شبهات وردود

زعم الشيعة أن حديث الإفك مردود كونه آحادًا!

الشبهة الثانية والعشرون

زعم الشيعة: أن حديث الإفك مردود كونه آحادًا

 

محتوى الشبهة:

يقول أحد الشيعة ما خلاصته: "أن حادثة الإفك حدث عظيم في الإسلام واستمر شهراً كاملا فكيف تفردت عائشة برواية هذا الحدث الكبير ومعلوم أنها المستفيد منه فكيف لم يصلنا ولو رواية واحدة عن أي تفصيل من تفاصيل الواقعة والتي حدثت فيها أحداث عظيمة كخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تشاجر الأوس والخزرج، وكذلك تطبيق الحد على القاذفين فلماذا لم يقل أحد من الصحابة أنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا في خطبته أو يقول آخر سمعت عبد الله بن أبي يقول كذا في عائشة..." ([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: قبل رد دعوى التفرد الذي زعمه الرافضي أقول: إن العلماء أجمعوا على أن تفرد الصحابي لا يضر؛ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن واجباً عليه أن يبلغ كل فرد في الأمة كل شيء؛ ولذلك كان يوجد عند بعضهم ما ليس عند الآخر.

وكم من حديث تفرد به صحابي وهو في أعلى درجات الصحة وتلقته الأمة بالقبول وليس هناك أشهر من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما الأعمال بالنيات" يرويه الإمام البخاري عن شيخه الحميدي عبد الله بن الزبير عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من طريق عمر رضي الله عنه، ولا يثبت عن عمر إلا من طريق علقمة، ولا يثبت عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عنه سوى يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر حتى قال بعضهم: إنه يرويه عن يحيى بن سعيد من طريق من أكثر من سبعمائة وجه، وإن كان الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد، ويقول: إنه يجمع الطرق لهذا الحديث منذ بداية الطلب إلى وقتِ تأليف فتح الباري، وقال: إنه لم يقدر على تكميل المائة فضلاً عن مائتين وثلاثمائة وسبعمائة، فالحديث كما سمعتم فردٌ مطلق، تفرده في أصل السند، لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صحابي واحد، ولم يروه عن هذا الصحابي إلا تابعي واحد، وهكذا في أربع طبقات.

ويشبهه آخر حديث في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ" ([2]).

 هذا الحديث يرويه أبو هريرة لا يشركه في روايته أحد، ويرويه عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، ويرويه عنه عمارة بن القعقاع لا يرويه غيره، وتفرد بروايته عنه محمد بن فضيل لا يرويه غيره، وعن محمد بن فضيل انتشر.

هذان حديثان من الأفراد من أفراد البخاري، وإن شئت فقل: من غرائب الصحيح، التفرد في أصل السند. أصل السند طرفه الذي فيه الصحابي، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحابي نفسه، أو من يرويه عن الصحابي، وجاء عند ابن حجر -رحمه الله تعالى- تنزيل الفرد المطلق على تفرد الصحابي، وجاء أيضاً في تعريف الفرد المطلق أن يتفرد بروايته عن الصحابي شخصٌ واحد، وكأنه في هذا الموضوع رأى أن تفرد الصحابي لا يضر؛ لأن الواحد من الصحابة يعدل أمة"([3]).

وهذان الحديثان من الأهمية بمكان في أصول الإسلام ومع ذلك ففيهما تفرد في طبقة الصحابي وقد تلقتهما الأمة بالقبول.

قال ابن القيم رحمه الله في مناقشة من يطعن في حديث ابن عباس في المطلقة ثلاثا القائل بأنها كانت واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ما نصه: "وقد رده آخرون بمسلك أضعف من هذا كله: فقالوا: هذا حديث لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابن عباس وحده، ولا عن ابن عباس إلا طاووس وحده.

قالوا: فأين أكابر الصحابة وحفاظهم عن رواية مثل هذا الأمر العظيم، الذي الحاجة إليه شديدة جداً؟ فكيف خفي هذا على جميع الصحابة، وعرفه ابن عباس وحده؟ وخفى على أصحاب ابن عباس كلهم وعلمه طاووس وحده؟

وهذا أفسد من جميع ما تقدم، ولا ترد أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بمثل هذا. فكم من حديث تفرد به واحد من الصحابة، لم يروه غيره، وقبلته الأمة كلهم، فلم يرده أحد منهم وكم من حديث تفرد به من هو دون طاووس بكثير ولم يرده أحد من الأئمة؟، ولا نعلم أحداً من أهل العلم قديماً ولا حديثاً قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع ومن تبعهم فى ذلك أقوال، لا يعرف لها قائل من الفقهاء"([4]).

فهذا ابن القيم رحمه الله يبين أن الطعن في الرواية بمثل هذا إنما هي طريقة أهل البدع، ولا يُطعن في الحديث بمثل هذا، مهما بلغت درجة أهميته، فليس في تفرد الصحابي بروايته ما يدل على كذبه كما زعم الرافضي، إنما قد تسنح الفرصة للصحابي أن يُحدِّث بالحديث كأن يسأله سائل عنه، أو تأتي مناسبة لذكره، وقد لا تأتي مناسبة لذلك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها هي صاحبة القصة وقد عاشت رضي الله عنه عنها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة سبع وأربعين عاما، فكان من الطبيعي جداً أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعته، وعلمته، لئلا تكتم العلم عن الله ورسوله، والذي أصبح الناس في حاجة إليه بعد تطاول الزمان، فهل أحرقَ قلوبَ الرافضة مثلاً أنْ يكونَ أحبُّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأتَه؟ ضاربًا المثلَ في الحبِّ والوفاء والإخلاص لأهله؟!

أيريد الرافضي أن تكون حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مخبوءة مكتومة عن أمته بحيث لا تتم الأسوة به صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصلح أن يكون خاتم الأنبياء؟!

يقول بودلي: "ليس هناك شك في أن عائشة وخديجة كان لهما أثرٌ عظيم في وجود هذه الديانة التي يدين بها اليوم سبع سكان العالم"([5]).

والآن صار المسلمون -بفضل الله - ربع سكان العالم؛ ذلك أن بودلي كتب كتابه في ديسمبر عام 1945 بواشنطن وكان هذا هو التعداد تقريباً وقتها.

تقول جورجيا هاركنس عن المسيح: "لا نعرف عنه - أي يسوع - شيئًا حتى بدأ خدمته وهو في حوالي الثلاثين من عمره، وكنا نود لو أن كُتَّاب البشائر أخبرونا عن حياة يسوع المبكرة أكثر مما لدينا، ولكنهم سجلوا فقط ما اعتبروه في نظرهم أكثر أهمية من غيره !!" ([6]).

قال ابن القيم رحمه الله: "والعجب أن الرادين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثيراً من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتها، لا تعرف عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن يعد"([7]).

قلت: وهذا الرافضي إذا نظر في دينه سيجده مبنياً على روايات ليس لها إسناد واحد صحيح، وقد اعترف بذلك علماء الرافضة.

يقول الشيخ محمد دهيني في موقعه الرسمي على الشبكة في جواب سؤال يقول فيه السائل "سلام عليكم سماحة الشيخ، كيف نثبت أنّ القسم الثاني من حديث الكساء غير صحيح؟ وماذا عن آية التطهير؟

قال بعد التحيّة والسلام، أقول:

أوّلاً: لا ينبغي أن يكون جُلّ هَمِّنا في إثبات عدم صحّة هذا القسم، بمعنى أنّه لا بدّ من التحرّي والبحث عن حقيقة هذا القسم، فربما يكون صحيحاً، وربما يكون ضعيفاً.

ثانياً: للأسف الشديد فإنَّ كلَّ (حديث الكساء) بالصيغة التي أوردها الشيخ عبّاس القمّي في (مفاتيح الجنان) ليس له سندٌ متَّصل بالمعصوم (ع). فهم يروُونه عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، عن مولاتنا فاطمة الزهراء (ع)، ولكنْ ماذا عن الواسطة بينهم وبين جابر الأنصاريّ، والمفروض أنّه عددٌ كبير من الرواة يملأ المسافة الزمانيّة الفاصلة، والتي قد تتجاوز الألف عام؟!

لم أعثَرْ على هذه القطعة من السند، وبالتالي فإنّ هذا الحديث بالمصطلح الحديثي هو حديثٌ معلَّقٌ، والحديث المعلَّق من أقسام الحديث الضعيف.

نعم، وردت عباراتٌ مشابهةٌ لما ذُكر في آخر (حديث الكساء) في بعض الروايات عن النبيّ (ص)، ولكنَّها رواياتٌ ضعيفةٌ سنداً، أي: في بعض رواتها خَدْشةٌ في الوثاقة أو العدالة، وبالتالي لا يمكن أن تصنَّف هذه الروايات في الروايات الصحيحة أو المقبولة، التي يمكن أن نستفيد منها عقيدةً أو حكماً شرعيّاً.

وخلاصة القول: إنَّ (حديث الكساء) بصيغة (مفاتيح الجنان) هو حديث معلَّقٌ ضعيفٌ، ولا يمكن الاعتقاد بما جاء فيه.

وكذلك هي الروايات الأخرى التي تذكر بعض العبارات الواردة في آخر (حديث الكساء)، فهي ضعيفةٌ سنداً، وبالتالي لا تشكِّل حجّةً في العقائد، ولا في الأحكام([8]).

بل وعند أهل السنة لا يصح حديث الكساء من أي طريق غير طريق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كما قرر ذلك كثير من علماء أهل السنة، وآخرهم الشيخ عثمان الخميس في كتابه (الأحاديث الواردة في شأن الحسن والحسين جمع وتخريج ودراسةً وحكماً).

وقد أثبت أن الرواية الوحيدة الصحيحة هي التي ثبتت في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وأما ما روي عن غيرها فضعيف، وإذا سقط حديث الكساء، فقد سقط دين الرافضة كله، لأنهم يبنون على هذا الحديث مبدأ العصمة وما يستتبعها من أحكام.

ثانيًا: قد قرر علماء الشيعة وجوب العمل بخبر الواحد، وقالوا بأن أكثر اعتماد الشيعة إنما هو على أخبار الآحاد.

قال الشيخ عبد الهادي الفضلي: "ومنذ عهد المحقق الحلي حيث ضعف الخط الأول أصبح الخط الثاني هو المهيمن على الوسط العلمي، فكان التصريح بجواز العمل بخبر الثقة مطلقا، أي سواء كان مدونا في الكتب الأربعة أو في غيرها"([9]).

يقول الوحيد البهبهاني: "اتّفق المتقدّمون والمتأخّرون من القائلين بحجّية خبر الواحد على أنّ الخبر الضّعيف المنجبر بالشّهرة وأمثالها حجّة، بل استنادهم إلى الضّعاف أضعاف استنادهم إلى الصّحاح، بل الضّعيف المنجبر صحيح عند القدماء من دون تفاوت بينه وبين الصحيح...لكن كلّهم اتّفقوا على كون المنجبر حجّة، بل معظم الفقه من الأخبار الغير الصّحيحة بلا شبهة، بل الطّريقة فيه: أنّه عند معارضة الضعيف المنجبر مع الصّحيح الغير المنجبر يرجّح ذلك الضّعيف على ذلك الصّحيح...لا شبهة في أنّ عشر معشار الفقه لم يرد فيه حديث صحيح، والقدر الّذي ورد فيه الصّحيح لا يخلو ذلك الصّحيح من اختلالات كثيرة بحسب السّند، وبحسب المتن، وبحسب الدّلالة، ومن جهة التعارض بينه و بين الصّحيح الآخر، أو القرآن، أو الإجماع، أو غيرهما- كما أشرنا إليه في الفوائد"([10]).

بل لقد قال الخوئي إن خبر الواحد حجة إجماعًا. فقال: "الشيخ الطوسي (قدس سره) -مع كونه من القائلين بحجّية خبر الواحد- ذكر في مسألة تعارض الخبرين، وترجيح أحدهما على الآخر: أنّ الخبر المرجوح لا يعمل به، لأنّه خبر الواحد فجرى في هذا التعليل على الاصطلاح الثاني في خبر الواحد، وعليه فيكون خبر الواحد الموثوق به كما هو محل الكلام حجّة إجماعاً"([11]).  وقرر الأنصاري أن أكثر فقهاء الشيعة ذهبوا إلى حجية خبر الواحد بشكله الكلّي ([12]).

فلماذا يعترض الرافضي على شيء اعتمد عليه دينه؟!!!

ثالثًاً: الحديث لم تتفرد بروايته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): "وقد روى هذا الحديث من الصحابة غير عائشة جماعة منهم عبد الله بن الزبير، وحديثه أيضا عقب رواية فليح عند المصنف في الشهادات ولم يسق لفظه، وأم رومان قد تقدم حديثها في قصة يوسف وفي المغازي ويأتي باختصار قريباً، وابن عباس وابن عمر وحديثهما عند الطبراني وابن مردويه، وأبو هريرة وحديثه عند البزار، وأبو اليسر وَحَدِيثه بِاخْتِصَار عِنْد ابن مَرْدَوَيْهِ فَجَمِيعُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَائِشَةَ سِتَّةٌ"([13]).

فهؤلاء ستة من الصحابة رُوي الحديث من طريقهم لكنني تتبعتُ الروايات فوجدتها قد صحت من طريق أم رومان وأبي هريرة كما عند البخاري: (3388، 4143، 4691، 4751)

ورواية أم رومان بطولها في مسند الطيالسي بسند كالشمس، قال: "حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن أبي وائل، عن مسروق، قال: حدثتني أم رومان أم عائشة، قالت بينا أنا قاعدة إذ دخلت علي امرأة فقالت: فعل الله بفلان كذا وكذا، فقلت: وما له؟ قالت: إنه أفشى الحديث - يعني ذكر عائشة - فقالت عائشة: سمع بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: فسمع بهذا أبو بكر؟ قالت: نعم، فأخذها شيء، ما قامت إلا بحمى، فألقيت عليها ثيابها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما شأن هذه؟ فقلت: أخذتها حمى، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعله من أجل حديث حدثت به، فقعدت عائشة، فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تقبلوا مني، وما مثلي ومثلكم إلا كمثل يعقوب وبنيه، {وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [سورة يوسف:18]، قال: فأنزل الله عز وجل عذرها، فقالت عائشة: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أحد"([14]).

فهذه أم رومان قد حضرت الواقعة وروتها وهذا ينفي التفرد المزعوم.

وأما رواية أبي هريرة رضي الله عنه، فعند أبي يعلى قال: "حدثنا أبو موسى، حدثنا عمر بن أبي خليفة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأصاب عائشة القرع في غزوة بني المصطلق"([15]).

وعند البزار قال: "حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ومُحَمد بْنُ مَعْمَر، واللفظُ لمُحَمد بن مَعْمَر قالا: أخبرنا عَمْرو بن خليفة البكراوي، قَال: حَدَّثنا مُحَمد بن عَمْرو، عَن أبي سَلَمَة، عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق فلما كان في جوف الليل انطلقت عائشة لحاجة فانحلت قلادتها فذهبت في طلبها، وَكان مسطح يتيما لأبي بكر وفي عياله فلما رجعت عائشة لم تر العسكر قال: وَكان صفوان بن المعطل السلمي يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة أحسبه قال: ذا عائشة؟ قال([16]) وجهه عنها، ثُمَّ أدنى بعيره منها. قال: فانتهى إلى العسكر فقالوا قولاً، أو، قالوا فيه، ثُمَّ ذكر الحديث حتى انتهى قَالَ: وَكان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يجيء فيقوم على الباب فيقول: كيف تيكم؟ حتى جاء يوما فقال: أبشري يا عائشة فقد أنزل الله عذرك فقالت: نحمد الله لا نحمدك قال وأنزل في ذلك عشر آيات: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة النور:11]، قال: فحد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح وحمنة وحسان"([17]).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه أبو يعلى، والطبراني باختصار، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات"([18]).

إذا فهذا طريق أبي هريرة رضي الله عنه، ومعلوم أن التفرد ينتهي برواية واحد فقط، فكيف إذا كانوا اثنان، بل ثلاثة؛ فهناك شاهد للرواية من طريق ابن عباس عند أحمد: "عن عبد الله بن أبي مليكة، أنه حدثه ذكوان، حاجب عائشة، أنه جاء عبد الله بن عباس، يستأذن على عائشة، فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقلت: هذا ابن عباس يستأذن، فأكب عليها ابن أخيها عبد الله، فقال: هذا عبد الله بن عباس يستأذن، وهي تموت، فقالت: دعني من ابن عباس، فقال: يا أمتاه، إن ابن عباس من صالحي بنيك، ليسلم عليك، ويودعك، فقالت: ائذن له إن شئت، قال: فأدخلته، فلما جلس، قال: أبشري، فقالت: أيضاً،  فقال: "ما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة، إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله، ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبا"، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأصبح رسول صلى الله عليه وسلم، حتى يصبح في المنزل، وأصبح الناس ليس معهم ماء" فأنزل الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً} [النساء: 43]، فكان ذلك في سببك وما أنزل الله عز وجل لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء به الروح الأمين، فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر فيه الله، إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، فقالت: دعني منك يا ابن عباس: والذي نفسي بيده، لوددت أني كنت نسيا منسيا"([19]).

وهذا الحديث أخرجه الطبراني (10783) من طريق معاوية بن عمرو، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن سعد 8/75، وعثمان الدارمي في "الرد على الجهمية" ص 27-28 من طريق زهير بن معاوية، وأبو يعلى (٢٦٤٨) من طريق بشر بن المفضل كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به، ورواية الدارمي مختصرة.

فبهذا الشاهد وحده ينتفي التفرد المزعوم، حيث إن ابن عباس قال لأم المؤمنين عائشة: "وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء به الروح الأمين، فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر فيه الله، إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار".

قال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي في (اللؤلؤ المكنون): 

وإن تجد متابعاً أو شاهداً              لخبر الآحاد كان عاضدا

زال بهــــــا تـــــفرد عـــــــن فــــرد"([20]).

وهذا معناه أن التفرد ينتفي بمجرد وجود شاهد للرواية أو متابع.

قلت: فهؤلاء ثلاثة من الصحابة غير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها صح الحديث من طريقهم بفضل الله تعالى.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

-[1] الفاحشة (329-331).

-[2] صحيح البخاري (9-162).

-[3]  شرح اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون - عبد الكريم الخضير (4/5-6).

[4]- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/295).

الرسول، حياة محمد (ص 351). -[5]

جورجيا هاركنس، بماذا يؤمن المسيحيون (ص 46). -[6]

-[7]  إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/296).

1- http://dohaini.com/

-[9] دروس في أصول فقه الإمامية-عبد الهادي الفضلي (ص283).

-[10]الفوائد الحائرية-محمّد باقر الوحيد البهبهاني (1/487-488).

-[11]  مصباح الأصول، الخوئي (1/174).

-[12]فرائد الأصول، الأنصاري (ص237).

 -[13]فتح الباري لابن حجر (8/457).

-[14]  مسند أبي داود الطيالسي (3/242).

 -[15]  إسناده حسن، مسند أبي يعلى الموصلي (10/805).

[16]  -  قال محققه: في الأصل: فيحمله , قال فنظر فإذا عائشة فغط أحسبه قال.

-[17]  مسند البزار = البحر الزخار (14/334).   

-[18]  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/323).

  -[19] مسند أحمد ط الرسالة (4/297-298).

-[20]  شرح اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (4/9).


لتحميل الملف pdf

تعليقات