الشبهة السادسة والعشرون
قول عائشة رضي الله عنها: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أملككم لإربه.
محتوى الشبهة:
يشنع الرافضة كثيرًا على أم المؤمنين عائشة لقولها كما في الصحيحين: "عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِه).([1])
فقالوا هل جربت عائشة الناس -عياذًا بالله- حتى تحكم على جميعهم بأنهم ضعفاء جنسيا ولا يملكون أنفسهم بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم؟! وكيف تتكلم عن العضو الذكري؟!
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: قال الخطابي:" قولُ عائشةَ، رضي اللهُ عنها: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَكَكُم لأَرَبِهِ). أكثرُ الرواةِ يقولونَ: لإِرْبِهِ. والإرْبُ: العُضْو، وإنّما هو لأرَبَه، مفتوحة الألف والراء، وهو الوَطَرُ وحاجةُ النّفْسِ، وقد يكونُ الإرْبُ الحاجةَ أيضاً، والأًوَّلُ أَبْيَنُ".([2])
إذا فالإِرب بالكسر هو الأصح ومعناه الحاجة وكذلك الأَرب بالفتح يأتي بمعنى الحاجة وهي كناية عن قضاء الوطر.
قال الزبيدي: "في حديث عائشةَ رضي اللّه عنها «كَانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أَمْلَكَكُمْ لِأَرَبِهِ». أَيْ لِحَاجَتِه، تَعْنِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَغْلَبَكُمْ لِهَوَاهُ وحَاجَتِه، أَيْ كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَه وهَوَاهُ".([3])
وقَالَ أَبُو عبيد: "كَلَام الْعَرَب لأربه بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ الْحَاجة وَالْمعْنَى أَنه كَانَ يغلب هَوَاهُ. ([4])
وقد أقر علماء الشيعة بذلك:
قال البحراني:" العاشر [في بيان معنى التابعين غير أولي الإربة]: قد دلت الآية على استثناء «التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ» من تحريم النظر إلى الأجنبية، فيجوز لهم النظر حينئذ...قيل: إنه الشيخ الهرم لذهاب إربه، عن يزيد بن أبي حبيب...أقول: والذي وقفت عليه في أخبارنا، ما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل «أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ- إلى آخر الآية» قال: الأحمق الذي لا يأتي النساء.
قال في كتاب (الوافي): الإربة: العقل وجودة الرأي.
أقول: لم أقف لهذا المعنى الذي ذكره على مستند، من لغة أو غيرها، والموجود في كلام أهل اللغة إنما هو تفسير الإربة بالحاجة، وهو الذي فسر به في كتاب (مجمع البيان).
قال الفيومي في كتاب (المصباح المنير): الأرب بفتحتين، والإربة بالكسر والماربة بفتح الراء وضمها: الحاجة، والجمع: المآرب، والأرب في الأصل مصدر من باب تعب، يقال أرب الرجل إلى الشيء، إذا احتاج إليه، فهو آرب على فاعل".([5])
ثانيًا: قوله كيف عرَفَتْ أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لإربه؟! فالجواب من أسهل ما يكون لأن القطع بكونه معصوماً يوجب القطع بأنه صلى الله عليه وسلم أملك الناس لنفسه، وأبعدهم عن الوقوع في الحرام، وإلا فأنا لو سألتك يا أيها الرافضي هل النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لنفسه وشهواته فإن قلت لا فقد فَضَّلت غير النبي صلى الله عليه وسلم عليه وإن قلت لا أدري فقد جهلت العصمة وساويت بين الفاضل والمفضول.
ولو سألتك هل علي بن أبي طالب أشد أهل زمانه عفة فإن قلتَ نعم فقد يأتي أحدهم ليقول لك فهل جربت عفة الناس جميعا حتى تحكم على عفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه أعَف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما كان جوابًا لك كان جوابًا لنا.
ثالثًاً: قوله إن معنى الحديث أن باقي الناس لا يملكون إربهم وأن هذا يُفهم من قولها (أملككم لإربه) فهذا من الجهل باللغة لأن أفعل التفضيل لا تعني سلب الصفة عن المفضول.
الفعل غالباً، ولا يخلو المفضل عليه من مشاركة المفضل في المعنى في الغالب، كقولك: (خالد أفضل من عباس) فإن في كليهما فضلا، غير أن خالدًا يزيد فضله على فضل عباس، ومثله قولك (سيبويه أنحى من الكسائي) " فالكسائي مشارك لسيبويه في النحو، وإن كان سيبويه قد زاد عليه في النحو".([6])
رابعًا: الفائدة من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "وكان أملككم لإربه" هو ذكر العلة التي يدور عليها الحكم من جواز المباشرة للصائم وعدمها، وقد قال الشيعة بنفس الحكم أخذاً من ذكر هذه العلة وغيرها.
قال الروحاني في (فقه الصادق): "وخبره الآخر عنه (عليه السلام) والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ولا ينبغي له أن يتعرض لرمضان. أي لا يحرم المباشرة ولكنها مكروهة لحرمة رمضان.
والدليل الثاني: صحيح الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام): عن الرجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال (عليه السلام): إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني.
وصحيح منصور بن حازم عنه (عليه السلام): قال قلت له: ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال (عليه السلام): أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن، والقبلة إحدى الشهوتين. الحديث.
وصحيح عبد الله بن سنان: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) رخصة للشيخ في المباشرة.
ودليل الثالث: صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):
عن الصائم هل يباشر أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال (عليه السلام): إني أخاف عليه فليتنزه من ذلك إلا أن يثق ألا يسبقه منيه؛ لأن ذا الشهوة لا يكون واثقا وغيره واثق البتة، ولعل التعليل في صحيح منصور يدل على ذلك بقرينة قوله (عليه السلام): والقبلة إحدى الشهوتين. إلى غير ذلك من النصوص.
والنهي في الطائفتين الأخيرتين محمول على الكراهة للإجماع، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم فقال (عليه السلام): لا بأس وإن أمذى ... الحديث، فإن الإمذاء إنما يترتب مع تحرك الشهوة ولما في النصوص من القرائن الأخر".([7])
وفي (روضة المتقين): "وفي الموثق كالصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال: إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق ألا يسبقه منيه"([8]).
وقال الحلي: " أما من يملك إربه كالشيخ الكبير، فالأقرب انتفاء الكراهة في حقه ".([9]) وقال أيضا: "وتكره القبلة للشاب الذي تحرك القبلة شهوته، ولا تكره لمن يملك إربه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقبل، وهو صائم، وكان أملك الناس لإربه".([10])
والحمد الله رب العالمين
[1]- صحيح البخاري- (3/30)؛ صحيح مسلم- (2/ 777).
[2]- إصلاح غلط المحدثين- الخطابي- (ص 24).
[3]- تاج العروس من جواهر القاموس- المرتضى الزبيدي- (1/ 298).
[4]- غريب الحديث- ابن الجوزي- (1/ 17).
[5]- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة- يوسف البحراني- (23/ 77).
[6]- معاني النحو- (4/ 311).
[7]- فقه الصادق- للروحاني- (8/ 192).
[8]- روضة المتقين - محمد تقي المجلسي – (3 / 312 (.
[9]- تذكرة الفقهاء- العلامة الحلي- (6/ 92).
[10]- تذكرة الفقهاء- العلامة الحلي- (6/ 25).
لتحميل الملف pdf