ مِنْ سِنِينِهِمْ وَأَيَّامِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُ الْمَلَكَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْفَلَكُ فَيَطْوِيهِ طَيّا" ([8]).
أليست كلمة أولاد الزنا فحشا في القول؟!!
وقال الصفار: "حدثنا إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن الحرث بن حصين عن الأصبغ بن نباته قال: "كنا وقوفًا على رأس أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وهو يعطى العطا في المسجد، إذ جاءته امرأة، فقالت: يا أمير المؤمنين عليه السلام أعطيت العطا جميع الاحياء إلا هذا الحي من مراد لم تعطهم شيئًا، فقال لها: اسكتي يا جرية، يا بذية، يا سلفع، يا سلق، أو يا من لا تحيض كما تحيض النساء، قال: فولت، ثم خرجت من المسجد، فتبعها عمرو بن حريث ..."([9]).
وفي رواية أخرى قال: "فنظر إليها فقال لها: يا سلفع، يا جريئة، يا بذية، يا مذكرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شيء بين مدلى" ([10]).
فإن لم يكن هذا فحشاً فليس في الدنيا فحشٌ، فهل يرضى الشيعة أن يسموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه (الفاحش)؟!
ونحن نبرأ أمير المؤمنين على بن ابي طالب من الفحش والبذائة، فوالله ما كان فاحشًا ولا بذيئًا
فرضي الله عن أم المؤمنين، وعن أصحاب نبينا أجمعين
والحمد الله رب العالمين
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1]- صحيح مسلم (4/1706).
[2]- شرح النووي على مسلم (14/147).
[3]- زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، (1/327).
[4]- صحيح البخاري، (8/12).
[5]- صحيح البخاري، (8/ 12).
[6]- الأسرار الفاطمية - محمد فاضل المسعودي (ص 353).
[7]- مأساة الزهراء (ع)، السيد جعفر مرتضى (2/296).
[8]- الكافي – الكليني، (8 /341).
[9]- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار (ص 377 – 378).
[10]- بحار الأنوار، المجلسي (41 / 293 – 294).
لتحميل الملف pdf