الشبهة الثامنة والعشرون
زعم الشيعة: أن التقوى شرط في أمومة أمهات المؤمنين فمن عصت الله وجب على الإمام المعصوم أن يطلقها لتخرج من اللقب
محتوى الشبهة:
قال الشيعة: "أصل شرفهن وعلو منزلتهن لا يتحقق إلا بشرط التقـوى، وهو قوله تعالى: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [سورة الأحزاب:32] فالتي تكون منهن فاقدة لصفة التقوى، فإنها لا تحوز في الاعتبار الإسلامي شرفًا ولا فضيلة، بل هي وسائر النساء سواء، فلا يستتبع ذلك على المؤمن احترامها وتوقيرها.
وبعبارة أخرى؛ إن مجرد انضمام إحداهن إلى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) لا يستدعي تشريفاً لها وتفضيلاً على سائر النساء، فإنها تبقى كغيرها إلا إذا التزمت التقوى فغدت ملكة لها، فساعتئذ ينزلها الاعتبار الإسلامي منزلة الأم، ويوجب على المسلمين احترامها وتوقيرها وذكرها بخير"([1]).
وقال أيضا: "قد صح عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة من عترته (عليهم السلام) الحكم بانفساخ عصمة عائشة من النبي وبينونتها منه وإباحة الأزواج لها وسلب شرف أمومة المؤمنين منها، وذلك لمخالفتها شرط «إن اتقيتن» وشرط «وقرن في بيوتكن» وعصيانها عهد رسول الله (صل الله عيه وآله) حين خرجت على خليفته من بعده أمير المؤمنين (ع)، فأحدثت الفتنة بين المسلمين. فإن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كان قد أوكل إلى أخيه عليّ (ع) أمر تطليق من تخرج عليه من نسائه من بعده، وهذا التطليق حكم خاص هو من جملة مختصات النبوة، وبإيقاعه تبين المرأة من النبي صلى الله عليه وسلم فلا تكون معدودة ضمن أمهات المؤمنين، وذلك كما هو حال اللائي طلقهن النبي في حياته، إذ هن جميعًا خارجات عن هذا الوصف والمقام وما يلحقها من أثار"([2]). ثم أورد عدة روايات نذكرها خلال البحث.
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: : ليس من شرط التقي أن يكون معصوماً، وإلا فقد أثبت الله التقوى حتى لمن يقع في الكبائر لكنه يستغفر ولا يصر، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران:133-135].
فالآية لا تنزه هؤلاء المتقين من المعاصي، بل إنها لا تنزههم حتى من الكبائر (الفواحش)، فمن ظن أن شرط التقوى عدم ارتكاب معصية فقد خالف كتاب الله تعالى.
ثانيًا: يلزم الرافضي كونه قرر أن الأمومة تنفك إذا ارتكبت المرأة معصية، ولو صغيرة أن لا يكون هناك أمهات للمؤمنين؛ إذ الأمة أجمعت على أن نساء النبي غير معصومات، وهذا يلزم منه بالضرورة أن يقع من المرأة ولو صغيرة، وهذا لازم عدم العصمة، وبالضرورة هذا يتنافى مع التقوى -في زعمه-، وبالتالي لن تكون هناك أُماً للمؤمنين؟!
ثالثًاً: يلزم الرافضي -بناء على تقريره- أن أي زوجة لنبينا تحقق التقوى فهي أفضل من غيرها من نساء الأمة أن تكون أيَّ أم للمؤمنين أفضل من فاطمة رضي الله عنها، وذلك بنص قول الله تعالى {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [سورة الأحزاب:32].
قال ابن كثير "هَذِهِ آدَابٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنِسَاءُ الْأُمَّةِ تَبَعٌ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مُخَاطِبًا لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُنَّ إِذَا اتَّقَيْنَ اللَّهَ كَمَا أَمَرَهُنَّ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِهُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْحَقُهُنَّ فِي الفضيلة وَالْمَنْزِلَةِ"([3]).
قال البغوي: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَيْسَ قَدْرُكُنَّ عِنْدِي مِثْلَ قَدْرِ غَيْرِكُنَّ مِنَ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ، أَنْتُنَّ أَكْرَمُ عَلِيَّ، وَثَوَابُكُنَّ أَعْظَمُ لَدَيَّ"([4]).
قال القطان:" {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} ليس هناك جماعة من النساء تساويكن في الفضل والكرامة، لأنكن أَزواج خاتَم النبييّن، وأمهات المؤمنين، وهذه منزلةٌ عظيمة لم يتشرّف بها احدٌ من النساء غيركن"([5]).
وبهذا يتبين أن أفضل نساء الأمة هم نساء نبينا بنص الآية، وعليه فالرافضي بين أمرين أحلامهما مر بالنسبة لدينه، وهو أنه إما أن تكون هناك أمهات للمؤمنين وهذا لا يتحقق إلا بتحقيقهن للتقوى فتكون أمهات المؤمنين أفضل من فاطمة بنص كتاب الله تعالى، وإما ألا تكون هناك أما للمؤمنين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!
قال ابن عساكر: "وَمَنْ مَاتَ عَنْهَا حُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِهِ إِكْرَامًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَعْتَقِدُ ذَلِكَ سُبَّةً وَعَارًا"([6]).
رابعًا: إذا كان مجرد حدوث معصية من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أمومتهن للمؤمنين فقد وجب على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق أي واحدة ترتكب أي مخالفة في حياته، وهذا ما لم يكن، فإما أن تثبتوا مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لدينكم أو تتخلوا أنتم عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما طبقه؟!
خامسًا: قد ناقض الرافضي نفسه ودينه لما قال: "قد صح عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة من عترته (علهم السلام) الحكم بانفساخ عصمة عائشة من النبي وبينونتها منه وإباحة الأزواج لها وسلب شرف أمومة المؤمنين منها، وذلك لمخالفتها شرط (إن اتقيتن) وشرط (وقرن في بيوتكن)".
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بانفساخ الزوجية وأمومة المؤمنين بمجرد مخالفة التقوى، فإن أمر علي بإيقاع الطلاق لا يكون له محل إذ أنها بمجرد المخالفة يقع الانفساخ، ثم أنتم تعتقدون في أم المؤمنين مخالفات أخرى كإنكار الوصي، والخروج من البيت للحج في زمن عمر وعثمان، وقتل النبي في زعمكم الآثم، فلماذا لم يقع الانفساخ المباشر بمجرد الوقوع في تلك المخالفات؟!
سادساً: قول الرافضي: "وإباحة الأزواج لها وسلب شرف أمومة المؤمنين منها"، هذا جهل بالأحكام في دين الشيعة، إذ أن الشيعة قالوا بأن المرأة إذا طُلقت أو فُسِخ عقدها فإنه لا يجوز لها الزواج بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- أيضا.
قال الفاضل الهندي: "من الكرامات أنه (جعلت أزواجه أمهات المؤمنين) بنص الآية (بمعنى تحريم نكاحهن على غيره) واحترامهن (سواء فارقهن بموت) كالتسع المعروفات (أو فسخ) كالتي فسخ نكاحها بالبرص (أو طلاق) كالتي استعاذت منه، لشمول الأزواج لهن (لا لتسميتهن أمهات ولا لتسميته (صلى الله عليه وآله) أبا"([7]).
وقال الشهيد الثاني:" ولم يمت صلى الله عليه وآله وسلم عن زوجة في عصمته إلا مدخولاً بها، ونقل المصنف الاجماع على تحريم المدخول بها والخلاف في غيرها ليس بجيد، لعدم الخلاف أولا، وعدم الفرض الثاني ثانياً.
وإنما الخلاف فيمن فارقها في حياته بفسخ أو طلاق، كالتي وجد بكشحها بياضا، والمستعيذة، فإن فيه أوجها أصحها عندنا تحريمها مطلقا، لصدق نسبة زوجيتها إليه صلى الله عليه وآله وسلم بعد الفراق في الجملة، فتدخل في عموم الآية([8])".
قال الحلي:" وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين، بمعنى: تحريم نكاحهن على غيره، سواء فارقهن بموت أو فسخ أو طلاق، لا لتسميتهن أمهات"([9]).
سابعاً: لما رأى الرافضة أنه لا سبيل إلى نسبة الطلاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإجماع الدنيا كلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهي زوجته اختلقوا هذه الكذبة الحمقاء على أهل البيت! وهو أنه يجوز للمعصوم أن يطلق المرأة بعد وفاة زوجها؟!
ولم يُسمع في الحمق مثل هذا، نسأل الله أن يثبت علينا عقولنا، ولكن لا بأس من تفنيد الروايات التي ساقها الرافضي من كتبه كدليل -في زعمه-على أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها طلقها علي بن أبي طالب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الرواية الأولى: رواية الغيبة للطوسي وفيها:" يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا برئ منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي"([10]).
وهذه الرواية لا تصح عند الشيعة أنفسهم ونقدها كالتالي:
1- علي بن سنان الموصلي أبو الحسن المعدل "مجهول" كما قال الجواهري في كتابه "المفيد من معجم رجال الحديث-محمد الجواهري ص398.
2- جعفر بن أحمد المصري "مجهول" قال في مستدركات علم الرجال "لم يذكروه"([11]).
3- أحمد بن محمد بن الخليل أبو عبد الله "مجهول" أيضا قال في مستدركات علم الرجال "لم يذكروه"([12]).
فهذه رواية مجاهيل ورواية المجهول مردودة باتفاق قال في "وصول الأخيار إلى أصول الأخبار" ([13]): "لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الجماهير منا ومن العامة".
فهؤلاء بعض رجال الإسناد، وبهم تسقط الرواية.
الرواية الثانية: وروى أيضاً نقلا عن السيد رضي الدين الموسوي رضي الله عنه من كتاب "خصائص الأئمة "عن هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي، عن عيسى الضرير، عن الكاظم، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا نص بحار الأنوار والذي أحال عليه الرافضي: "يا علي إن فلانة وفلانة ستشاقانك؟ وتبغضانك بعدي وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد، وتخلف الأخرى تجمع إليها الجموع هما في الامر سواء، فما أنت صانع يا علي؟ قال: يا رسول الله إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب الله، وهو الحجة فيما بيني وبينهما، فان قبلتا وإلا خبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقي المفروض عليهما، فإن قبلتاه وإلا أشهدت الله وأشهدتك عليهما، ورأيت قتالهما على ضلالتهما، قال: وتعقر الجمل وإن وقع في النار؟ قلت: نعم، قال اللهم اشهد، ثم قال: يا علي إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن فأبنهما مني، فإنهما بائنتان، وأبواهما شريكان لهما فيما عملتا وفعلتا"([14]).
ولكن ياسر الحبيب صاحب الشبهة كذب ودلس على أتباعه حيث صرح بذكر اسم أم المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما مع أن نص الرواية قال: "فلانة وفلانة"، ومعلوم أن الرواية حتى لو صحت -ودونه خرط القتاد-، فلا يصح الاستدلال بمثل هذه الألغاز وعدم التصريح في قضية خطيرة كهذه، ولكن الرافضي لعلمه بذلك دلّس على نص الرواية وصرح بالاسمين كذباً وتدليساً.
أما الإسناد فهو أيضا متهالك على قواعدهم:
عيسى الضرير هو الضعيف وهو مجهول عند القوم.
قال محمد الجواهري:" عيسى الضرير: مجهول - روى عن أبي عبد الله (ع) رواية في الكافي - متحد مع لاحقه.
٩٢٣٦ - ٩٢٣٥ - ٩٢٥٤ - عيسى الضعيف: روى عن أبي عبد الله (ع) في الكافي والتهذيب والفقيه وهو عيسى الضرير " المجهول المتقدم " سابقه"([15]).
وبهذا تسقط الرواية الثانية.
الرواية الثالثة: في إرشاد القلوب للديلمي وفيها "قال: ثمّ أمر خادمة لاُمّ سلمة فقال: اجمعي لي هؤلاء يعني نساءه فجمعتهنّ له في منزل اُمّ سلمة فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب فقال لهنّ: هذا أخي ووصيّي ووارثي والقائم فيكنّ وفي الاُمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به ولا تعصينّه فتهلكن بمعصيته، ثمّ قال: يا عليّ اُوصيك بهنّ فأمسكهنّ ما أطعن الله ورسوله وأطعنك، وأنفق عليهنّ من مالك، ومرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهنّ إن عصينك.
فقال عليّ عليه السلام: يا رسول الله إنّهنّ نساء ومنهنّ الوهن وضعف الرأي، فقال: ارفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقاً يبرأ الله ورسوله منها، قال: وكلّ نساء النبي صلّى الله عليه وآله قد صمتن فما يقلن شيئاً، فتكلّمت عائشة فقالت: يا رسول الله ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.
فقال لها: بلى يا حميراء، قد خالفت أمري أشدّ خلاف، وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي، ولتخرجين من البيت الذي اخلّفك فيه متبرّجة، قد حفّ بك فئام من الناس، فتخالفينه ظالمة له عاصية لربّك، ولتنبحنّك في طريقك كلاب حوأب، ألا انّ ذلك لكائن، ثمّ قال: قمن فانصرفن إلى منازلكنّ، قال: فقمن فانصرفن"([16]).
قلت: هذه الرواية ذكرت دون إسناد في إرشاد القلوب، وقد نقله صاحب الدرجات الرفيعة عن إرشاد القلوب قائلا:" وروى الديلمي في إرشاد القلوب مرفوعا"([17]).
فالخبيث يحتج بنص رواية ليس لها إسناد.!
وعندما وجدنا إسناداً، لم نجد النص الذي اعتمد عليه الخبيث، فقد ذكر هذه الرواية ابن طاووس في كتابه "اليقين" وليس فيها ذكر للنص الذي يستشهد به الخبيث ومع ذلك فإسنادها ساقط، وهذا هو سند رواية ابن طاووس التي نقلها عن كتاب وجده لابن الأثير الرافضي: - محمد بن الحسين الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا الحسن بن زيادا الأنماطي قال: حدثنا محمد بن عبيد الأنصاري عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي..." ([18]).
قلت: وهذا الإسناد كله مجاهيل.
محمد بن الحسين الواسطي: لم يذكروه ([19]).
وقال الجواهري:" مجهول"([20]).
2- إبراهيم بن سعيد المدني: مجهول ([21]).
3- الحسن بن زيادا الأنماطي لم أجد له ترجمة تبين حاله في كتب الرجال عند الرافضة.
4- محمد بن عبيد الأنصاري ليس له ترجمة ولم يذكروه بجرح ولا توثيق، وهو غير محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي أبو عمرو، كما ذكر ذلك علي النمازي الشاهرودي ([22]).
5- أبو هارون العبدي: قال الشاهرودي:" لم أقف على اسمه ولا حاله في كتب أصحابنا([23]).
6- ربيعة السعدي: لم يذكروه ([24]).
الرواية الرابعة: في الاحتجاج للطبرسي([25]): "وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي " لما قام فشهد؟ فقال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول علي بن أبي طالب عليه السلام: "يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي " قال: فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي عليه السلام: لقد أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بنبأ فقال: إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين".
وهذه الرواية بلا إسناد كما هو واضح.
الرواية الخامسة: رواها صدوقهم في كتابه " كمال الدين وتمام النعمة"([26]) وفيها:" فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنك قد أرهجت على الاسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنى غربك وإلا طلقتك، ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لان الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن، قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن لله على الطاعة، فآيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين".
قلت: وقد كفانا محقق الكتاب الرد على تلك الرواية، فقال في هامش ص 482([27]): "رجال السند بعضهم مجهول الحال وبعضهم مهمل، والمتن متضمن لغرائب بعيد صدروها عن المعصوم عليه السلام، ويشتمل على أحكام تخالف ما صح عنهم: مضافاً إلى أنَّ الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة أبوه أو محمّد بن الحسن ابن أحمد بن الوليد كما هو المحقق عند من تتبّع كتبه ومشيخته وهنا بين المؤلف وسعد خمس وسائط. وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا.
وقال([28]): " في طرق هذه الرواية معلى بن محمد البصري قال العلامة في حقه مضطرب الحديث والمذهب وكذا النجاشي وقال ابن الغضائري نعرف حديثه وننكره يروي عن الضعفاء".
وبهذا تسقط الرواية، ويظهر جهل ياسر الحبيب بكتبه التي يستدل بها، أو على الأقل تدليسه على الكتب التي ينقل منها، ولابد أنه رأى وهو ينسخ الرواية كلام المحقق عليها وأنها لا تصح.
الرواية السادسة: في كتاب شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي: "عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث علي عليه السلام إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة، أن ارجعي إلى بيتك، فأبت، ثم أرسل إليها ثانية، فأبت، ثم أرسل إليها ثالثة: لترجعن أو لا أتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله. فقالت: أرحلوني أرحلوني. فقالت لها امرأة -ممن كان عندها من النساء: يا أم المؤمنين ما هذا الذي ذعرك من وعيد علي عليه السلام إياك. قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله استخلفه على أهله وجعل طلاق نسائه بيده"([29]).
قلت: وسند هذه الرواية كالتالي: " إبراهيم بن الحسين، بإسناده عن سالم بن أبي الجعد، قال: بعث علي عليه السلام إلى عائشة.. الخ
وهذه الرواية أيضا بلا إسناد، إبراهيم بن الحسين هذا لا ندري كم بينه وبين سالم بن أبي الجعد، وهذا الاسم "إبراهيم بن الحسين" مشترك بين عدة مجاهيل ذكرهم صاحب مستدركات علم الرجال، وهم عشرة من الرواة من رقم 184 إلى 193، وأياما كان الأمر فمؤلف الكتاب توفي سنة 363 ه([30]).
وسالم بن أبي الجعد بعضهم يذكره في أصحاب علي بن أبي طالب وبعضهم يذكره في أصحاب السجاد ([31]).
والسجاد متوفى سنة 95 من الهجرة فبينه وبين المؤلف أكثر مئتين وخمسين عاما وهذا كاف للحكم على الرواية بالانقطاع كما هو ظاهر من إسنادها.
الرواية السابعة: عن عبد الله بن عباس، إنه قال: لما استقر أمر الناس بعد وقعة الجمل... فأرسل إليها علي صلوات الله عليه: والله لترجعن إلى بيتك أو لألفظن بلفظة لا يدعوك بعدها أحد من المؤمنين أماً. - فلما جاءها ذلك - قالت: ارحلوني ارحلوني، فوالله لقد ذكرني شيئاً لو ذكرته من قبل ما سرت مسيري هذا. فقال لها بعض خاصتها: ما هو، يا أم المؤمنين؟ قالت: إن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد جعل طلاق نسائه إليه وقطع عصمتهن منه حياً وميتاً، وأنا أخاف أن يفعل ذلك إن خالفته. فارتحلت..." ([32]).
وهذه الرواية كسابقتها ذكرت بلا إسناد.
وعليه فالوكالة المدعاة لعلي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي محض خرافة سبأية نوكاء.
ثم إنه لا توجد أي رواية صريحة رواها الرافضة عن عليٍّ أنه طلق أم المؤمنين-بزعمهم الأنوك-وهذا ما اعترف به الرافضي المؤلف نفسه وأنه لا توجد روايات تقول إن طلق أم المؤمنين، وإنما فقط هدد بذلك وهذا في ص277، ولكنه قال الذي ورد أنه أوكل ذلك للحسن حتى لا يتحمل هو تبعاته!
قال: "ولذا ورد في الآثار أنه (عليه السلام) فوَّض أمر التطليق إلى وصيه الحسن (عليه السلام) الذي أوقع طلاق عائشة فعلاً يوم ركبت على بغل لتمنع دفن الحسن (عليه السلام) إلى جوار جده صلى الله عليه وآله.
فقد روي المسعودي صاحب مروج الذهب "وكان الحسين (عليه السّلام) قد عزم على دفنه مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فمنعت عائشة من ذلك ركبت بغلة لها وخرجت تؤلّب الناس عليه وتحرّضهم. فلما رأى الحسين (عليه السّلام) ذلك دفنه بالبقيع مع أمّه، ولقتها بعض بني هاشم-وروي ان ابن عباس لقيها-منصرفة الى منزلها فقال لها: أما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل؟ يوماً على جمل ويوماً على بغل بارزة عن حجاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) تريدين إطفاء نور اللّه؛ واللّه متمّ نوره ولو كره المشركون، إنا لله وانا إليه راجعون. فقالت له: إليك عني أف لك.
وروي أن الحسين (عليه السّلام) عند ما فعلت عائشة وجّه إليها بطلاقها، وكان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) جعل طلاق أزواجه بعده الى أمير المؤمنين (عليه السّلام) وجعله أمير المؤمنين بعده الى الحسن وجعله الحسن الى الحسين (عليهما السّلام).
وقال النبيّ (صلوات اللّه عليه): إن في نسائي من لا تراني يوم القيامة، وتلك من يطلّقها الأوصياء بعدي.
قلت: سبحان الله! أرأيتم كيف يوقع الله الرافضي في شر أعماله وكما يقال "أراد أن يبني قصراً فهدم مصراً" ، فهنا هدم كل ما ذكره من أن علياً كان مأمورا بطلاق من عصت وخرجت عليه جاء هنا ليثبت أن علياً لم يطلق وإنما الذي طلق هو الحسن!
والرد على هذا الخبيث أن هذه رواية رواها رافضي وهو المسعودي، والأنكى من ذلك أنه رواها دون إسناد وإنما جاء بلفظ يفيد التضعيف فقال "رُوي" فهل بمثل هذا يكون الاستدلال على أمر خطير كهذا؟!
والخلاصة أن الرافضي الخبيث يتناقض مع نفسه ولا يدري كيف يستدل ويجهل أحكام دينه فضلاً عن جهله بالكتاب والسنة.
والحمد الله رب العالمين
[1]- الفاحشة (ص265).
[2]- الفاحشة (ص265).
[3]- تفسير ابن كثير، ت سلامة (6/408).
[4]- تفسير البغوي (6/348).
[5]- تيسير التفسير للقطان (3/107).
[6]- كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين (ص37).
[7]- كشف اللثام (7/39).
[8]- مسالك الأفهام (7/80).
[9]- قواعد الأحكام (8/3).
[10]- الغيبة-الطوسي- ص150.
[11]- مستدركات علم الرجال 2/143.
[12]- مستدركات علم الرجال-1/434.
[13]- "وصول الأخيار إلى أصول الأخبار" ص190.
[14]- كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين (ص37).
[15]- المفيد من معجم رجال الحديث ص450.
[16]- إرشاد القلوب (2/180).
[17]- الدرجات الرفيعة، السيد علي ابن معصوم (ص288).
[18]- اليقين، السيد بن طاووس ص384.
[19]- مستدركات علم الرجال (7/65).
[20]- المفيد من معجم رجال الحديث (ص520).
[21]- المفيد من معجم رجال الحديث (ص8).
[22]- مستدركات علم رجال الحديث ص 262.
[23]- مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (8/368).
[24]- مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي (3/392).
[25]- في الاحتجاج للطبرسي (1/240).
[26]- كمال الدين وتمام النعمة ص 459.
[27]- كمال الدين وتمام النعمة ص 482.
[28]- كمال الدين وتمام النعمة ص 485.
[29]- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار-القاضي النعمان المغربي (1/210).
[30]- مستدركات علم الرجال (1/138-139).
[31]- معجم رجال الحديث، الخوئي (9/14-15).
[32]- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان المغربي (1/392).
لتحميل الملف pdf